الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا... وحدود التدخل في سوريا

فرنسا... وحدود التدخل في سوريا
13 سبتمبر 2012
على الرغم من تزايد الضغوط على فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، للتدخل العسكري من أجل إيقاف نزيف الدماء في سوريا، فإن قادة تلك الدول يجدون أنفسهم مقيدين بحقيقة غير سارة، تتمثل في أن الدروس المستقاة من عملية "الناتو" في ليبيا العام الماضي، تفيد أن إسقاط بشار الأسد لن يكون ممكناً من دون انخراط واسع النطاق من قبل الولايات المتحدة. والدافع لعمل شيء ما يجد أقوى تجسيد له في فرنسا على وجه الخصوص، لما لها من روابط تاريخية مع سوريا، ولأن رئيسها السابق نيكولا ساركوزي كان هو الذي جمّع الولايات المتحدة ودولاً حليفة أخرى حول مقترحه الخاص بقصف قوات الحكومة في ليبيا. فضلاً عن ذلك فإن فرنسا هي الدولة التي ولدت فيها فكرة" حق التدخل" من أجل إنقاذ حياة أناس في الخارج، وهي فكرة تطورت في أذهان الكثيرين بحيث لم يعد التدخل "حقاً" فحسب وإنما" واجباً"أيضاً. وقد قام بعض قادة الرأي في فرنسا، المحبطين من لجوء روسيا والصين لاستخدام "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، ومن إحجام الرئيس الأميركي عن تكليف قوات أميركية للتدخل في سوريا، بتوجيه انتقادات للرئيس الفرنسي لفشله في تنظيم تدخل دولي، حتى من النوع الذي لا يحتاج لتفويض من قبل مجلس الأمن. وجوهر انتقاداتهم يتمثل في فكرة مؤداها أن فرنسا إذا توافر لديها التصميم قادرة على إقناع أوباما بتغيير وجهة نظره، أو قادرة على قيادة تحالف أوروبي للعمل في سوريا بالتعاون مع تركيا. مؤخراً، قال الفيلسوف الفرنسي، والمحلل السياسي المعروف "برنارد هنري ليفي" الذي كان قد روج لقادة المعارضة الليبيين، هو والرئيس ساركوزي، والجمهور العام الماضي، إنه يشعر بخيبة أمل في هولاند لفشله في التدخل عسكرياً، ورأى أنه والقادة الأوروبيون الآخرون، يبالغون في تقدير حجم العقبات التي تعترض طريق الإطاحة بالأسد. ففي لقاء له مع إحدى الصحف قال" هنري- ليفي" الجميع يعرفون أن القضاء على الحكومة في سوريا لم يعد يتطلب الكثير"وأضاف ملمحاً إلى أن طائرات القوات الجوية التركية فقط قد تكون كافية" كل ما نريده هو وضع طيار داخل كل طائرة". في محاولة منه للرد على تلك الانتقادات، وإظهار أنه رجل قادر على تقديم المبادرات، أعلن "هولاند" إنه إذا اتفقت جماعات المتمردين المتشرذمة على الاتحاد حول فكرة تشكيل حكومة في المنفى، فإن فرنسا ستعمل على الاعتراف بها على الفور. إلى ذلك، كشف وزير الخارجية الفرنسي الأسبوع الماضي أن فرنسا تقدم مساعدات إنسانية مباشرة إلى مدن يسيطر عليها الثوار داخل سوريا. ووفقاً لتقارير صحفية، فإن فرنسا قدمت التدريب والمعدات الحربية مثل مناظير الرؤية الليلية للثوار السوريين. وعلى الرغم من التهوين من شأن تحريض"هنري ليفي" من قبل الخبراء، فإنه يلقى آذاناً صاغية لدى الجمهور، لأن التدخل الفرنسي العام الماضي ينظر إليه هنا على أنه نجاح لفرنسا، ولقواتها العسكرية، يدعو للفخر. وهذا الفخر لا يرجع لأن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي قد نجح في حشد الآخرين في باريس من أجل البدء في العملية، وإنما لأن العمليات الجوية التي تمت في إطار تلك المهمة قد أنجزت من دون أن تفقد فرنسا طياراً واحداً، على الرغم من حقيقة أن