الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلطان..الشعر خالياً من عناكب التأويل

سلطان..الشعر خالياً من عناكب التأويل
29 يناير 2014 22:03
سلطان الشاعر، لك في الشعر بداهة وبداية ونهاية، لك في الشعر أسرار النجوم حين تغيب السماوات في رعشة العشق. لك في الفن جزالة، وبسالة، ومقالة، وأنت على الخشبة ناطق منطق ومنطلق ونطاق، واستنطاق، وأنت.. أنت الذي أمعنت في المعنى وأنعمت على الخلائق في سرد الابتسامة وصياغة القيامة، كأنها احتفال بمولود جديد. أنت في الهوى، نعيم مقيم، مديم، كليم، يطاول الندى شفتي غيمة مبهمة. أنت المكانة وعلامة وشامة وشهامة وقامة ومقامة وقيامة واستدامة، وإذ خبّ الموت على روحك تبقى أنت في المشهد أسطورة وصورة، وسورة، وصيرورة، وتكون أنت أنت الناسك الباسق، الباشق، الشاهق، المتناسق مع ذاتك. ورغم الحدث الجلل، رغم العِلل، رغم بلل العينين المطفأتين، كنت الموجز والمفصل، كنت المعجز والمسترسل، وكنت الكتاب المفتوح على آخره لأجل ما سمته الكتب وما جاء في الحجب.. كنت أنت النث، وأنت السحب، أنت المعنى في السجايا والصخب، أنت الخصب والعذب، وأنت الندب والشهب.. سلطان الشاعر.. كنت في الشعر إلياذة، وسحراً وحرزاً، وأيقونة، كنت في الشعر منحنى باتجاه العفوية، وبراءة الكتاب المقدس، كنت يا سيدي، في النشيد الأزلي نغماً وألماً، وكنت في الورطة الفنية الذروة القصوى، واللذة المتناهية.. كنت يا سيدي الصوت والصيت، وكنت الشفة المؤدلجة باتجاه الشفافية. سلطان الشاعر.. ناولت الشعر رغيف الحياة، فدامت الرائحة كأنها عطر الأرض، كأنها بوح الموجة، كأنها المسافة ما بين الشفتين، تغسلان الرضاب، بحرقة اللقاءات المحتدمة، فجدت سيدي، كما جادت القريحة، حين كان الشعر، وعداً أممياً، وكانت القصيدة، بندقية. سلطان الشاعر.. كالمعري، في علوِك شعراً، في صوفيتك رسالة وغفراناً.. غادرت المكان ولم تغادر الشعر، لم تغادر ذاكرة جمعية تشربت من معاني الشوق، حتى فاضت السماوات عشقاً، ولم يكن للغياب، سوى غمضة غافل، استفاق على وخز الشعر، فانتفضت الصحراء، مبتهلة، تغني للذاهبين في أتون الذاكرة، للغارفين من معين الحلم، والأمل النبيل، أنت سلطان الشعر، وجنده وجندله وخلخاله، وصولجانه أنت الصبوة والنخوة. في السرمد هذه الموجة النازحة، صوب سواحل الغثيان، ترتدي ثوب الأبيض وعلى رأسها قناع الزبد، تجادل بفجاجة محار المتلف، وبلهف ترشف من بقايا وحثالة المكان تقذف بأشيائها القميئة عند شفة البحر.. يا الله، كم أنت في السرمد، عملاق مرتجف، ومستخف تفسر الطلاسم كأنها الحقيقة الدامغة، وتخفي في معطف العفوية، أشعاراً أشبه بالإلياذة، أقرب إلى الكوميديا الإلهية يوم غنيت للصياد والغواص، وأنشدت للمراكب الجاثية عند خاصرة النهار، وأبديت وأعطيت وعطفت، وساورت وناورت، وثابرت وبادرت وأغنيت الفن بالمعاني الرضيعة، وأثريت وجدان المصفودين عند مرافئ القيظ الأليم، قلت في الأوصاف ما لا يوصف، وأسرجت جياد المخيلة حتى جاوزت حد النجوم، وأمضيت صهوة اللغة، بحرفية اللسان والبيان، وأشرت بالبنان إلى أن هناك عند حافة الغيمة يسكن المطر. كان المطر يخاتل ويماطل، ويمضي بكسل البلهاء حتى يجف ريق الساهمين، المحدقين نحو السماء، والسماء كأنها الخرساء في ليلة عرس البلهاء، تطور نسلاً من فقاعات على أرض البسيطة، وتغرق الوديان بالحصى والطمي، وأنت.. أنت الوحيد الذي كنت تكتب الشعر لأجل أن تستيقظ المواقد وتحرق حطب النار، وتفيق الصحراء بعد سبات وبيات أرهق، الفصول الأربعة. سلطان الشاعر.. هكذا كانت أيام القيظ واللهيب، وهكذا كان لشعرك، مراوح صيفية تهفهف وتكفكف، وترفرف وتجفف عرق المتصببين، وتصقل حبّات العرق، بأناة وتؤددة.. سلطان الشاعر، كمطر حرّك جمرات الأفئدة، ثم غاص في مخمل الأبد، كأنه يبحث عن وجود في العدم، كأنه يسأل العدم عن وجود، كأنه يخاطب الوجود لأجل خلود، وتبقى في عبثية السؤال المعاني المؤكدة، تبقى