الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كاظم جهاد يعزف منفرداً على أوتار القصيدة وألمه الروحي

كاظم جهاد يعزف منفرداً على أوتار القصيدة وألمه الروحي
13 سبتمبر 2012
امتلأت قاعة بيت الشعر في أبوظبي مساء أمس الأول “الثلاثاء”، بالشعر وأنفاسه العابقة، وطاف على الحضور طائف من الجمال الآتي من البعيد، البعيد الوجودي والبعيد الإنساني ليمارس نوعاً من الملاحة في الأرواح، وينشر أشرعته ويطيّر نوارسه على تخوم قصيدة قزحية، تركض وراءها القلوب بلا كلل.. امتلأت القاعة بالشاعر، بالشعر، بالقصيدة - القصيدة التي ترتحل في التجربة لتعود بفتوحاتها الناضجة على نار شعرية هادئة. لم تكن أمسية الشاعر والمترجم العراقي كاظم جهاد التي نظمها مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام في أبوظبي سوى دعوة مفتوحة لارتشاف الشعر من منابعه الصافية، والذهاب في كهرباء الوجود السرية إلى حيث اقترن الشعر بالفلسفة دون أن تخسر هي شيئاً من عمقها، ودون أن يفقد الشعر شيئاً من ألقِهِ. قدم للأمسية الشاعر جهاد هديب ملقياً ضوءاً نقدياً شفيفاً على تجربة الشاعر كاظم جهاد، ومعرفاً بإصداراته الشعرية وترجماته، وقال تحت عنوان “كاظم جهاد أو تلك الصورة التي لم تحدث من قبل”: “مَن يقرأ صنيعَ كاظم جهاد الشعري سوف يلحظ أن من الصعب تصنيفه في إطار حقبة أو جيل أو اتجاه. هو ذاتُ ذاتِه ونفسُ نفسِه.. قصيدته متقشفة في كلماتها لكن صورة الشعرية عميقة. يشعر القارئ أن لكل صورة استقلاليتها وإيقاعها القائم على علاقات التجاور بين الكلمات، داخل “معمار” أو بنية القصيدة ككل”. وأضاف هديب “إن الملمح الأساسي في شعر كاظم جهاد، الذي تأصل في ديوانه الأخير “معمار البراءة”، هو المنفى، لكن لا السياسي ولا اللغوي بل المعرفي، هذا “المنفى” الذي يتخذ موقعاً له في برزخٍ بين شرق آخر يخصه وغربٍ آخر يخصه أيضاً. منفى تحقق في عزلة مضاءة تبدل هواءها باستمرار، هي أيضاً عزلة مؤثثة بأشياء الحنين ... الحنين إلى ماض يخص مكاناً وزمناً لم يعد لهما وجود أو أقلها من غير الممكن استعادتهما إلا من خلال ذاكرة شعرية تقوم بترميم الصور إلى حد أنها تصبح جديدة وكأنها لم تحدث من قبل”. قرأ كاظم جهاد خلال الأمسية عدداً من قصائد ديوانه “معمار البراءة”، وهي: (عودة، جلود مستعارة، عراقيون، هزيمة النسر، الذكرى، الأرض المطلقة، مأثرة، تجريد، الزمن المستعاد، باقات، جنون، ارتطام). وفي قراءاته بدا الشاعر كاظم جهاداً فريداً في ألمه الروحي، وعازفاً منفرداً على أوتار قصيدة مشدودة إلى قوس الإبداع الشعري بقدر ما هي مشدودة إلى قوس الحياة. بهيا كان الشاعر في ذلك المساء الظبياني.. بهية هي الصور التي غادرت بيت أوراقه لتدرج حافية على بلاط بيت الشعر.. على بلاط القلوب. بهياً كان الفائض في الحنين الجميل.. وصاحب “حصة الغريب” كان في ذلك المساء الشعري صاحب الحصة الكاملة في الألق والأرق. لم يكن الشعر غريباً أبداً في ذلك المساء.. لم يكن جزافياً ولا بهلوانياً، بل كان حاضراً بكل جلاله ليقول روح الشاعر دون أدنى رغبة منه في سرد أهوال الرحلة.. كأن الشعر، وحدَهُ، يكفي ليكون ثمرة يانعة يقطفها الشاعر، ويرحل في صمت الوجود. ما أكثر القول الذي يمكن إنشاءه عن شعر كاظم جهاد.. ما أكثر الدلالات والارتحالات والأبعاد الفلسفية والإنسانية التي في شعره.. ما أكثر الأسئلة التي يدير رحاها في رؤوسنا عزيفه الشعري في برّية الروح. لكن المساحة لا تكفي، والخبر، وإن طال، يضيق وإن كان ثمة متسع ولقول “ما قلَّ ودلَّ” على حسب بلاغتنا العربية العتيدة، فربما يصدق القول بأن صاحب “الماء كلّه وافد إليّْ” وفد إلينا والشعر كلّهُ وافدٌ معه! ارتطام بالعُنف كلّه ذاهبٌ لأرتطمَ بمصيري. منذُ عقود وأنا أجلس وأنتظر اليومَ غيْرتُ مسعايَ كلّه وها أنا بالعُنف كلّه أذهَب لأرتطمَ بمصيري. سأجلس على شواطئَ خطيرة الانزلاق سأخاطبُ الدّلافين وأصرّ صريرَها الحادٌ نفسَه مثلَها سأتقلّبُ في أوقيانوسات من صنُع هوَسي. قد يُقبل المصير في هيأة ثور في هذه الحالة سأبقرُه أمامَ جموعٍ متلذّذة بمرأى دمائي سأبقره بمدْيةٍ خارقة من صنْع ذهولي وأدَعه يتمرّغ على رمال تنسكب من الذّهن بلا انتهاء. الرّمالُ أنا والحلَبة والمدْية البارقة في الجرح والمُصارع اللاّ يتعب والدّابة التي تُنحَر هيَ أنا. عندما سيَتلامح المصير سأطرحه أرضاً وأستردٌ ما فاتني منه حاسباً الحساب لباقي أيّامي. أو قد أغسله ببساطة كمثلِ ما يُغسَل الوليد من ماء الولادة وبذلكَ الاحتدام النّشوان أُقيمُه في العالَم بِعدالة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©