الطائرات الفرنسية قد نفذت 25 في المئة من إجمالي مهام الضرب الجوي التي استمرت على مدى سبعة أشهر ضد 7600 هدف. ولكن الدراسات التي أجراها "الناتو" على الدروس المستفادة من تجربته في التدخل في ليبيا، ترسم صورة أخرى، حيث تظهر أن الحرب الخالية من الخسائر تقريباً التي شنها "الناتو" العام الماضي على ليبيا، كانت ممكنة إلى حد كبير بفضل النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في تدمير منظومة الدفاع الجوي الليبية وتخريب منظومتها للقيادة والسيطرة، من خلال ضربات تمهيدية من البحر والجو لصواريخ "كروز" والقنابل الموجهة، وهي مهمة ما كان يمكن لدولة أوروبية واحدة، أو مجموعة من تلك الدول تنفيذها بتلك الدقة والإحكام والفاعلية التي نفذتها بها أميركا. في تصريح له قال ضابط رفيع المستوى من حلف شمال الأطلسى ساعد في إدارة الحرب في ليبيا ورفض الكشف عن اسمه لدواعي السرية:"يمكن القول باختصار إنه لم يكن لدى الفرنسيين والبريطانيين من الوسائل ما يمكنهم من تنفيذ تلك المهام، لأن الولايات المتحدة ببساطة هي القوة الوحيدة في العالم التي تمتلك تلك القدرات المضادة لوسائل الدفاع الجوي الأرضية". على الرغم من الضغط الشعبي، فإن الخبراء العسكريين الفرنسيين يعرفون جيداً الكيفية التي تم بها تنفيذ العمليات في ليبيا، وما الذي يمكن أن تقوله بالنسبة لإمكانية إجراء تدخل مماثل في سوريا. فالاقتراحات من حكومة تركيا المثقلة بأعباء المهاجرين وغيرها في أوروبا بإنشاء منطقة حظر طيران ليس لها معنى من الناحية العسكرية، كما يقول الخبراء العسكريون، لأنه ستكون هناك حاجة بعد ذلك لإخراج شبكة الدفاع الجوي السورية المتكاملة المستوردة من الاتحاد السوفييتي من العمل بدءاً من الحدود ثم جنوباً حتى العاصمة دمشق وما وراءها، وذلك لجعل الدفاع عن منطقة حظر الطيران ممكناً بواسطة الدوريات الجوية لطائرات الحلفاء، كما يقول الضابط رفيع المستوى المشار إليه آنفاً. علاوة على أن إنشاء منطقة حظر طيران، من دون الحصول على تفويض من الأمم المتحدة سوف يكون عملاً من أعمال الحرب، قد يترتب عليه تداعيات يصعب السيطرة عليها، وقد تمثل سابقة خطيرة في حد ذاتها، كما يقول "فرانسوا هيسبورج" الخبير العسكري في مؤسسة "فاونديشين للبحوث العسكرية" في باريس. وهناك أسباب أخرى تجعل من التدخل في سوريا أكثر صعوبة بما لا يقاس مقارنة بمثيله في ليبيا، لأن ذلك البلد ليس مقسماً بشكل واضح إلى مناطق تسيطر عليها قوات الجيش النظامي وأخرى تسيطر عليها قوات المعارضة. فضلاً عن ذلك فإن الثوار السوريين، الذين يقاتلون داخل سوريا منقسمون إلى جماعات متعددة ومتفرقة حيث يعمل البعض منها في مناطق جغرافية معينة، ويحمل البعض الآخر أجندات إسلامية معادية للغرب مما يجعل من الصعب تنسيق العمل بينها، من أجل تجنب الحوادث الناتجة عن النيران الصديقة. يضاف لذلك كله أن الجيش السوري أكثر قوة بكثير من الجيش الليبي -كما يقول الضابط المشار إليه- حيث يوجد به فيلق كامل حسن التدريب للضباط، وهو ما كان يفتقر إليه القذافي بالإضافة لما يقرب من 300 ألف جندي نظامي، كما يمتلك معدات ضخمة تشمل 5000 دبابة و500 طائرة حربية، فضلاً عن أن مهمة "الناتو" في ليبيا قد استفادت -كما يقول- بأقوى سلاح على الإطلاق وهو" الكثير من حسن الحظ الذي رافق العملية". إدوارد كودي باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©