الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العروس القاتلة

العروس القاتلة
14 سبتمبر 2012
(القاهرة)- في شهر العسل، تحولت من عروس إلى متهمة، قتلت زوجها، أصبحت مجرمة مهما كانت المبررات والدوافع والظروف التي وجدت نفسها فيها، انهارت الأحلام الوردية كأنها بيوت من رمال على شاطئ البحر جرفتها الأمواج، تحولت إلى كوابيس مزعجة، انقلبت الحال رأسا على عقب خلال أيام، لا يمكن للعقل أن يصدق أو يستوعب، الأيدي الناعمة التي كانت منذ أيام قليلة تتحلى بالذهب لتزف إلى عريسها تطوقها القيود الحديدية، الفراش الناعم على سرير العرس تحول إلى قطع خشنة على الأرض، الملابس الحريرية أصبحت زي السجن الأبيض، الفتاة سجينة بعد أن كانت مثل الفراشة تطير هنا وهناك بين زهور الحقول، خرجت من بيت الزوجية بيدين ملطختين بالدماء، تعترف أنها ارتكبت عدة أخطاء في وقت واحد لكنها لم تقصد أن تصبح في لحظة مجرمة قاتلة، لكن هذا ما حدث. “وفاء” في الزنزانة الضيقة والظلام المطبق، لا تستطيع أن تقاوم دموعها التي لا تتوقف وتنساب غزيرة رغم أنفها وهي في موقف صعب بكل المقاييس، تدس رأسها بين ركبتيها، تريد أن تنطح الحائط في محاولة يائسة لاسترداد وعيها والتخلص من الحالة التي انتابتها وهي غير قادرة حتى على وصفها فهي تفقد التركيز ولا تستطيع التفكير، تائهة شاردة زائغة العينين عاجزة عن الرؤية بشكل طبيعي، عندما تستسلم للنوم تستغرق فيه ساعات طويلة وعندما تستيقظ تظل هكذا ربما لأكثر من يومين متواصلين لا يغمض لها جفن، لا تشعر بالجوع ولا تريد الطعام. المشاهد الأخيرة تتداعى وتتزاحم على رأسها وتتداخل حتى تهزمها وتضعف أمامها ولا يمكنها أن تصدها أو تبعدها أو تسيطر عليها، تفشل في طردها أو إبعادها، تصرخ بكل ما تبقى لها من قوة إلى أن تروح في إغماءة تفيق بعدها ليتكرر المشهد، جاراتها السجينات لا يصلن إليها فيحاولن الحديث معها عن بعد، بعضهن شعرن بحالتها فقد كن مثلها عندما جيء بهن إلى هنا في الأيام الأولى، أخريات اعتقدن أنها مجنونة وتساءلن لماذا لا يتم تحويلها إلى مستشفى الأمراض النفسية للعلاج، لكن لا يستطعن مساعدتها أو فعل أي شيء لها إلا الدعاء أن يخفف الله عنها وتجتاز المرحلة الصعبة، فهي فعلا قي كابوس تمكن منها وسيطر عليها وشل قواها ولا يمكنها الفكاك منه. نشأت وفاء في أسرة فقيرة، عملت منذ الصبا في أعمال لا تناسب سنها، تشعر بالقهر والحرمان، ليست مثل قريناتها أبدا، تفتقد المساواة وكل الحقوق كأنها عليها واجبات فقط، مضطرة لمساعدة أبيها الذي يعول خمسة غيرها، لم تعرف يوما للسعادة طعما ولا تعرف لها مكانا، لم تكن حاقدة ولا ساخطة ولكن تلك الظروف جعلتها تطمح إلى مستقبل افضل، فاجتهدت في دراستها قدر المستطاع في وقت الفراغ من العمل، جعلت الكفاح عنوانا لحياتها وأضاءت شمعة بدلا من أن تلعن الظلام، أملا في أن يأتي النور وتعيش حياتها بشكل طبيعي مثل معظم الناس في رغد من العيش أو على الأقل بعيدا عن المعاناة