الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حذاء سندريللا

حذاء سندريللا
15 سبتمبر 2012
في الزمانات، قام مخرج سينمائي نسيت اسمه بتحويل أحد قصص الكاتب الساخر الراحل محمد طمليه الى فيلم قصير، وهو من قصة (الحذاء)، التي نشرها في مجموعته القصصية (المتحمسون الأوغاد) التي لاقت اهتماما كبيرا من النقاد عند نشرها في الثمانينيات من القرن الماضي. في القصة يحصل الطفل على حذاء من بقجة اللاجئين التي حصل عليها في المدرسة على ما اذكر، فيحاول ان يرتدي الحذاء في طريق العودة لكن نمرة هذا الحذاء كانت اكبر بكثير من نمرة قدم الطفل، فيقوم الطفل بكل براءة بدفن الحذاء في مكان معلوم لديه، على الطريق بين المدرسة والبيت، وبعد أن يخفيه في الأرض، يقول جملته المفصليه:-» سأعود اليه عندما أكبر». في هذه القصة الرائعة ما كان من طمليه إلا أنه سجل ما حدث معه شخصيا، حيث تبين القصة طريقة تفكير الطفل، وتبين طرق الاحتيال على الفقر والبؤس وتجنب الخيبة والإحباط بكل الحيل النفسية الممكنة، قصة طفل سرقت نمرة الحذاء الكبيرة فرحته في أن يرتدي حذاء جديدا، فابتكر حلا بسيطا وسهلا لمشكلته بأن دفن الحذاء حتى يستفيد منه في المستقبل. ليقول الكاتب للقارئ إن هذا ليس حلا، إلا في عقل الطفل، وأن حلول الماضي لا تنفع لحل مشاكل المستقبل. لكن الذي كتب سيناريو الفيلم حول القصة البسيطة المعبرة بشكل عبقري، حولها الى دراما وطنية، حيث جعل الطفل يقف الى جوار الشمس، ويتحدى بلهجة تقريرية، لكأنه يهدد المحتلين بأنه سيأتي ليطردهم من ارضه، وما الى ذلك من النضالية المباشرة التي تحول الفن الى منشور حزبي، فلا تخدم الفن ولا تقدم منشورا حزبيا ناجحا. ذهبنا معا، طمليه وأنا لمشاهدة عرض الفيلم لأول مرة في المركز الثقافي الملكي، ولما رأى طمليه ما فعل كاتب السيناريو من تشويه وتحريف في قصته، صرخ وسط الهدوء المطلق في القاعة قائلا: - يا جماعة ....إنه مجرد حذاء. كانت صرخة صادقة من القلب تهاوت أمامها الأحلام التي كانت تجتاح الطبقات الأرستقراطية، التي كانت تمنح نفسها صكوك الغفران وتوهمهم بأنهم يناضلون من اجل الوطن بالتوازي مع المقاتلين من الفقراء في الخنادق وساحات القتال، اذا ما انتجوا هكذا أفلام وصفقوا للكاتب والمخرج والسينارست العبقري الذي يجسد أحلامهم بالنضال في الصالات المكيفة..اسقط محمد طمليه أحلامهم وعراها وكشف أوهامهم أمام انفسهم، وكان عليه أن يفعل ذلك لأنه ابن المخيم الفقير. ليس المقصود هنا الانتقاص من الناحية التثقيفية والسياسية لكاتب السيناريو، لكن كان يمكن له ان يقول إن الفكرة مقتبسة عن قصة لمحمد طمليه، لكنها ليست قصة طمليه، عندها يمكن أن نعذره، لأنه التزم الأمانة العلمية ولم يحمّل نص الكاتب ما لا يحتمل. وبصفتي المهنية ككاتب لا بد أنني انتمي ذهنيا على الأقل الى الطبقة المتوسطة، التي هي مستودع المسحوقين والأثرياء المستغلين والمستغلين «بفتح الغين في واحدة وكسرها في الأخرى» ...بهذه الصفة فإني ما زلت آمل واحلم بعالم عربي وطني ديمقراطي حر ونظيف نسبيا من الفساد. أحلم بإدارات حكومية محترمة وسلطة تنفيذيه تخدم الشعب لا تعاديه .....!! يحق لي أن أحلم فقد تتحقق الأحلام بواسطة أشياء بسيطة وتافهة، يحق لكم جميعا أن تحلموا، وأن لا تتخلوا عن أحلامكم مهما كانت كبيرة ، ومهما كانت امكانية تحقيقها مستحيلة. ...تذكروا أن أحلام سندريلا تحققت بفردة حذاء. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©