الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن العريف.. الحب حدّ الألم

ابن العريف.. الحب حدّ الألم
29 يناير 2014 21:35
ابن العريف.. اسم آخر نضيفه إلى قائمة شعراء الأندلس وإن كانت شهرته كأحد أقطاب الصوفية أكثر من شهرته كشاعر.. ولقد ارتبطت الصوفية بالشعر إلى درجة جعلتني دائماً أنظر إليها على أساس أنها عملة واحدة ذات وجهين، وجه الفكر ووجه الشعر.. فلم أقرأ لأي مفكر صوفي كتاباً يخلو من الشعر سواء للمفكر نفسه أو لأحد الصوفيين الشعراء. ‏v ابن العريف.. ما الاسم الكامل؟ ?? اسمي الكامل هو أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي المري ولقبي هو أبو العباس. المري نسبة إلى المرية في الأندلس. والضهاجي نسبة إلى قبيلة صنهاجة. ‏v إذن أنت أمازيغي. ** قبيلتي بربرية.. ولكن لغتنا لغة العرب.. وأصولنا عربية. ‏v هذا لا يهم.. فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. ** لا أتكلم عن الفرق.. أتكلم عن الواقع.. نحن عشنا في الأندلس وتكلمنا بلغة أهلها وكنا مسلمين وشعرنا وأدبنا لم يكتب إلا بلغة العرب. النشأة والميلاد ‏v أين ولدت يا ابن العريف؟ ?? وُلدت في المرية في الأندلس. ‏v قرأت لك يا ابن العريف في كتابك بيان مقامات السادة الصوفية: المعرفة محجتي والعلم حجتي.. فأي معرفة وأي علم؟ ? ? المعرفة.. هي علم الحقيقة.. ولولا فتنة النفس لارتفعت الحجب ولولا العلائق لانكشفت الحقائق ولولا العلل لبرزت القدرة ولولا الطمع لرسخت المحبة ولولا توهم العبد لشوهد الرب. ‏v هذا كلام صوفي. ?? ألا تفهمه؟ ‏v صعب. بدا لك سرّ طال عنك اكتتامه ولاح صباح كنتَ أنت ظلامُه فأنت حجاب القلب عن شرِّ غيبة ولولاك لم يطبع عليك ختامُه فإن غيت عنه حلَّ فيه وطنبت على منكب الكشف المصون خيامُه وجاءَ حديث لا يُملُّ سماعُهُ شهي إلينا نثره ونظامُه إذا سمعته النفس طاب نعيمها وزال عن القلب المعنى غرامُه ودارت علينا خمرة كوثرية فخِمارُنا خمر الهوى ومدامُه ‏v ما سر هذا العشق الإلهي لدى الصوفيين؟ ? ? إنه الإيمان يا ولدي.. سلم أمرك لله والله كفيل بك.. إنما ينبغي أن يكون التسليم كاملاً. ‏v كيف يكون التسليم كاملاً؟ ? ? أروي لك هذه الحكاية عن رابعة العدوية رضي الله عنها. نزل ذات يوم الجراد على زرع لها.. فلما جاءها الخبر.. وخرجت لترى الجراد قد ركبه.. رفعت طرفها نحو السماء وقالت: إلهي رزقي تكلفت به.. فإن شئت فأطعم زرعي أعداءك وإن شئت فأطعم أولياءك.. فطار الجراد عنه جميعه. ‏v قصصكم مثيرة يا ابن العريف.. وأكاد أحياناً أشك بصحة حوادثها. ?? إن لم تذق الكأس التي شربنا فلن تدرك حقيقتنا. ‏v معظمكم مات قتلاً. ?? ومن لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحدُ. ‏v ولكنكم صبورون على الألم. ?? أما الصبر فهو حبس النفس على المكروه وعقد اللسان من شكواه ومكابدة الغصص في تحمله وانتظار الفرج عند عاقبته.. وقد قيل: ألفت الغنى حتى أنست بمكثه فلو زال عن جسمي بكته الجوارحُ ‏v إلى هذه الدرجة يمكن للصوفي أن يتحمل الألم. ?? حكي أن رابعة العدوية كانت مجتازة في نفر في أصحابها لبعض حاجاتها فضرب رأسها ركن جدار فرضَّه فسال الدم على وجهها وهي لا تلتفت إلى ذلك ولا تكترث به فقال لها بعض أصحابها: أما تحسين بما جرى عليك في هذا الدم الذي قد خضب وجهك وثوبك، فالتفتت كالمستطرقة لذلك والمستيقظة، ثم أقبلت عليهم كالمعتذرة في غفلتها فقالت: يا إخوتي التذاذي بموافقة مراده فيما جرى شغلني عن الإحساس بما ترون من مشاهد حالي. ‏v وما هي نظرتك إلى الحزن؟ ?? الحزن.. فيه نسيان المنة والبقاء في رمد الطمع.. والفرح هو صديقنا الدائم، وقيل: أوحى الله إلى داود عليه السلام: «بذكري تلذذ وبمعرفتي فافتخر». وفي ذلك أقول: يرنحني إليك الوجد حتى أميل من اليمين إلى الشمال ويأخذني لذكركم اهتزاز كما نشط البعير في العقالِ ‏v لا أدري كيف تتلذذون بالعذاب والألم ولم تفرحون للبلاء إذا أصابكم؟ ?? أقول: سقمي في الحب عافيتي ووجودي في الهوى عدمي وعذاب تأمرون به في فمي أحلى من النعمِ ما لضرّ في محبتكم عندنا والله من ألمِ ‏v نعرف يا ابن العريف أنكم ولدتم في الأندلس وعشتم فيها ولكنكم انتقلتم إلى مراكش. ?? لا تنس أن أصل أبي من طنجة في المغرب. ‏v درست القرآن والأحاديث النبوية واللغة والأدب وتأثرت بطريقة أبو حامد الغزالي. ?? هذا صحيح. ‏v فما الذي دفعك إلى الصوفية والزهد والابتعاد عن الحياة؟ ?? بل أدركت معنى الحياة بحبي لخالقها. ‏v على من قرأت القرآن؟ ?? على يد أبي الحسن البرجني بالمرية وأبي جعفر الخزرجي في قرطبة وسمعت الحديث عن أبي علي الصدفي. ‏v أنشد لك ابن عبد البر صاحب كتاب الأعلام أبياتاً مدحك فيها جاء فيها: أبا العباس قد حازت كمالا مآثركم كرمت بها فعالا تناهيت اكتساباً للمعالي وأهل الفضل فقتهم كمالا وصلت ابن العريف إلى مقامٍ به حازت مآثركم جلالا ‏v باركه الله.. ما كنت أطمح إلى مديح وما اهتممت بثناء طوال عمري. ?? طبعاً لأنك كنت تلقب بإمام الزهد. ‏v ولم تكن تهمني الألقاب. مدح الرسول ‏v هل مدحت الرسول في شعرك؟ ?? بل كان مدحي له عليه أفضل الصلاة والسلام متنفساً وجدانياً وفضاء روحياً.. اسمع بعض ما قلته فيه: شدوا الرحال وقد نالوا المنى وكلهم بأليم الشوق باحا نسيم قبر المصطفى لهم روح إذا سكروا في ذكره فاحا وأقول أيضاً: وحقك يا محمدُ إن قلبي يحبك قربة نحو الإله جرت أمواج حبك في فؤادي فهام القلبُ في طيب المياه ‏v والآن.. آن الوقت أن نعرف لماذا تركت المرية ورحلت إلى مراكش؟ ?? إنه الحقد والحسد يا ولدي. ‏v حقد مَن؟ وحسد مَن؟ ?? قاضي المرية المعروف بابن الأسود أراد أن يتخلص مني. فكتب للخليفة في مراكش وهو علي بن يوسف بن تاشفين وكان المسؤول عن الأندلس في ذلك الوقت، وأوغر صدره ضدي واتهمني بأشياء وأمور غير صحيحة.. مما جعل الخليفة يتوجس خوفاً مني.. ويأمر بإحضاري إلى مراكش.. وأشار القاضي ابن الأسود إلى عامل الخليفة على المرية أن أكبل بالقيود وأزجر في أحد القوارب إلى سبتة. ‏v وكيف كان لقاؤك بالخليفة؟ ? ? قبل أن ألتقي به.. علم الخليفة الحقيقة وأمر بفك قيودي واستقبلني في مراكش واستمع إليّ وأكرمني وقال لي: اطلب ما شئت يا ابن العريف وأنا أعطيه لك. فقلت: لا أطلب إلا إطلاق سراحي فأذهب حيث شئت. فقال: لك هذا يا ابن العريف. ‏v فشلت مؤامرة ابن الأسود إذن. ?? الله أفشلها. ‏v ولكن.. ما حكاية السمّ الذي دس لك في الطعام. ?? كان هو ابن الأسود. ‏v ليس الخليفة. ?? أبداً.. بل إن الخليفة حينما علم بما فعله ابن الأسود بحقي وكيف دس السم لي.. أقسم قائلاً: لأعذبنه ولأسمنه كما فعل بابن العريف.. وقد فعل.. وهكذا لقي ابن الأسود جزاءه. ‏v في جنازة مهيبة.. شيعت مراكش جثمانك الطاهر وتم دفنك في الجامع القديم في وسط مراكش في روض القاضي عياض موسى بن حماد الصنهاجي عام 536 هجرية. وقبل أن نودعك، لابد من سماع شيء من شعرك. ?? قصيدة عن الشوق. ‏v الشوق لمن؟ ?? لمن عشت ومت في حبه.. لله عز وجل. ‏v فماذا تقول؟ ?? أقول: إن لم أمت شوقاً إليك فإنني سأموت مشتاقاً أو أموت مشوقاً ألبستني ثوب الغنى فعشقتهُ من ذا رأى قلبي ضنى معشوقاً لا قرَّ قلبي في مقر جوانحي إن لم يطر قلبي إليك خفوقاً وبرئت من عيني إذا هي لم تدعْ للدمع في مجرى الدموع طريقاً بحلاوة الإخلاص جُدْ لي بالرضا إني رأيتك بالعباد رفيقاً المراجع: 1 - المعجم/ ابن الآبار 2 - في بيان مقامات السادة الصوفية/ ابن العريف 3 - ويكيبيديا/ الموسوعة الحرة 4 - موقع الوراق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©