الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوش في أفريقيا··· آلة الحرب والقفازات الحريرية

بوش في أفريقيا··· آلة الحرب والقفازات الحريرية
25 فبراير 2008 00:28
انتهى تهافت البيت الأبيض على أفريقيا هذا الأسبوع -رمزيا على الأقل- واللافت أن الرئيس لم يضع فرصة خلال جولته القارية للتبجح بمقارباته المجددة بخصوص مواضيع الصحة والتنمية في أفريقيا، غير أنه التزم صمتا غريبا، بالمقابل، بخصوص ما قد يصبح أبرز تركة لإدارته في أفريقيا: ''أفريكوم'' (أو قيادة القارة الأفريقية) التي تمثل الابتكار الأهم على صعيد السياسة الخارجية والعسكرية والذي من الأرجح أنكم لم تسمعوا به من قبل· أُنشئت ''أفريكوم'' بموجب أمر رئاسي في فبراير ·2007 وظاهريا، لا تبدو ''أفريكوم'' شيئا خاصا أو استثنائيا، فالولايات المتحدة تتوفر على عدد من القيادات العسكرية الموزعة جغرافيا عبر العالم: ''باكوم'' (قيادة المحيط الهادي)، و''سانتكوم'' (القيادة المركزية)، و''يوكوم'' (القيادة الأوروبية)، وبالتالي، فلماذا لا تكون للولايات المتحدة ''أفريكوم'' (قيادة خاصة بأفريقيا)؟ غير أنه خلافا للقيادات الأخرى، فإن المهمة الرئيسية لـ''أفريكوم''هي نشر الاستقرار، فالهدف منها، مثلما قال الرئيس، هو ''دعم جهودنا الرامية إلى جلب السلام والأمن إلى شعوب أفريقيا، وتحقيق التنمية في مجالات الصحة والتعليم والديمقراطية والنمو الاقتصادي''· أجل ''تحقيق··· التنمية في مجالات الصحة والتعليم والديمقراطية والنمو الاقتصادي''، فلدى وزارة الدفاع اليوم قيادة عسكرية جديدة نذرت نفسها لنشر السلام والحب والتفاهم في أفريقيا، رجاء، لا تضحكوا أو تهزأوا، إنهم جادون! إذ من المرتقب أن تضم ''أفريكوم'' في تشكيلتها موظفين عسكريين إلى جانب موظفين مدنيين من وزارة الخارجية، إضافة إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووكالات أميركية أخرى، ومن المرتقب أن يتم تنسيق معظم الأعمال الإنسانيـــة الأميركية في أفريقيـــا عبر ''أفريكوم''· الواقع أن الموظفين العسكريين الأميركيين شرعوا منذ مدة في توزيع الإمدادات على اللاجئين في تشاد، وتدريب قوات حفظ السلام الأفريقية، ومساعدة الضباط العسكريين الكونغوليين على صياغة اتفاقات بخصوص المتابعة القضائية عن الجرائم الجنسية، وفي إطار ''أفريكوم'' أيضا، من المنتظر أن تقوم ''إدارة المحيطات والمناخ الوطنية'' بتدريب الأفارقة على مراقبة قطــاع الصيـــد في قارتهم، هذا في حين توزع ''الوكالة الأميركية للتنمية الدولية'' الوجبات في غانا، ويصبغ موظفو البحرية الأميركية الأقسام الدراسية في السنيغال، ويعقد الموظفون الصحيون في الجيش والقوات الجوية الاجتماعات مع نظرائهـــم مـــن جيبوتي''، وعليــــه، فمــــا الذي لا يعجبنا بخصوص ''أفريكوم''؟ ولماذا لم يروج الرئيس لـ''أفريكــوم''، في زيارة لم يفــوت فيهــا فرصة لاستعراض ما أنجزته إدارته لأفريقيا؟ الواقع أن مشكلة ''أفريكوم'' تكمن في أن طموحها مشوش ومثير للاهتمام في آن واحد، فمن ناحية، فإن إنشاء ''أفريكوم'' لا يمثل سوى اعتراف -كان ينبغي أن يحدث منذ مدة- من جانب البيت الأبيض ووزارة الدفاع بضرورة النظر إلى الفقر والتنمية الديمقراطية وحكم القانون على صعيد العالم باعتبارها قضايا أمنية بالنسبة للولايات المتحدة، إذ إن حتى القوة العظمى الوحيدة -العنيدة وعديمة الإحساس- لا تستطيع، في هذا العالم المتشابك والمتداخل، تجاهل الدول الأفقر والأضعف أو الشعوب اليائسة والمفتقرة إلى الأمل، فالشبكات الإجرامية والإرهابيون ينتشرون بسهولة في الأماكن حيث بنى الحكم ضعيفة والناس يائسون، وكذلك الحال بالنسبة للأمراض الفتاكة التي يمكنها أن تصل إلى عالمنا الأول، عبر الرحلات الجوية، في غضون ساعات قليلة، ثم إن أفريقيا تنتج 30 في المائة من إمدادات اليورانيوم العالمية و20 في المائة من النفط· وبالتالي، فإننا جميعا سنعاني في حال عرقل انعدام الاستقرار هذه الإمدادات، أو في حال استولى عليها لاعبون سيئون· وتأخذ ''أفريكوم'' الطابع المتداخل والمترابط للتهديدات الأمنية المعاصرة على محمل الجد، وترد عليه عبر السعي إلى المزاوجة بين العنصرين ''الناعم'' و''الصلب'' من قوة الولايات المتحدة، فمن خلال ''أفريكوم''، سيعمل الجنود والدبلوماسيون والأطباء والمعلمون والمهندسون وأفراد الشرطة يدا في يد من أجل دعم وتحقيق الهدف الأميركي المتمثل في دعم الاستقرار في أفريقيا· ولكن، فبصرف النظر عن طابعها المجدد، إلا أن لديها في الوقت نفسه حلقة مألوفة ملحقة بها، حلقة لا تبعث على الاطمئنان بالنسبة للكثير من الآذان الأميركية: شيء له علاقة بمقولة ''عبء الرجل الأبيض''، شيء يذكِّر العديد من الخبراء في الشؤون الأفريقية بالعهد الكولونيالي سيئ الصيت، عندما زاوجت القوى الامبريالية الأوروبية أيضا قواها العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية للسيطرة على شعوب أفريقيا ومواردها واستغلالها· والواقع أن النهوض بالسلام والديمقراطية والتنمية في أفريقيا كلها أمور جيدة، إلا أن جهود الولايات المتحدة يمكن أن تكون مقبولة أكثر لو أن القفازات الناعمة التي توزع المساعدات الخارجية لم تكن ممدودة بشكل واضح فوق اليد الحديدية لأكثر آلة حرب فتكا في العالم، ولذلك، فإن إنشاء ''أفريكوم'' يوحي بالنسبة للمتشككين بأن التهافت على أفريقيا لم ينته، وإنما هو بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة فحسب، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى الحفاظ على أفريقيا مستقرة، وفق الشروط والقواعد الأميركية· ولذلك، وجد البيت الأبيض نفسه في موقف الدفاع عن ''أفريكوم''، في وقت حرص فيه ''بوش'' على ألا يأتي على ذكرها خلال معظم جولته الأفريقية، قبل أن يرغَم يوم الأربعاء أخيرا على تناول ''موضوعٍ مثير للجدل لم يُفهم بشكل جيد''، حين قال لجمع في غانا: ''أريد تبديد الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة آتية على نحو مفاجئ بكل جيوشها إلى أفريقيا··· إنه أمر يجانب الحقيقة بكل بساطة''· بالطبع لا يا سيادة الرئيس! روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©