الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تتبنى خطة لمكافحة «فوضى العمران»

الجزائر تتبنى خطة لمكافحة «فوضى العمران»
25 سبتمبر 2011 19:58
شرعت الجزائر منذ أيام بترحيل 3200 عائلة بالتدريج من مساكنها “الهشة” العائدة إلى فترة الاستعمار الفرنسي (1830ـ 1962) إلى سكنات جديدة، إلا أن فرحة العائلات المُرحّلة من سكنات ضيقة مهترئة آيلة إلى الانهيار، إلى سكنات عصرية واسعة، لم تكتمل بعد أن لاحظت أن الأحياء السكنية الجديدة التي رُحّلت إليها تفتقر إلى مدارس ومرافق عمومية ضرورية، وبعد أن ألحق أطفالهم بمدارس الأحياء المجاورة لهم، ارتفع عدد التلاميذ في القسم الواحد إلى نحو 55 تلميذاً، ما سبّب توترا ومشاكل عديدة. (الجزائر) - أعادت هذه الارتجالية الحديثَ مجدداً عن “فوضى العمران” بالجزائر، حيث تبيَّن أن ثقل وطأة أزمة السكن لا تزال تُلقي بظلالها على مختلف المشاريع السكنية حيث تتخذ طابعا استعجالياً بهدف التخفيف من الأزمة دون أن تُرفق ببناء المَرافق الضرورية بالتنسيق بين مختلف الوزارات، ولا حتى المساحات الخضراء ومساحات لعِب الأطفال، فيجد السكان الجدد للأحياء أنفسهم بعيدين عن المؤسسات التربوية والإدارات والهيئات العمومية والمحال والأسواق ووسائل النقل العمومي. قبل أن تُبنى هذه المرافق لاحقاً، ودفع ذلك بعض السكان إلى تسميتها بـ”المَراقد”، وقد اعترف وزير السكن نور الدين موسى بأنه “خلال المخطط الخماسي 2005- 2009 تم بناءُ عدد كبير من الأحياء السكنية، إلا أنه لم يتم بناء أية مدينة حقيقية جديدة”. غياب الخدمات يعزو حليم فايدي، مهندسٌ معماري أشرف على بناء المقر الجديد لوزارة الخارجية الجزائرية، هذه الوضعية إلى “الاستعجال في البناء وكذا عشرية الإرهاب اللذين أفضيا إلى ممارسات غير متحكم بها في مجال العمران كانت نتيجتها الفوضى الحالية حيث أصبحت بعد الأحياء في الجزائر العاصمة كباش جراح تشبه بيوت الصفيح البرازيلية من حيث ظروف الحياة”. ويلاحظ فايدي أن أحياء باب الزوار شرق العاصمة و”المدينة الجديدة” بقسنطينة، 427 كلم شرق الجزائر، “يغيب فيها مخططُ المدينة بشكل كلي” وحتى المجمعات السكنية الكبرى التي بُنيت منذ 2001 فقط لموظفي الطبقة الوسطى عن طريق صيغة “البيع بالإيجار”، تتجسد فيها “كل عيوب التجمعات الكبرى من حيث غياب المَرافق”. ويعرب فايدي عن خشيته من بناء ملايين السكنات في إطار المخطط الخماسي الجديد 2010- 2014 بنفس الطريقة تحت ضغط الاستعجال الذي يفرضه تفاقم أزمة السكن وما تخلفه هذه الأزمة الخطيرة من توترات اجتماعية حادة. ويرى خبراء آخرون أن الكثير من المدن الجزائرية تفتقر إلى مسحة جمالية تضفي البهجة على زائرها، وهذا بسبب اكتظاظ العمارات ونقص باقي المَرافق الحياتية؛ ويتضح ذلك جليا في “المدن المليونية” كالجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة التي يقطنها ملايين السكان، تقول سامية بن عابس، رئيسة المجلس العلمي لجامعة منتوري بقسنطينة، عن هذه المدينة المزدحمة إنها “تعيش اختناقاً ناجماً عن الاختلالات العمرانية المختلفة، ويجب القيام بعملية “تهوية” للمدينة في أقرب وقت من خلال تجديد عمرانها بشكل منسجم مع توفير فضاءات ملائمة للنشاطات الحياتية والاقتصادية اليومية”. وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منح، منذ وصوله إلى الحكم في أبريل 1999، أولوية كبيرة لإعادة تجديد المدن الكبرى وتزيينها من خلال التركيز على توسيع المساحات الخضراء والهدم التدريجي للبنايات الهشة العائدة إلى الفترتين العثمانية الاستعمارية الفرنسية، وإعادة إسكان أصحابها في أحياء عصرية بالضواحي لفك الخناق عن وسط المدن، واستغلال المساحات الشاغرة التي تتركها في بناء مرافق أخرى كمواقف السيارات وغيرها من المصالح ذات النفع العام، وهي العملية التي ستتواصل إلى غاية 2014 لإعادة إسكان 380 ألف عائلة تقطن ببيوت هشة ينتظر تهديمُها جميعاً. بنايات فردية يُضاف إلى ما سبق، وضعيةُ عشرات الآلاف من السكنات الفردية التي تصنفها