مدينة الأصدقاء

رحب بي سائق الحافلة الأميركي من أصل أفريقي عندما عرف أنني مسافر غريب، خصوصاً بعد أن تشاحنت مع راكبين يبدو من هيئتهما أنهما من أصحاب السوابق أو من رجال عصابات الشوارع، وطلب مني الجلوس قريباً منه، ربما ليطمئن أن الأمور لن تتطور أكثر في حافلته. كان يدعوني بكلمه “برو” أو الأخ، وهذا شائع بين الملونين؛ ما جعلني أشعر بنوع من الطمأنينة، قد أكون مسالماً بطبعي، بل وداعية سلام وتعايش في كثير من الأحيان، غير أن ذلك لا يعني الخنوع، فقد قال لي أبي يوماً ما في بداية أسفاري “يا غريب كن ذيب”، يومها قالت أمي “بل يا غريب كن أديب”، ولذلك من حينها وأنا أحاول الموازنة بين وصيتي والدي معتمداً على المرونة، غير أن ذلك لا يعني أن أخشى أو أتراجع عن الدخول في معارك أحياناً من أجل استرداد الحقوق، غير أن الحالة هنا مختلفة، فأنا أواجه رجال عصابات أكثر مني عدداً في منطقة نائية نوعاً ما وقد تأخر الوقت ليلا. ذكرني ذلك بمغامرات من هذا النوع حدثت في مناطق متفرقة من العالم أثناء رحلاتي الارتجالية، مطاردات في أزقة بغداد، وكوالالمبور ومكاتي ولوزون وأحياء باريس، وبراج، وبتسلافيا، ثم في بروكلن وهارلم وأماكن أخرى غريبة. قد يبدو ضرباً من الجنون، لكنه جزء من الصراع من أجل البقاء. الحافلة تشق طريقها المظلم من أطراف المدينة إلى مركزها، لقد أمضيت اليوم في بلدات متفرقة من تكساس وكان عليَّ أن أعود إلى مقر إقامتي في فورت ورث قبل التوجه في اليوم التالي إلى هيوستن، في وقت ما ترددت في العودة إلى فورث ورث، فقد كان من ضمن خططي المضي جنوبا وإكمال الطريق لاستكشاف بقية المدن والبلدات الحدودية مع المكسيك قبل دخول الأراضي المكسيكية، لكنني عدلت في اللحظات الأخيرة؛ لأن ذلك يتعارض مع خططي الارتجالية على أي حال. وها أنا ذا أعود إلى استكشاف تكساس التي تعتبر أكبر ولايات أميركا بعد ألاسكا، ويعود اسمها إلى لغة قبائل الهنود الحمر، والتي تعني بلغتهم “الأصدقاء”، وتعد ولاية تكساس من أكبر الولايات الزراعية في الولايات المتحدة وفيها أكبر الأراضي الزراعية في العالم، غير أن النفط هو أشهر صناعات الولاية، كما يوجد بها صناعة السيارات والشاحنات على نطاق واسع وتنتج حوالي ثلث الشاحنات الأميركية وتتألف تكساس من 255 مقاطعة وعاصمتها اوستن. ويبقى أن لهذه الولاية طعماً مختلفاً فثقافتها تأتي من مزيج من الثقافات الإثنية وبوتقة للثقافات من مختلف أنحاء العالم. rahaluae@gmail.com