الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تباطؤ الاقتصاد الصيني... ولا محفزات!

15 سبتمبر 2012
على مدى عقدين من الزمن، كانت كل لعبة ينتجها مصنع "كايي" تشحن إلى أوروبا أو اليابان. وعلى غرار عشرات الآلاف من المصانع في الصين، نما هذا المصنع وازدهر بفضل الصادرات. لكن ذلك لن يتواصل بعد اليوم، فمع اقتراب أعياد الميلاد هذا العام، شرعت العاملات اللاتي يشتغلن على آلات الخياطة في هذه الضاحية الصناعية لمدينة تيانجين الساحلية في صناعة أوشحة حمراء للأطفال لحساب سلسلة من المتاجر الصينية. وفي هذا الإطار، يقول مدير مصنع كايي، وهو سان شولون، إن أسواق اللعب الأوروبية عرفت تراجعاً كبيراً، مبدياً أسفه لكون أزمة منطقة اليورو تعني "أنني أعتقد أن الأوروبيين لم يعودوا يشترون الهدايا مثلما كانوا يفعلون في الماضي. ونتيجة لذلك، انخفضت مبيعاتنا إلى أوروبا بـ50 في المئة منذ عام 2010". والواقع أن ما يشهده مصنع كايي ليس سوى جزء من تباطؤ دراماتيكي عام في النمو الاقتصادي للصين، والذي لطالما مثّل واحدةً من عجائب العالم الحديث. فقد بلغ النمو السنوي للبلاد خلال الربع الثاني من هذا العام نسبة 7?6 في المئة فقط، وهو معدل قد يبدو مرتفعاً بالنسبة للأذن الأميركية، إلا أنه يمثل أقل معدل عرفته الصين منذ ثلاث سنوات، وأدنى معدل نمو في الاقتصاد الصيني للربع السادس على التوالي. ولاشك أن ذلك يعد خبراً سيئاً بالنسبة لبقية العالم. ذلك أن تكيف الشركات الصينية مع التباطؤ الاقتصادي العالمي، من خلال إنتاج كميات أقل واستثمار رؤوس أموال أقل، يعني أنها باتت تحتاج إلى عدد أقل من الآلات الصناعية مثل تلك التي تصنعها الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، وكميات أقل من المواد الطبيعية الخام التي يصدّرها بائعو السلع الأولية في أستراليا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. والواقع أن أرقام التجارة لشهر أغسطس تعدُّ معبّرةً ودالةً جداً. فقد انخفضت واردات الصين بنسبة 2?6 في المئة، وهو انخفاض غير مسبوق تقريباً، في حين نمت الصادرات بمعدل ضعيف بلغ 2?7 في المئة فقط، وهي في طريقها إلى الارتفاع بأقل من 10 في المئة خلال العام كله، علماً بأن الارتفاع السنوي كان يبلغ 30 في المئة وأكثر خلال العقود الأخيرة. غير أن تراجع الصادرات ليس سوى جزء واحد فقط من أسباب تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني. ذلك أنه مما زاد الطين بلة هو أن اتجاهاً مماثلاً يشهده قطاع البناء، والذي يعد المحرك الرئيسي الآخر للنمو الاقتصادي الصيني، وذلك بسبب تراجع الطلب على الإسمنت والفولاذ ومنتجات أخرى. وقد تراجع قطاع البناء لأن الحكومة الصينية شعرت بالخوف العام الماضي من فقاعة قطاع السكن والعقار، واتخذت جملة من التدابير التي تجعل من عملية اقتناء مسكن أمراً أصعب وأغلى. وهو ما كان من نتائجه خفض أسعار العقار وثني المستثمرين عن الاستثمار في هذا القطاع. وكانت الفقاعة قد تضخمت أصلاً بسبب مخطط تحفيزي بقيمة 600 مليار دولار أطلقته السلطات في عامي 2008 و2009 من أجل تجنيب الاقتصاد الصيني تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وقد نجح المخطط، لكن بثمن باهظ. ذلك أن التضخم ارتفع، إلى جانب أسعار السكن، كما أن البنوك قدمت الكثير من القروض المتعثرة أثناء تسرعها لإغراق الاقتصاد بالقروض، وقامت الحكومات المحلية من جانبها بإثقال كاهلها بالكثير من الديون المتعثرة. ولهذا، فإن الحكومة الصينية لا تبدو تواقة هذه المرة إلى التدخل بقوة من أجل محاولة وقف التباطؤ الذي يعرفه النمو الاقتصادي، كما يقول آندرو باستون، المحلل في مؤسسة اقتصادية استشارية في بكين. ويضيف باستون قائلاً: "هناك إجماع عام في الحكومة على أن الرد الحكومي على الأزمة في عام 2008 كان مبالغاً فيه"، ثم يضيف: "ولذلك، فإنهم لن يقوموا بذلك مرة أخرى". والواقع أن تعليقاً نشرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) يوم الأربعاء الماضي، حمل الرسالة نفسها حيث جاء فيه أن "الكثيرين توقعوا أن تعلن الحكومة عن مخطط قوي من أجل الحؤول دون توقف الاقتصاد مرة أخرى... والحال أن مخططاً تحفيزياً ضخماً ليس مستبعداً فحسب، وإنما من شأنه أن يضر بالنمو المستديم للبلاد". غير أن هذا لا يعني أن السلطات وقفت مكتوفة الأيدي أمام تراجع الاقتصاد الصيني. ذلك أن البنك المركزي قام بخفض معدلات الفائدة مرتين هذا الصيف، وشجع البنوك على الإقراض عبر خفض الحد الأدنى المطلوب من احتياطاتها ثلاث مرات العام الماضي. كما قامت الحكومة بتعديل قانون الضرائب وسن تدابير أخرى من أجل تيسير الأمور على المصدرين. "إلا أن ما فاجأ الناس هذا العام هو أن الحكومة تبدو جادة بشأن عدم تزعم جهود الإنقاذ" بالطريقة التي فعلتها قبل أربع سنوات، يقول باستون. رأي يشاطره يي تان، المعلق الاقتصادي المستقل، إذ يقول: "في 2008، كانت الحكومة المركزية عاقدة العزم على تشجيع الاستثمار، لكن طريقة التفكير اليوم تغيرت ولم يعودوا يرغبون في التحرك بشكل متسرع". بيتر فورد جيشيان - الصين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©