الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لهذه الأسباب ترفض إسرائيل الكشف عن ترسانتها النووية

24 ديسمبر 2006 01:05
الاتحاد - خاص: لماذا تصرّ دولة ما على إخفاء ترسانتها النووية؟ مع أنّ أيّة دولة تسعى إلى حيازة القنبلة إنما ترمي إما إلى الدخول في نادي الأقوياء، أو لإثارة الهلع لدى دول أخرى، أو لغرض إقامة نوع من توازن الرعب·· لكن إسرائيل لم تطرح نفسها أبداً كدولة كلاسيكية· إنها نموذج آخر، ويقوم على تلك الازدواجية المثيرة بين الضعف الذي يوظَّف للحفاظ على مستوى معيّن من التوتّر السيكولوجي داخل المجتمع، أو لاستقطاب الدعم على أشكاله، ناهيك عن تبرير سياسات معيّنة، وبين القوّة التي لا تخضع لأية معايير أخلاقية أو حتى سياسية·· زلّة لسان من رئيس الحكومة ''ايهود أولمرت'' فجّرت الجدل داخل إسرائيل، وحتى بين أعضاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، مع أن وزير الدفاع الأميركي ''روبرت غيتس'' احتسب إسرائيل، علناً، بين الدول النووية· هذا ما تسلط عليه سطور هذا التقرير وتلقي الضوء على الاحتمالات التي تنتظر ''اولمرت''· الشفافية الخلاقة إنه ''سيمور هيرش'' الذي سأل منذ نحو عام: ''لماذا لا تعلن تل أبيب على الملأ أنها تمتلك القنبلة النووية''؟ الصحافي الأميركي البارز رأى أنّ عبارة ''الغموض الخلاّق'' التي أطلقها ''هنري كيسنجر'' ذات يوم، لا يمكن أن تنسحب على تلك الحالة التي قد تكون بحاجة أكثر إلى ''الشفافيّة الخلاقة''، فالدولة العبرية تبرز أكثر سياساتها فظاظة، وفظاعة، بالقول: إنها إنما تدافع عن بقائها، وهذا يعني أنّ من الممكن غضّ الطرف عن الشوائب الجوهريّة، سواء من الناحية الأخلاقية أو من الناحية الاستراتيجية، التي تعتري تلك السياسات· واللافت أنه التقى، في هذه النقطة بالذات، مع الكاتب السياسي الفرنسي البارز ''اندريه فونتين'' الذي اعتبر أنّ أسلوب ''التعمية'' ينزع عن سياسات القوّة أية لمسة أخلاقية، فالإسرائيليون يتسترون على الترسانة النووية لكي يدمّروا أحياءً في الضفة الغربية وقطاع غزة بحجّة أن مَنْ يتواجدون فيها يهدّدون الأمن الاستراتيجي للدولة العبرية، ليضيف انّ هذه الحجّة كانت تُستخدم، وبشكل معين، لتبرير عمليات الإبادة ضد الهنود الحمر· هؤلاء كانوا يستخدمون الرماح، أو القوس والنشاب، في مواجهة البنادق أو المدافع· لم يكن هناك من توازن على الإطلاق، لكن المقارنة تبدو الآن أكثر إثارة: صواريخ بدائية، بأضرار محدودة، في مواجهة صواريخ مزوّدة بالرؤوس النووية·· ضغط على العرب لا مبرر آخر، سوى أن إخفاء القنبلة (يسخر ''فونتين''، ويقول: كما لو أن أحدهم يريد إخفاء أنفه) يُستخدم كعامل ضغط للحيلولة دون بلدان عربية والتفكير في دخول النادي النووي· ولقد كشف ''محمد حسنين هيكل'' عن أن السبب الحقيقي لتفجير حرب حزيران/ يونيو 1967 هو اقتناع حكومة ''ليفي اشكول'' بأن مصر على وشك أن تنتج قنبلتها النووية، فيما يتذكر الجميع تلك الغارة التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية على المجمّع النووي العراقي قرب بغداد في 7 حزيران / يونيو ·1981 وللتذكير، فإنّ ''هيرش'' نفسه والذي تتمتع تحقيقاته بدرجة عالية من الصدقية لأنها تستند إلى مراجع موثوقة، هو مَنْ كشف