السلطات في خانة السكنات الفوضوية لبنائها دون رخصة أو على أراض فلاحية أو أخرى عمومية قام مسؤولون محليون في البلديات بتوزيعها في فترة الإرهاب في التسعينيات بطرق غير مدروسة أو ملتوية قائمة على المحاباة والمتاجرة، ونجم عن ذلك فوضى كبيرة في البناء الفردي لا تزال آثارُها ماثلة إلى الآن. وينتقد وزير السكن نور الدين موسى المسؤولين المحليين في تلك الفترة حيث قاموا بـ”توزيع الأراضي عشوائياً ليسود البناءُ الفوضوي خلال التسعينيات بينما كانت السلطات منشغلة كليا بالحرب على الإرهاب لضمان أمن المواطنين وأملاكهم قبل كل شيء”. كما اغتنم آلافُ المواطنين فرصة الانشغال بمحاربة الإرهاب للاستيلاء على أراض عمومية وبناء مساكن فوضوية عليها. ويؤكد موسى أن وزارته “تلقت نحو 70 ألف طلب من أصحاب هذه البنايات في الثلاثي الأول فقط من عام 2011 لإيجاد تسويةٍ قانونية لها”، وقد سوّت لجنة مختصة وضعية 30 ألف بناية منها و”شرْعنتها” من خلال منحها رخصة بناء بأثر رجعي، وبقيت وضعية 40 ألف بناية فوضوية معلقة إلى حد الساعة لحرص الوزارة على دراستها “حالة بحالة”، علماً أن الكثير من البنايات الفوضوية كان مصيرُها التهديم في السنوات الفارطة في مختلف مناطق البلد، ومنها فيلات فخمة بُنيت دون رخصة، ويؤكد الوزير موسى أن قانون يوليو 2008 الذي سُنّ لتسوية وضعية هذه البنايات، يستثني منها البناءات التي تمت على “أراض فلاحية أو في مناطق سياحية، أو في مواقع ذات قيمة ثقافية كبيرة” أي مناطق أثرية. وللعلم، فإن هذه البنايات الفوضوية بقي أغلبُها غير مكتمل البناء في صورة مشوِّهة للعمران بانتظار تسوية وضعيتها، ويُضاف إليها نحو نصف مليون سكن قصديري، بُني حول المدن الكبرى، وبخاصة في فترة الإرهاب، ما ساهم في تشويه صورة هذه المدن أكثر، وتعِدُ السلطات بترحيل سكان البيوت القصديرية قبل نهاية سنة 2014 حيث يتم الآن إنجازُ 1.2 مليون سكن بتكلفة 60 مليار دولار. خطة جديدة لوضع حد لـ”فوضى العمران” نظمت السلطات مؤخراً ندوة حضرها 1200 خبير ومهندس معماري ومسؤول وأستاذ علم اجتماع حضري، للتباحث حول كيفية إعداد خطة متكاملة لإعادة التهيئة العمرانية العصرية والجمالية للمدن، وخلُص المشاركون بعد أربعة أيام من النقاشات وتبادل الآراء والأفكار والاقتراحات، إلى توصيات عديدة لخصها وزير السكن بالتأكيد على ضرورة مواصلة العمل مع شركات البناء الأجنبية، وبخاصة الصينية، لإنجاز “أبراج سكنية وتسيير المشاريع الكبرى” قصد بناء مدن جديدة ذات نمط عمراني جمالي ومتكامل، وأكد الوزير أن من بين نقاط الضعف التي يعاني منها البلد “نقص المعماريين ومكاتب الدراسات المتخصصة في العمران القادرة على تسيير مشاريع البناء الكبرى”، كما طالبَ شركات البناء المحلية بضرورة “تحسين نجاعتها لبناء مدن حقيقية ذات مسحة عمرانية جمالية وتتضمن كل المَرافق الضرورية خلال الخطة الخماسية الجديدة 2010- 2014”. وأعلن الوزير أيضاً إنشاء “مدرسة وطنية للسكن والعمران” لتدارك النقص في مجال المتخصصين بالعمران، وكذا استحداث “وكالة وطنية للعمران” ومفتشية عامة لها فروع إقليمية تُكلف بمراقبة البنايات ووضعية العمران بالبلد واقتراح حلول للنقائص المسجلة. وقال الوزير حازماً “سوف نعزز مراقبة العمران وسنسهر على أن يكون بناءُ المدن وحتى القرى مطابقا للمعايير العالمية”. ولمكافحة البنايات الفوضوية والقصديرية، طالب الوزير المسؤولين المحليين للبلديات بـ”أداء دورهم بمكافحة البناءات غير الشرعية بأراضي بلدياتهم، وتعزيز شرطة العمران بأعداد إضافية” ويوجد بالجزائر الآن نحو 1200 عنصر تابع لـ”شرطة العمران” يعمل بـ1551 بلدية، وهو عدد ضئيل لا يمكنه مراقبة كل تراب البلد الشاسع ومنع البناءات الفوضوية وبيوت الصفيح التي تتم ليلاً في أماكن بعيدة عن الأعين. ويقترح الوزير العودة إلى إنشاء “الشرطة البلدية” أيضا لتكون “أداة إضافية تساعد شرطة العمران في عملها من أجل مكافحة البناءات غير الشرعية”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©