والشظف، اتخذت من العوز والحاجة دافعا للنجاح فتعبت وسهرت وبذلت كل جهد حتى التحقت بالجامعة. في تلك المرحلة التعليمية تبدو الفوارق بين البشر واضحة جلية لا يمكن إخفاؤها ولا مجال للتخفي، فالطالبات يتحولن إلى عارضات أزياء من كثرة ما لديهن من ملابس، كل منهن تتباهي بما عندها من ماركات عالمية او على الأقل ما هو على أحدث موضة، بينما هي تعرف قدرها وحدودها، فلم تعرف شللية البنات ولا مجموعات الرحلات ولا الجلسات التي ينفق فيها زملاؤها وزميلاتها ببذخ، لم يكن أمامها إلا أن تنتحي بنفسها جانبا بعيدا عن كل تلك المظاهر التي لا تستطيع مجاراتها، كما أنها تأبى أن تقبل عطفا من احد ولا منة، وتحلم باليوم الذي تحصل فيه على الشهادة الجامعية وتعمل وتحقق كل أمنياتها. إنها تعرف قدرها ولا تبالغ في وصف نفسها بأنها جميلة كما تفعل كل الفتيات حتى الدميمات يصفن انفسهن بأنهن على قدر من الجمال، هي بالفعل متوسطة الجمال وتعترف بأنها لن تكون محظوظة بزيجة من شاب غني يعوضها الحرمان الذي عاشته وتعيشه، فأصحاب المال دائما يبحثون عن الجميلات الثريات والطيور على أشكالها تقع، الأغنياء يتزوجون من بعضهم فيزدادون ثراء، والفقراء يتزوجون بعضهم فيزدادون فقرا، لذلك فإنها لم ترد أن تضيع كثيرا من الوقت عندما تقدم لها سائق يطلب يدها للزواج، يقيم مثلها في أطراف المدينة، يكبرها بخمسة عشر عاما، لا تعرف عنه شيئا إلا أنها أحيانا تستقل معه السيارة التي يقودها مثل العشرات من الناس بالصدفة عندما تكون ذاهبة إلى الجامعة أو عائدة إلى بيتها أو في طريقها إلى العمل كبائعة في محل للملابس الجاهزة وهو آخر نوع من الأعمال التي التحقت بها، وكثيرا ما تجد نفسها في موقف محرج عندما تجيء إحدى زميلاتها للشراء منه وتجدها فيه وتحاول أن تتغلب على الموقف بأن العمل شرف وواجب وحياة. رحبت أمها بتلك الزيجة السريعة لأنها ستطمئن على مستقبل ابنتها والمهم أن تكون مع رجل يحميها ويتحمل العبء عنها وتجلس في بيتها معززة مكرمة، خاصة وان العريس أكد انه سيتحمل كل نفقات الزواج وسيشتري لها شقة تكون سيدتها ودخله من عمله جيد وسيجعلها تستريح في بيتها من عناء العمل، أما أبوها فقد رفض بشدة لأنه رأى عدم التكافؤ فهو مجرد سائق سيارة أجرة، وهي على وشك التخرج في الجامعة وبعد اشهر قليلة ستحمل الشهادة العالية ويمكنها أن تحصل على فرصة عمل جيدة ومناسبة وبالتالي تكون أمامها الفرصة للزواج من شاب مثلها، لكن الفتاة كانت ترى أن الحياة والظروف ليس كما يظن أبوها ويحلم لها، فالشباب على المقاهي يتسكعون يعانون البطالة، ولا فرصة عمل إلا لأصحاب الجاه وعلية القوم بالوساطة والمجاملة وأنى لها هذا؟ فرضيت باغتنام الفرصة وقبلت الزيجة على ما بها من ملاحظات ومآخذ. كانت في الثانية والعشرين وهو في السابعة والثلاثين عند عقد القران، لم يكن محياه مغريا ولا جذابا، من يراهما معا قد يعتقد أنه أبوها لولا أنها تتأبط ذراعه ويبدو عليهما غير ذلك، زارت وأسرتها الشقة التي اخبرها انه يملكها، ومع انها اقل من متواضعة لكن لا مانع عسى الأيام أن تتيح لهما التغيير إلى الأفضل مع الصبر والجهد، وبالفعل كان الرجل صادقا في وعوده وتحمل مصاريف وتكاليف الزواج إلا قليلا رغم أنها لم تكن كثيرة وجاء بأثاث متواضع ومفروشات ليست من أنواع جيدة، لكنها على الأقل افضل من التي في بيت أبيها وان كانت لا تناسب عروسا في مثل سنها وظروفها مهما كان المستوى الذي تعيش فيه. رغم هذا كله كانت “وفاء” سعيدة بما هي فيه مع انه لم يكن هناك حفل عرس ولا زفة، ولم يشهد الزيجة إلا نفر قليل من الأقارب وبعض أصدقائه، شهر العسل عندهما مجرد مسمى للأسابيع الأولى من الزواج، لا جديد فيه غير انتقالها من بيت أبيها إلى بيت الزوجية، بعد ثلاثة أيام فقط تركها وخرج للعمل فهو لا يستطيع البقاء اكثر من ذلك وإلا فلن يجدا طعاما ولا شرابا، لم تعارض بل تقبلت الأمر بصدر رحب فواجبها نحو زوجها أن تقف بجواره وتشجعه على العمل أملا في غد أفضل، وبسرعة نسيت أنها عروس وراحت تعد الطعام وتنتظر عودته ولا تعرف له موعدا محددا لأنه ليس مقيدا بساعات عمل معروفة مثل الموظفين أو العاملين في المحال وغيرها، من ناحية أخرى تستثمر وقت غيبته في المذاكرة تحاول أن تعوض الأيام التي مضت في انشغالها بالزواج. أحيانا تزورها أمها للاطمئنان عليها، وتظل بعد ذلك طوال الوقت وحدها، استشعر زوجها أنه كان قاسيا عليها خلال الشهر الأول الذي يحمل اجمل الذكريات، فأراد أن يعود اليوم مبكرا ليمنحها نزهة في الحديقة العامة، وبالغ في كرمه معها عندما اشترى لها الآيس كريم وجلسا يتناولانه، وقبل ان ينتهيا منه انشقت الأرض عن امرأة ألقت عليهما التحية فرد عليها باقتضاب محاولا عدم الاستمرار في الحديث معها لكنها واصلت وراحت تسأله عن أحواله، فتأكدت “وفاء” أن هناك علاقة مؤكدة بينه وبين المرأة المجهولة لكنها لا تعرف نوعها أو مداها، حتى ألقت على أم رأسها بمطرقة من حديد عندما سألته عن بناته الأربع، لم تصدق أذنيها وانتفضت كأنها لدغها عقرب ورمقته بنظرة لعله يصحح ما قالته المرأة أو ينفيه لكنه لم يفعل وقال لها إنهن بخير. مضت المرأة إلى حال سبيلها وهي لا تدري ما حدث بعد ذلك ولم تكن تقصد شرا من وراء ما قالت، عاد الزوجان العروسان إلى بيتهما واشتعل الموقف اتهمته بالمكر والخداع، لم ينكر واعترف انه استغل ظروفها لينجب ولدا وانه أخفى عنها زواجه كي لا ترفضه طلبت الطلاق فورا فرفض، لم تتمالك نفسها وهي تسبه وتصفه بما يليق به، حتى فاض بها الكيل وانهالت عليه باللكمات، فبادلها بالمثل، وتغلب عليها بسبب قوته كرجل، لم تستسلم ولم تكتف بل أرادت أن تنتقم لنفسها فأحضرت سكين المطبخ وانهالت عليه طعنا في كل مكان من جسده تصل إليه يداها، سقط جثة هامدة، حينها أدركت أنها أصبحت مجرمة. اقتادوها إلى التحقيق ثم تم حبسها، فالقانون لا يعرف الظروف أو المبررات، وها هي تعاني ولا تدري ماذا سيكون الحكم عليها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©