الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوسوفو ... آمال ما بعد الاستقلال

كوسوفو ... آمال ما بعد الاستقلال
25 فبراير 2008 00:28
كانت آخر مرة تستلم فيها ''فلوري ميرتاج'' راتبا عام ،2002 وزوجها عاطل عن العمل أيضا، أما الوسيلة الوحيدة التي تساعدهما على مواجهة شظف العيش، فهي المساعدة المالية التي يرسلها إليهما أحد أقاربهما المقيم بألمانيا، تقول: ''إننا نأمل جميعا أن يغير الاستقلال حياتنا''· تواجه كوسوفو مقاومة غاضبة من أقليتها الصربية منذ أن أعلنت الاستقلال يوم الأحد، غير أن حكومة البلاد، التي سعت لتهدئة غضب السكان الصرب بوعود وتعهدات بالتسامح وحماية حقوقهم، مطالَبة اليوم أيضا بتلبية احتياجات أغلبية ألبانية تعاني الفقر ولكنها مفعمة بالتوقعات والآمال في أن يترجَم الاستقلال بسرعة إلى رخاء وازدهار، في هذا السياق، يقول ''بيرات بوزالا'' -رئيس تحرير صحيفة ''إكسبريس'' بالعاصمة بريشتينا-: ''لقد كان الناس في كوسوفو يسكنون في غيتو، ولكنهم صبروا على ذلك في سبيل الاستقلال''، مضيفا: ''إنهم يعتقدون أن الاستقلال سيحل جميع المشاكل، بسرعة وبشكل أوتوماتيكي؛ والحال أن التوقعات غير الواقعية قد تطرح مشكلة كبرى''· منذ أن دخلت قوات الناتو كوسوفو في 1999 بعد طرد القوات الصربية منه، يعاني النمو الاقتصادي للبلاد من الضعف، فنسبة البطالة تقدر بنحو 40 في المائة، بل إنها تفوق 60 في المائة في جاكوفا وبعض المدن الأخرى· وجاكوفا هذه، التي كانت تشكل مركزا صناعيا في عهد يوغسلافيا السابقة، تعرضت خلال الحرب للتدمير، والواقع أن معظم المنازل أعيد بناؤها، كما يقول العمدة السابق للمدينة ''حقيف شيحي'' غير أن جهود إعادة الإعمار التي بدأت عقب قدوم الناتو توقفت، ولم تترجَم أبدا إلى نمو منتج لفرص العمل، وفي هذا الصدد، يقول ''شيحي'': ''إننا مازلنا ننتظر المستقبل''، مضيفا: ''إننا جد سعداء بالاستقلال، ولكن الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، ونحن في حاجة إلى الوظائف لفائدة شبابنا''· الجدير بالذكر أن كوسوفو، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، فيها أكثر سكان أوروبا شبابا وأسرعهم نموا، وحسب تقرير لـ''فوروم ''2015 -منظمة بحثية في بريشتينا- فإن نحو 50 في المائة من الكوسوفيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاما، ينوون الهجرة إلى الخارج في حال لم يتحقق انتعاش اقتصادي بالبلاد· ويُتوقـــع أن تتقدم الحكومــة الجديــدة قريبا بطلب عضوية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما يتوقع أن تتدفــق على البلاد مساعدات التنمية الاقتصادية من الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية، مثل بريطانيا وفرنسا، التي اعترفت باستقـــلال كوسوفو، غير أنه حتى في أكثر سيناريوهات النمو تفاؤلا، فإن الإقليم الصربي السابق سيجد نفسه أمام طريق شـــاق ووعر قبل الوصـــول إلى مستوى معيشـــة يضاهي ما هــو موجود في أوروبا الغربية، كما يقول ''لوان شلاكو''، المدير التنفيذي لمؤسسة ''المجتمع المنفتح'' الكوسوفية· تقع شركة ''جورنجي'' للمحركات الكهربائية، حيث كانت ''ميرتاج'' تعمل، على أطراف المدينة، وتشبه