الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لولوة المنصوري.. مغامِرة على تخوم الأسطورة

لولوة المنصوري.. مغامِرة على تخوم الأسطورة
29 يناير 2014 21:37
تبدأ رواية لولوة المنصوري “خرجنا من ضلع جبل” بإهداء: “إلى الأرض../ أطيلي السجود../ ينزعج إبليس”، وتنتهي بهذه العبارة: “وسواس الحقيقة.. هو أنت”، وتمتد الرواية بين هذين الحدين على نحو 140 صفحة من القطع الصغير. الرواية عمل أدبي يقارب الشعر في غموضه، والكاتبة تأخذ قارئها في فضاء الخيال بأجنحة حرة رشيقة، وكأنها طفلة كبيرة واعية تغامر في حياتها لتكتشف طاقة اللغة في أقصى مجالات الفكر والبوح الوجداني العميق. يبدو هذا العمل الأدبي الجميل والصعب، في الوقت نفسه، وكأنه بحث صوفي عميق في جذور الخرافة سعياً وراء الحقيقة، في حياة محكومة بالموت والتجدد في دائرة مغلقة تحاول كسرها في النهاية. لكن الأسلوب الشعري الذي يوحي بالأشياء دون أن يقولها بصراحة، زاد من غموض النص فجعله مثل نهر متدفق من المخاوف والتأملات، لا يجري بهدوء وانسياب، ولكنه عاصف التيار مرتفع الأمواج. هاجس شعري الهاجس الشعري عند الكاتبة يبدأ من الجملة الأولى: “هل تُرسَم الروح؟/ ربما.. باللون الأبيض/ وعلى صفحة بيضاء جداً” وبعد هذه الأسطر الثلاثة تنتقل إلى موضوع الموت والحياة وتداخلهما، وهذا هو الموضوع الأساسي الذي يطغى على جميع المواضيع الأخرى التي تفاجئنا بها الكاتبة من خلال استسلامها لخيال قلق لا يكاد يلامس أرض الواقع، ويقارب حياة البشر حتى ينطلق في تداعيات وتصورات جديدة تكثر فيها الأسئلة والتساؤلات التي لا نجد لها جواباً. والرواية أو الساردة التي تروي لنا قصتها تسمى “هند”، ومن الصفحة الأولى تخبرنا أنها خرجت من ضلع جبل “جيس”، وهو “جبل يأكل نفسه ويكبر، يحتضن بيوتنا الساحلية بقلق، وينام قريراً عند حافة الحكايات”. هند هي “الوحيدة التي نجت من داء الكهولة في البلدة.. كل من يخرج من رحم البلدة يولد كهلاً”.. وسرعان ما يموت، وهي - أي الساردة - مكلفة بحمل الجثة إلى المقبرة ليواريها الرجال. التكهنات كثيرة حول سبب الداء، لكن لا أحد يعلم السبب الحقيقي. الجبل والبحر حاضران بإلحاح في الرواية، كما أن الإسفلت والنفط يردان بدلالات سلبية. وكان على هند أن تصعد الجبل وتحفر في الصخرة بحثاً عن حجاب السحر أو “تعويذة الشيطان”، ولكن دون جدوى. وتدور تساؤلات وفرضيات عديدة حول الخطيئة واللعنة والموت. تقول هند (ص 56): “هل حقاً كانت خطيئة أبينا آدم وأمنا حواء أمًّا لكل الأخطاء البشرية؟ فكل إثم نجد له انعكاساً في هذه الخطيئة الواحدة!”.. لكن خطيب البلدة يقول: “الذنب تذنبه الروح، لكنه ينتقل إلى أعضاء الإنسان وجوارحه”. إن مئات من جثث الأطفال الكهول تصبح كالكابوس في حياة هند. وتعلق جدتها على ذلك: “الأرض هي التي تبتلع أبناءها حباً”.. ثم: “رفعت غطاءها الأسود على رأسها.. أطفأت السراج.. ودخلت في الأرض إلى الأبد”. رموز وإشارات الرواية حافلة بالإشارات والرموز الدينية، كما أن فرضية الدائرة تشغل هند وهيثم (الشخصية الوحيدة التي يتكرر حضورها وكلامها في الرواية) طويلاً: “أي أن كل الموجودات والأحداث تتكرر بعد أن تنهي دورة كاملة”. والكاتبة تلامس هذه الأفكار والنظريات ملامسة عابرة، مكتفية بإثارتها الغامضة في ذهن القارئ. ومن فكرة الدائرة تتساءل هند: “ألهذا أشعر دائماً بأنني التقيت هيثم منذ زمن بعيد لا يذكر؟”