الفضاءات الوسيعة حدقات تتسع للأحلام والآلام، والأيام، لها أصابع، تحفر في ألواح العمر، ثم تضع مساميرها الأبدية، لكي لا تشذ قارعة، ولا تحيد فارعة، الأيام لها لمسة الفراشات إن حطت على جفن أو تعلقت بساق تكون الأشياء من حولها، بشفافية الأجنحة، وشغب التحليق. سلطان الشاعر.. الموت سارق، يخبئ سكاكينه في معطف خوفه، الموت بلا قيمة ولا شيمة لأنه يفكر فقط في النهايات القصوى، يسعى بإرادة العبثيين، فك عقال العشاق، وإحباط ما يمكن تسميته بالحياة. سلطان الشاعر.. «شحفان القطو» يخرج من عريش الحياة، بحثاً عن فناء أوسع، والأسئلة تلاحق مخيلته، ولا شيء أكبر من الشعر لا شيء أوسع من جلباب القصيدة عندما تكون بحجم الجبل، بلون الوردة، برائحة التراب، بزرقة المحيطات، عندما تكون القصيدة، قلباً ملؤه العشق، وفي عروقه تسري دماء الأسئلة الكبرى، وبلا حيف أوزيف، تقود حفلة الفرح باتجاه مضارب اللاوعي.. حيث تسكن قبائل المعاني الرهيبة. سلطان الشاعر.. أنت الذي عرفت أشواق الخيول، ولون السيول، وما باحت به النخلة حين، استعصى على الطير ما يقول، وحين لجمت الوديان فاهاً، عجز ألا يقول.. فقلت سيدي، وأسهبت وأنعمت على الصحراء بأمطار المتبول.. صنت في الشعر أسرار الليل الخجول، قلت في المرأة ما لم تقله النجوم، ولم تبح به موجة البحر الذلول.. سلطان الشاعر.. أنت الذي شربت من ملح البحر، ولثمت شفاه النجوم بهوادة الفرسان، وأجزلت في هدهدة الموجة العارمة، وناولت الطير رغيف الزقزقة، وصنعت من عرق الجبين قهوة النباهة، وأطرقت نوافذ الساكنين متحدياً الأرض المحايدة. سلطان الشاعر.. قلت للأرض نهداك ثرثاران، وعيناك بلا بريق يلهب الذاكرة، قلت للشعر أنت الزهرة، المشاغبة، وإن فراشة النهار تغار منها الجهات وتخاف، لأن في ألوان أجنحتها ضجيج الانبهار، لأن في الرفرفة منفى للعازفين عن التفاؤل، لأن في البوح، هديراً يفضي إلى زعزعة الجفون. شفّاف كصلاة الفجر سلطان الشاعر.. شفاف كصلاة الفجر، شفَّاف كصهيل البحر، شفَّاف كحفيف النخل، شفَّاف كصوت قادم من فم امرأة نامت وصحت على حلم أيقظ لسانها كي تقول ما قاله، ابن طفيل عن الخلق الأول، عن هزيع الليل عندما يكون خربشة في الذاكرة، ولغة ترتل حروفها كأنها أصابع عذراء تغسل البشرة بحمرة وردية، والبوح رائحة تفض بكارة الخجل.. سلطان الشاعر.. مثل بحر انسحب متوارياً خلف ذاكرتنا المثقوبة، مثل جبل تدارى خلف غبارنا الأحمق، مثل نورس فرَّ من ضجيج صمتنا، مثل أسطورة تحاشت نسياننا، فاختزلت العمر في الغيبة الطويلة.. سلطان الشاعر، مثل لغة يقرضها لسان لم يزل بعد في طور المشاغبة.. سلطان الشاعر، مثل واد عشبه الذي نما، لعبت فيه ريح، وتباريح، حتى أصبح الحقل بيداء تطارد طيورها بمكانس اللاهثين خلف سراب الأيام. سلطان الشاعر.. الخيل عطشى والأنهار بلون النحاس، والوديان تزملت بالحصى، والفن بدا كأنه غابة تطارد وحوشها بسعفة قديمة، والعناقيد، عراجين، لا تكف عن صرخة الألم، وأنت في النوم الطويل تتفوق على وعيك، وتنهض في الذاكرة كأنك طائر جاش بالأشواق، كأنك قطرة مطر أيقظت الأحداق، كأنك في الوعي حباً قديماً يجدل ضفائر المرحلة بأشواق الملتزمين حبا، المؤمنين بأن الفن غاية وليست غواية، وأن الفن جملة منعمة في الفصول الأربعة فلا تكويها حرائق ولا تشوبها طرائق، الفن كسنبلة القمح تعتقها أشعة الشمس، وتمنحها العتمة لون البريق الأنيق. سلطان الشاعر.. في شعرك سيدي آلاف الطيور بأجنحة معتقة بماء الورد والبخور، ومناقير كأقلام بها سردت الشعر فناً أبدياً، لا يبلى ولا يبور، وأخذت من لألأة النجوم حلية قلدت بها صدر الشعر، وأحسنت في تأثيث الفن، بما اشتاقت إليه أعطاف النساء، وقلوب الرجال، وما أفصحت عنه رغبة جازمة تهوى أن يكون الشعر إزميراً ومنديلاً وقنديلاً، وأن يكون بلا هوامش تفسر المتن وأن يكون بلا سقوف تخر منها عناكب التأويل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©