عن امتلاك إسرائيل أكثر من 200 رأس نووي، فيما تعاطى الإعلام الغربي بضبابية مريبة مع قضية ''موردخاي فنونو''، التقني الذي كان يعمل في المشروع النووي الإسرائيلي، عندما اختطف من أوروبا، وبعدما أدلى بما أدلى به إلى صحيفة بريطانية حول الترسانة النووية الإسرائيلية، ليمضي سنوات طويلة في الزنزانة· هل اختطف ''فنونو''، وحكم عليه، وسجن في غرفة انفرادية، ثم فُرضت عليه الإقامة الجبرية بعد إطلاقه، ومنعه من السفر (بعدما تحوّل إلى المسيحية) لأنه كان يكذب ؟ لماذا القنبلة ؟ في نظر العديد من الإسرائيليين أن التكتم يأتي بمفاعيل متعددة، فهو يبقي المجتمع في حال من التوتر، والخوف، وهذه عناصر أساسية لمنع الترهل واللامبالاة وبالإضافة إلى هذا العامل السيكولوجي، فإنه يغطي سياسيات إسرائيلية كثيرة· والواقع أن الدول تحاول امتلاك القنبلة النووية، وبعيداً عن الرغبة في الزهو، من أجل حماية نفسها، وإفهام العدو والخصم بأن أية حماقة يرتكبها سيردّ عليها نووياً، وإن كانت حيازة القنبلة، في بعض الأحيان، ترمي إلى التمدّد الجيوبوليتيكي· وكما هو معروف، فإن الإسرائيليين تمددوا في حروب مختلفة (،1956 ،1967 ،1978 1982)، وإن كان الأساس هو حرب عام 1967 حيث لا تزال مرتفعات الجولان، وكذلك الضفة الغربية تحت الاحتلال، ومع بقاء الوضع ملتبساً في قطاع غزة، وذلك دون الحاجة إلى العصا النووية· مرة واحدة، اقتربت الأصابع من الصواريخ النووية· كان ذلك في حرب عام ،1973 وهو ما يكشفه الرئيس الأميركي الراحل ''ريتشارد نيكسون'' في مذكراته، فقد كانت رئيس الوزراء آنذاك ''غولدا مائير'' مستعدة لفعل أي شيء، بعدما بدأ الجيش الإسرائيلي يتقهقر على الجبهتين المصرية والسورية، قبل أن يبدأ الجسر الجوّي الإيراني، ومن بعده الأميركي في العمل· اطردوا هذا الأحمق لماذا لم يعترض الإسرائيليون على ما ذكره الرئيس ''نيكسون''؟ لم يعترضوا أيضاً على كلام وزير الدفاع الأميركي المعيّن ''روبرت غيتس'' حين احتسب الدولة العبرية بين الدول التي تمتلك الأسلحة النووية· ولكن ما إن زلّ لسان ''ايهود اولمرت'' على شاشة التلفزيون الألماني حتى ''اشتعل'' الإسرائيليون كل الأوصاف ''المناسبة'' لاحقته، من نيويورك وحتى تل أبيب· أحد الناشطين في اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة قال حانقاً: ''اطردوا هذا الأحمق من رئاسة الحكومة''· عضو في الليكود قال ما هو أشد حدة من ذلك: ''لحساب مَنْ يتجسّس رئيس الوزراء ؟''· صحيح أنها المرة الأولى التي يتفوّه فيها مسؤول إسرائيلي (بارز) بكلام يعترف فيه بأن بلاده نووية· حاول الاستدراك فزاد الطين بلة، ولكن لماذا كل هذا الصراخ الذي يحمل صحافياً ايطالياً على القول عبر إحدى الشاشات: ''هل يعتقدون أنّ إخفاء صواريخ نووية يشبه إخفاء أكياس ملأى بالخشخاش ؟''