. وتتابع التأمل والحديث في الذرة والجزيئات حتى تصل إلى “نقطة المطر” التي “تثقب الأرض”. وهند ليست وحيدة في البلدة، فهي مع أمها وأبيها وجدها وجدتها وآخرين من أهالي البلدة كالمؤذن وخطيب المسجد الذي يصدر فتاواه دون أن يستجيب لها أحد. وترد أسماء بلقيس والولي الذي حمل عرشها وزنوبيا.. ومطر سيف وابنته سلمى.. وكذلك “فاطمة، المرأة الوحيدة التي رضيت بقدر الأطفال الكهول، وقدمت لهم حنان الأم في ثديها المعطاء”. ويبدو أنها أم مباركة لأن هند تقول عنها: “مع كل رضعة كنت ألمح الكهل في حجرها يعود مقدار ساعة نحو الوراء، مستعيداً شيئاً من أصل الطفولة”. لكنها سرعان ما تسقط “من أعلى الجبل، وتتفتت كسفاً على الأرض”. تجبر البلدة هند على الزواج من هيثم يعقوب لإنجاب نسل سليم، وهيثم أيضاً شخصية غامضة مثل سائر الشخوص الأخرى. كما يتكرر بين حين وآخر اسم أحمد عدنان، من خلال علاقته بالنص. وتنجب هند من هيثم سبعة أبناء يسلَمون جميعاً ويكبرون. وللرقم سبعة رمزيته في الموروث الحضاري. ويموت هيثم وتشعر بالأسى لفقده، خاصة أن الأولاد لم يعودوا على وفاق معها، وربما هذه هي الإشارة الوحيدة لاختلاف الأجيال والافتراق عنهم. في الفصل الأخير من الرواية تشير إلى أنها عثرت عليهم: “أخيراً، كانوا يركبون آخر سفينة تسرق النفط وتخرج هاربة في عرض البحر”. ويلوح لها ابنها البكر: “اتبعينا.. اسبحي”. وبعد صراع مع البحر الذي كاد يأخذها.. تتراجع وتستدير فلا ترى أثراً إلا للجبال..” وحدها الجبال/ كان أبي يتحول إلى صخرة/وأمي إلى نخلة عرجاء تسقط على ظهرها في البحر/ والصخرة تزبد دماً قديماً ذا رائحة مسك ملكية”. ويأتي الختام وهند تقف أمام خيارات عدة “فرضت نفسها عنوة على جسد الخلاص”. شعر وسرد في اتصال هاتفي مع الكاتبة لولوة أحمد المنصوري، سألناها عن سرّ لغتها القوية المتماسكة، وهل تعود إلى دراستها للأدب العربي، ورصيد الثقافة الواسعة، فقالت: “المتابعة هي التي أضافت لي هذا الرصيد لأن دراسة القواعد تتعلمينها، لكن المطالعة هي المخزون الأكبر من الدراسة. كنت أطلع على أعمال الروائيين العرب التي تفوز بالجوائز، كما أصبح عندي فضول للاطلاع أكثر على الأدب اللاتيني، بعد أن ابتعدنا عنه، ولديّ هاجس دائم للبحث عن المعرفة”. وعن اللغة الشعرية المتداخلة مع السرد في تناول الأساطير والخرافات توضح الكاتبة: “فعلاً الرواية نابعة من الشعر، وقد تعمدت أن أستخدم اللغة الشعرية بحيث تبعث دلالات للقارئ، وأريد من أي قارئ أن يعطيني وجهة نظر، عندي فضول نحو القارئ، وأريد أن يشترك معي في حلول لأني كتبت هذا العمل خدمة للقارئ”. وحول دور الإعلام الحديث في سرعة توصيل المعلومة وطرح النص للقراء، توضح الكاتبة: “الإعلام له دور كبير في توصيل العمل الأدبي للقراء والنقاد، وبسبب آليات التواصل الاجتماعي حدث نوع من الانفتاح على العالم الخارجي، فبتنا نحن الكتاب نطالع القراءات والنقود المنشورة حولها لنتعلم أن نتفادى بعض الأخطاء في الكتابة”. وفي صدد المشاركة في مسابقة الإمارات للرواية وظروف هذه المشاركة، وهل أعدت مسبقاً أم أنها أنجزت الرواية في الفترة، التي حددتها المسابقة، أشارت المنصوري إلى أنها علمت بالمسابقة فيما كانت روايتها مجرد فكرة قصة قصيرة، ولأن من المستحيل إنجاز رواية طويلة في الفترة المحددة، كان الخيار الأفضل المشاركة في فئة الرواية القصيرة. وأضافت: “لقد فكرت بالقارئ أيضاً.. أظن أن انتشارها على الإنترنت سيكون أفضل وأكثر. عملت على الفكرة بحيث تكون مفتوحة للإضافة لعلني أعود وأكملها أو يكملها القراء المتابعون لها على الإنترنت. هي رواية رمزية بالدرجة الأولى، حاولت من خلالها فحص أو قياس مدى استجابة القارئ لهذا النوع من الكتابة، وأعتبرها محاولة عبور إلى القارئ”. وحول الرمزية التي اقتربت منها الكاتبة بإشارات طفيفة ولم تستطع التحليق معها أكثر، والتي تتضح في النص كما في الأسماء التي كانت المحور القوي في العمل ما بين الماضي والحاضر، توضح الكاتبة، قائلة: “تعمدت اختيار أسماء قوية تناسب الجبل نفسه: هيثم، هند، أحمد.. أما عدنان فهو خارج عن النص وموجود بفيس بوك. أثناء كتابتي للرواية كان بيننا نوع من التخاطر على صعيد الأفكار، وأبلغته بأني أخذت الومضات واستخدمتها باسمه. في الحقيقة يحدث تبادل الخواطر في أحيان كثيرة، لذلك كانت قراءتك صحيحة على صعيد الربط بين القديم والحديث”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©