الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المجتمع العماني يهجر المحاكم ويتجنب فهلوة المحامين

المجتمع العماني يهجر المحاكم ويتجنب فهلوة المحامين
8 مارس 2009 04:23
قبل نحو أربعة عقود، وقبل أن تهب رياح النهضة الحديثة في عمان، كانت البلاد، شأنها شأن المجتمعات في الجزيرة العربية، لا تعرف المحاكم إلا في أضيق الحدود، ففي كل قبيلة هناك شيخ يتولى أمور عشيرته، كلمته هي القول الفصل، ولا يمكن للمدعي سوى السمع والطاعة، ولا يجوز للمدعى عليه سوى الرضا بما يقوله الشيخ· كانت المحاكم بعيدة عن أماكن السكن بالنسبة لمعظم أفراد المجتمع، أولئك الذين اختاروا الجبال أو ما وراءها مكانا للعيش، مكتفين ذاتيا، ليس في طعامهم فقط، إنما في كل ما يتعلق بشؤون حياتهم، بدءا من الاختلاف على أحقية المتخاصمين في ماء السقي وصولاً إلى دية القتيل، فالدم الذي يسيل قد يغسله صلح إن كان داخل القبيلة نفسها، أو دم آخر بين قبيلتين إن لم يسع بين القبائل من هم معروفون بزعامة حقيقية لا ترد لها كلمة، ولا يعصى لها قول· ونادرا ما كان المدعي يلجأ إلى القاضي لسماع شكواه والبت فيها، فالقاضي وحسب التقاليد العمانية القديمة لا يجلس سوى في ''البرزة'' وعادة يكون في حصن أو قلعة، يجاور الوالي، ولا حياة له سوى القضاء والقراءة الفقهية وتعليم طلاب العلم ما يحتاجونه من زاد معرفي يؤهلهم للقيام بتحقيق العدالة فيما لو أخفق شيوخ العشائر في الصلح بين المتخاصمين· وبعد أن تداخلت سبل العيش، وتكاثر البشر، وتنوعت مصالحهم الاقتصادية والتجارية واتسعت دائرة الحرية وتلاشت هيبة شيوخ القبائل مع وجود دولة القانون التي تقوم بحماية المجتمع من تسلط القوي على الضعيف، فتحت المحاكم أبوابها أمام المتخاصمين، لكن ضاقت بما يصل إليها من قضايا متشعبة الأطراف، وربما بعضها يتطلب متابعات دولية وشهادات خبرات قانونية وتخصصية في علوم أخرى كالطب والتجارة وغيرها مواكبة لحركة التغيرات في المجتمع· هذا الزحام أدى إلى العودة للقديم، لكن بطريقة معصرنة، راعت التغيرات التي لم تبق لشيوخ القبائل ''المعاصرين'' تلك الهيبة التي كانوا عليها، فاستحدثت الحكومة العمانية لجان التوفيق والمصالحة لتوزعها على سائر الولايات العمانية، وقد كانت النتائج مذهلة، حتى مع تكاثر الزحام على أبواب المحاكم· ووجدت اللجان في المجتمع مادة قابلة للتواصل، فالناس التي أهلكتها المحاكم ومواعيدها و''فهلوة'' المحامين وجدت في هذه اللجان فأل خير يعيد إليها حقوقها، فهي قد تكون صغيرة وبسيطة وأقرب للخلاف على رؤية من كونها خصاما حقيقيا، ومثلما كان المتخاصمان يخرجان من حضرة حكيم العشيرة أو شيخها يشعران بأنهما فعلا ما يجب أن يتم فعله، وأنهما حين وافقا على الصلح فإنهما نالا رضا كبير القبيلة، فرضاه مقدس والتقرب إليه أمان· في عام 2005 أصدر السلطان قابوس بن سعيد مرسوما حدد قانونا لجهود الوفاق والصلح، وسمي قانون التوفيق والمصالحة وحسب الرؤية الرسمية للغرض من هذا القانون هو ''المحافظة على روح التآخي والمحبة التي تسود المجتمع العماني وتأصيلا لموروثه الحضاري ليجمع القانون بين الحسنيين بين التقاضي في الصروح العدلية الخاضعة للإجراءات والأنظمة المعتمدة دوليا بكل ما تتطلبه من صبر وانتظار لاستيفاء كافة الشروط والاجراءات التي ينظمها القانون''· وتشكلت لجان التوفيق والمصالحة من خبرات محلية تجمع بين الموروث العربي حيث الحكمة والمعرفة، وبين متطلبات العصر بوجود كفاءات شابة تمتلك المعرفة بمجريات الحياة الراهنة في صيغها الجديدة· وامتازت هذه اللجان بأنها لا تضع الخصمين في مواجهة عدائية، إنما هي أقرب للجلسة الودية، فكلا الفريقين يريد حقه من الآخر، وكل منهما له وجهة نظره، أمام أعضاء اللجنة يدرك المتخاصمان أنهما في جلسة صلح دون حساسيات المحاكم والمحامين والقاضي الذي يفرض هيبة نفسية لا تتيح قول الأشياء بسهولة، خاصة لمن لم يعتد المحاكم، إضافة إلى أن الخصوم جاءوا إلى اللجنة من منطلق البحث عن حل·· الحل يأتي باقتراح من اللجنة بعد مناصحة وإرشاد بالتي هي أحسن، وللمرء مطلق الحرية أن يقبل رأيها أو يرفضه، أو يتحاور ببساطة من أجل حق ربما يعجّل حلا وسطيا بنيله له، أما لو سلك طريق المحاكم فسينفق أضعاف ما سيربح فيما لو كسب القضية، وربما سيخسرها لأن محامي الخصم يعرف من أين تؤكل كتف القانون، وخلال ساعات يمكن الانتهاء من قضية قد تأخذ شهوراً طويلة فيما لو عرضت على المحاكم· واللافت أنها لم تجد تلك القضايا البسيطة كالتي كانت تنظرها في قديم الزمان، بل هناك قضايا لشركات استثمارية تبحث عن حقوقها بما يكفل حق الداخلين بأموالهم، خاصة مع انتشار الجمعيات الأهلية والمحافظ الاستثمارية، ويكون كل طرف يريد من الضمانات ما يبقيه قادرا على الوقوف والسير في مشاريعه ''بالنسبة للشركات'' وحفظ حقوقه ''بالنسبة للأفراد'' طالما أن الأمر معتمد على الثقة كرأسمال وحيد في هذا القطاع· ومن إحصائيات وزارة العدل أنه في ولاية نزوى الشهيرة في السلطنة فإن عدد القضايا المنظورة أمام لجنة نزوى أخذت منحى تصاعديا حيث بلغت عام 2006 مائة وخمس قضية ارتفعت في عام 2007 إلى 465 قضية، فيما سجل عام 2008 ارتفاعا إلى 540 قضية، فيما أشارت أرقام أخرى إلى أن إحدى المحاكم تخفف عليها الضغط بنسبة 80 بالمائة·
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©