اليوم مقبرة صناعية تنتشر فيها مصانع فارغة ومهجورة كانت تعج بالحركة في الماضي، ففي عصره الذهبي، كان مصنع ''جورنجي'' يوظف أزيد من 1000 شخص، وكان واحدا من بين مجموعة من شركات المنطقة التي حققــت 100 مليون دولار من الصادرات من المعادن والنسيج والزراعة في عقد الثمانينيات· لكن مع اندلاع حروب البلقان في التسعينيات، التي أدت إلى عقوبات دولية ضد يوغسلافيا، توقف النشاط الاقتصادي في المنطقة، وخلال حملة القصف الجوي التي شنها الناتو على القوات الصربية في ،1999 تعرض مصنع ''جورنجي'' للنهب والسطو، وحين وضعت الحرب أوزارها، أمضى أصحاب المصنع سنوات في إثبات حق ملكيتهم أمام الأمم المتحدة التي كانت تدير الإقليم· يقول ''علي بوزا'' -المدير العام لمصنع جورنجي-: ''إن السنوات التسع الأخيرة شكلت إحباطا كبيرا بالنسبة لجاكوفا''، و''علي بوزا'' واحد من نحو 20 شخصا يقومون اليوم بحد أدنى من الصيانة للحفاظ على المصنع في حالة لا بأس بها على أمل قدوم أحد المستثمرين الخارجيين، يقول بوزا: ''آمل أن يخلق الاستقلال الظروف المواتية لقدوم المستثمرين الخارجيين··· لدينا قوة عاملة متعلمة ومهرة في جاكوفا تتوق إلى الكرامة التي يوفرها العمل''· وحسب ''بوزا'' فإن أصحاب المصنع الحاليين لم يتمكنوا من الحصول على قرض منخفض الفائدة وطويل الأمد لإعادة بناء المصنع بأنفسهم، كما أن الشركاء الإيطاليين والدانماركيين للشركة في الثمانينيات رفضوا العودة، وذلك بسبب الوضع غير الأكيد لكوسوفو والمخاوف بخصوص الوضع الأمني، غير أنه من بين العوامل الأخرى التي تبعد المستثمرين وتنفرهم، حسب المدير التنفيذي لمعهد الدراسات العليا في بريشتينا ''شبيند أحميتي، الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، فقد أوضح هذا الأخير أن دراسةً أظهرت أن 80 في المائة من المقاولين المستجوَبين يرون أن المشاكل المتعلقة بالطاقة هي العقبة الرئيسية التي تحول دون نمو مشاريعهم· وتعتمد كوسوفو على محطتين قديمتين لتوليد الطاقة الكهربائية، غير أن مخططات تطوير محطة ثالثة جديدة خارج ''بريشتينا'' أثارت جدلا كبيرا في البلاد، إذ تقول المنظمات البيئية ومنظمات أخرى غير حكومية هنا إن المشروع سيضر بالبيئة والموارد المائية، وإن المقترح من شأنه أن يضع كل أرباح المشروع تقريبا في جيوب الشركات الأجنبية المتنافسة على بنائه· ولكن بالنسبة للعمال العاطلين عن العمل مثل ''توم جوكاج'' -البالغ 58 عاما- فإن أي استثمار خارجي فيه خير، ويعيش ''جوجاج'' -أب لثمانية أبناء- بمساعدة المال الذي يحول إليه من الخارج أيضا -من قريب مقيم في سويسرا، ويذكر هنا أن التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون الكوسوفيون عبر العالم إلى ذويهم في الوطن تمثل نحو 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وذلك حسب تقرير لمؤسسة ''فوروم ·''2015 مايزال ''جوكاج'' الذي يتجول بالقرب من مصنع ''جورنجي'' حيث عمل لأزيد من 30 عاما يقول: ''من المحزن رؤيته على هذه الحال، ولكن الأمل مايزال يحدوني في أن أعود إلى هنا وتكون لي وظيفة حقيقية مرة أخرى''· بيتر فين- كوسوفو
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©