الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإرهاب الاستراتيجي»... والمواجهة الحتمية

«الإرهاب الاستراتيجي»... والمواجهة الحتمية
22 سبتمبر 2013 22:31
تتضافر العديد من العوامل القوية على تغيير الطريقة التي يفكر بموجبها العالم. فلقد هيّأت التكنولوجيا للجماعات الإرهابية غير المتوطّنة أو التي لا تنتمي إلى أوطان، أن تنظم نفسها وتعمل على تجييش عملائها وأتباعها وتمويل عملياتها بنفسها بطرق وأساليب غير مسبوقة. وإذا ما أضفنا إلى هذا الصعوبات الكبيرة للقبض على عملائها وأفرادها ومعاقبتهم، فسوف يعني ذلك أنها أصبحت تحتل موقعها كلاعب قوي على المسرح السياسي الدولي. ويمكنها أن تعمل لحسابها الخاص أو أن تدور في فلك دول أخرى تحاول درأ المسؤوليات عن أنفسها. وفي كلتا الحالتين، يمكن القول إن المجموعات غير المتوطنة باتت تمثل قوة تستحق التفكير فيها والخوف منها. وفي نفس الوقت، يجب الانتباه إلى أن تطور التكنولوجيا في مجالات مختلفة يعني أنه بات في وسع أعداد قليلة من الناس امتلاك قوة هائلة. وعبر التاريخ، زادت قدرة الأسلحة المبنية على التكنولوجيا على القتل لدرجة يصعب تقديرها. فلقد كانت أسلحة العصر البرونزي أفضل من تلك التي كانت سائدة إبان العصر الحجري، وما لبث الفولاذ أن تفوق على البرونز، ثم أتى عصر جديد اختطفت فيه المدافع والبنادق والمسدسات دور القوس والنبلة. وتواصلت وتيرة التطور هذه دون انقطاع. وأصبح كل جيل جديد من الأسلحة التكنولوجية أكثر قدرة على القتل والتدمير من الجيل الذي سبقه. وظهرت إلى الوجود حقيقة جديدة تفيد بأن إنتاج الأسلحة المتعاقبة الأكثر فتكاً يحتاج إلى استثمارات وقواعد صناعية أكبر. وكان صنع سيف من البرونز يتطلب حفر المناجم بحثاً عن النحاس، ثم صهره وصبّه في قوالب. ويحتاج إنتاج الفولاذ إلى بناء أفران تعمل بالهواء المضغوط وإلى تقنيات مكملة لتشكيل وقولبة الفولاذ المنصهر لصناعة السيوف والرماح وبقية الأسلحة القديمة. ثم جاءت الأسلحة النووية لتتوج هذه المراحل التطورية للأسلحة الفتاكة. ويمكن لقنبلة نووية واحدة أن تدمّر مدينة بأكملها، إلا أن تكلفة إنتاجها باهظة جداً، كما أن صناعتها تنطوي على الكثير من الصعوبات التقنية المعقدة. وكان للتطوّر المتواصل الذي تحقق في مجال علم البيولوجيا أن يسبب طفرة نوعية في القدرة على الإبادة الجماعية وتخفيض تكلفتها بشكل كبير. ويمكن للأسلحة البيولوجية أن تنطوي على أخطار مهولة رغم انخفاض تكاليف إنتاجها وسهولة استخدامها في الحروب. وفي عالم باتت فيه القوّتان العظميان (روسيا والولايات المتحدة) تمرّان بأوقات عصيبة وامتلكت فيه دول مثل باكستان وكوريا الشمالية الأسلحة النووية، أصبح هناك أسلوب جديد وبسيط للحصول على أسلحة الدمار الشامل عن طريق السرقة. إذ يمكن لمجموعة إرهابية سرقة قنبلة ذرية جاهزة للاستخدام. وبات بوسع فصيل إرهابي صغير أن يمتلك من القوة مثل ما تمتلك أكبر دولة عظمى، وأن ينفذ هجوماً إرهابياً يؤدي إلى موت ملايين الناس. ولا شك أن هجوماً بمثل هذه القوة يختلف كثيراً عن الهجمات الإرهابية التقليدية بالتفجيرات الانتحارية التي تقتل عشرات الأشخاص فحسب. وقد يبدو الهجوم الإرهابي الذي نُفّذ في 11 