· قيل إنّ إعلاناً من هذا القبيل يعطي العرب الذريعة لصنع القنبلة· العرب تحديداً هم مَن تخشاهم تل أبيب· ''آمنون كابيلوك'' يلمح إلى أن الاعتراض على المشروع النووي الإيراني هو اعتراض فولكلوري لاقتناع الإسرائيليين بالتناقض ''التاريخي'' بين المصالح العربية والمصالح الإيرانية، وهم لا ينسون قط أي نوع من العلاقات كان يربط بين طهران وتل أبيب· موسكو زوّدت العرب بالمعلومات ثمة معلق في ''هآرتس'' قال لقناة فرنسية: إنّ ''التكتّم على السلاح النووي قد يكون أحدّ من استخدام هذا السلاح''، فالعرب يعلمون أنّ لدى الإسرائيليين تلك الترسانة الهائلة، لكنهم لا يملكون المعطيات أو القرائن الحسّية، وإن قيل إن موسكو زوّدت عواصم عربية بصور ومعلومات دقيقة، لكن هذه العواصم آثرت الاحتفاظ بالمعلومات لإدراكها أنه ليس باستطاعتها توظيفها حتى في النطاق السياسي العام· عمر ''الظاهرة'' النووية الإسرائيلية يعود إلى نصف قرن تقريباً، فالرئيس الفرنسي ''غي موليه'' الذي كان يكنّ كراهية شديدة للرئيس المصري الراحل ''جمال عبدالناصر'' (هو والبريطاني ''انتوني ايدن'' شاركا في حرب السويس عام 1956) ''أهدى'' صديقه العزيز رئيس وزراء إسرائيل ''دافيد بن غوريون'' مفاعل ديمونا في إطار بناء القوة التي تقضي على ''عبدالناصر''· وكان ''شمعون بيريس'' نائباً لوزير الدفاع، أي لـ''بن غوريون''، وظلاً له، وهو مَنْ قام بتلك الزيارات المكوكية التي أدت إلى بناء المفاعل في صحراء النقب· ولكن هل حقاً ما ذكره بعض الباحثين من أنّ اليهوديين ''جوليوس روزنبرغ'' وزوجته ''ايتل'' أعدمهما الرئيس ''دوايت ايزنهاور'' بعد إدانتهما بنقل أسرار القنبلة النووية إلى الزعيم السوفيتي ''جوزف ستالين'' كانا قد نقلا هذه الأسرار إلى مساعد لرئيس الدولة في إسرائيل ''حاييم وايزمان''، وهو قريب للزوجة ؟ مفاعل من أجل··· البطيخ ربما لا يكون الإسرائيليون آنذاك بحاجة إلى تلك الأسرار، فالعلماء اليهود جاهزون لتقديم المعونة، كما أنّ ''غي موليه'' لم يزوّد ''بن غوريون'' بالمفاعل من أجل زراعة البطيخ في النقب، مع الإشارة إلى أنّ أول رئيس للحكومة في إسرائيل والذي أعلن الدولة، أي ''دافيد بن غوريون''، كان هاوياً لزراعة البطيخ في الصحراء لكي يقدّم نفسه نموذجاّ للإسرائيليين الذين يتعاطون الزراعة كونها تربط مَنْ يعمل فيها بالأرض·· وأضح أنّ كل محاولات النفي اتسمت بالسذاجة، لكن كلام ''اولمرت'' جاء بعد كلام ''غيتس''· هذا لا يقنع الإسرائيليين، وبالطبع على رأسهم ''بنيامين نتنياهو'' الذي يسأل بصلافة ما إذا كان رجل من ذلك الطراز باستطاعته قيادة الدولة في هذه الظروف الهائلة، كما أنه يسأل ما إذا كانت زلاّت اللسان قد تحمل ''أولمرت'' على أن يتقيأ كل أسرار الدولة على شاشة التلفزيون·· الدعوات بدأت تتعالى لإخراجه· بعد الإخفاق في حرب لبنان، ها أنّ الإسرائيليين المعارضين له يصفونه بـ''المغفل''· للمرة الأولى تُستخدم في الدولة العبرية مثل تلك التعابير في وصف رئيس الحكومة· لكنه يؤكد صموده··· النقاش الخفي دائماً كانت هناك أحاديث، في وسائل الإعلام العالمية، حول الترسانة الإسرائيلية· كان المسؤولون في تل أبيب يلجأون إلى التورية، أو الحذاقة، اللغوية·· بعد كلام ''ايهود اولمرت'' الذي أعقب كلاماً صريحاً لـ''روبرت غيتس'' في الكونغرس، بدأ النقاش الخفي في إسرائيل حول ما إذا كان يقتضي الاستمرار في التكتم أم أن من الأفضل التعاطي بشفافية مع الملف· في كل الأحوال، كان الكلام الأكثر تأثيراً: إن ''اولمرت'' أعطى الإيرانيين الذريعة، وقد تترتب على ذلك نتائج دراماتيكية· المرحلة المقبلة دقيقة جداً في هذا المجال·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©