سبتمبر عام 2001 على بعض الأهداف في الولايات المتحدة وأدى إلى موت بضعة آلاف من الناس، قزماً بالمقارنة مع هذه الإمكانيات الهائلة التي تتيحها سرقة أسلحة الدمار الشامل. ويمكن لهجوم منفرد بسلاح ذري أو بيولوجي أن يقتل من الناس ما يفوق عدد ضحايا الهجمات الإرهابية السابقة مجتمعة. ويمكن القول بشكل أوضح أن الخطر الكامن في هذا النوع من «الإرهاب الاستراتيجي» واسع النطاق يختلف بشكل كبير عن «الإرهاب التكتيكي». وكانت أنظمتنا الدفاعية قد تم بناؤها وتشكيلها عبر العقود الماضية للتصدي للتهديدات الاستراتيجية مثل الصواريخ السوفييتية والصينية (أيام الحرب الباردة). ثم أُعيد تشكيلها بعد ذلك بحيث تتصدى للهجومات الإرهابية التكتيكية كتلك التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. إلا أن عملية الإصلاح هذه لم تتميز بالتكامل المطلوب. ويتطلب الدفاع الحقيقي إعادة بناء مؤسساتنا وقدراتنا العسكرية والاستخباراتية من نقطة الصفر. ومنذ البداية، لم ينل «الإرهاب الاستراتيجي» ما يستحقه من اهتمام من طرف الوكالات الدفاعية الأميركية، وكانت الجهود المبذولة لمواجهة هذا التهديد مجزّأة ومشتّتة ويعوزها التكامل. وهذه طبيعة البشر. فطالما أن هجوماً خطيراً من هذا النوع لم يحدث حتى الآن، فإن الناس تميل لعدم أخذ الأمر على محمل الجد. وهذا الإهمال هو من النوع الذي سبق هجومي 11 سبتمبر 2001 و«بيرل هاربر» أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعض الكوارث والحوادث الدفاعية الأخرى. ولا شك أن إغماض العينين عن المخاطر التي تهدد حياتنا ووجودنا في المستقبل يمثل استراتيجية يمكن أن تقود إلى عقود من الهدوء المشوب بالخوف وخيبة الأمل الهائلة. ولقد علّمنا التاريخ أن الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يغيّر الشعور بالرضى الذاتي للولايات المتحدة عن قدراتها الدفاعية هو تهديد خطير لعدو يتحدانا بسبب درايته بقدراتنا المحدودة على التصدي له، ثم يعمد إلى تهديدنا لعقود وعقود. وتشكل الحرب الباردة خير مثال على هذا. فعندما شعرنا بالخطر، قمنا ببناء منظومتنا الدفاعية المتكاملة التي أدت عملها على النحو المطلوب وتجنبنا بذلك كارثة الحرب النووية. ولسوء الحظ لا يتشابه الحاضر والماضي. فها ننحن نجد أنفسنا الآن وقد أعددنا أنفسنا لمواجهة «الإرهاب التكتيكي»، ولكننا لا نمتلك الوسائل والأدوات اللازمة لمجابهة أسلحة «الإرهاب الاستراتيجي». والسيناريو الأرجح حالياً هو أن تستمر الولايات المتحدة في نهجها الذي يركّز على بعض القضايا ويغفل بعضها الآخر. وبعد ذلك سوف يطلق الإرهابيون هجومهم الجديد. وإذا حالفنا الحظ، فسوف نتمكن من اكتشافه في اللحظة المناسبة والتصدي له ومنع الكارثة من الوقوع، إلا أنه من المحتمل جداً أن يتسبب هجوم إرهابي استراتيجي خلال العقد المقبل بموت 100 ألف أو حتى مليون أميركي. وإنه لمن المؤكد أننا في تلك اللحظة بالذات سوف نستشعر الخطورة الحقيقية التي ينطوي عليها «الإرهاب الاستراتيجي». فلماذا لا نبدأ الآن؟ ناثان ميهرفولد الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة «Intellectual Ventures» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©