الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياسة سيّدة السينما

السياسة سيّدة السينما
13 سبتمبر 2012
نرحب بقوة بفيلم “شتاء الغضب” وكان اسمه سابقاً (الشتا اللي فات) للمخرج المصري إبراهيم البطوط (أحد أهم أعلام السينما المستقلة منذ عام 2004)، ليس لأنه عمل سينمائي خارق أو فوق العادة، وليس لنجاحه في لفت الأنظار إليه في منافسات النسخة التاسعة والستين من مهرجان البندقية السينمائي الدّولي الذي افتتح أعماله في 29 أغسطس الماضي واختتم فعالياته في الثامن من شهر سبتمبر الجاري، بل لأنه في الواقع عمل سينمائي محترف وعال القيمة الفكرية والإنسانية، ويعبر بصدق عن الحراك الشعبي في مصر خلال ثورة 25 يناير، وأيضا لتلك الصورة الإنسانية التي عبّرت عن مشاعر الملايين في ميدان التحرير في القاهرة، حيث اللقطات الحقيقية إذ أن معظم مشاهد الفيلم صورت في الفترة ما بين العاشر من فبراير وحتى نهاية يونيو من عام 2011 في هذا الميدان العريق، ومن بينها اللقطات الحاسمة لتنحي الرئيس السابق حسني مبارك. كما أن عرض الفيلم الذي يقوم ببطولته كل من عمرو واكد وفرح يوسف وصلاح الحنفي يعيد إلى الأذهان أمجاد السينما العربية وحضورها المؤثر في المهرجانات الدولية، وبخاصة مهرجان البندقية (افتتح بفيلم “الأصولي المتردد” للمخرجة الهندية ميراناير، وتمثيل كيت هدسون وكيفر ساذرلاند، عن قصة بنفس العنوان للكاتب الباكستاني محسن حميد) الذي استقبل “شتاء الغضب” استقبالاً حافلاً ضمن قسم (آفاق) المخصص للاتجاهات الجديدة في السينما في العالم. والذي يحتفي أيضا بالسينما العربية من خلال مشاركة مميزة كمّا ونوعا، ومن ذلك الاحتفاء بعرض الفيلم السعودي “وجدة” للمخرجة هيفاء المنصور، ويعتبر العمل أول محاولة تصوّر مشاهدها بالكامل داخل المملكة وبطاقم سعودي، وهو من بطولة الممثلة السعودية ريم عبدالله، وكان قد حقق جملة من الجوائز من بينها جائزة الشاشة من لجنة أبوظبي للأفلام، كما حظي بدعم من مؤسسات سينمائية عالمية مثل “معهد صندانس” في الولايات المتحدة الأميركية، ومهرجان دبي الدولي للسينما. كما احتفى المهرجان بمشاركة ثلاثة أفلام من السينما الأردنية ضمن قسم (السوق السينمائية)، وهي “الجمعة الأخيرة” للمخرج يحيى عبدالله، و”فرق 7 ساعات” للمخرجة ديما عمرة، و”عمو نشأت” للمخرج أصيل منصور. وتعتبر سوق فينيسيا السينمائية واحدة من أفضل منصات العمل والتعبير الخلاّق لمحترفي السينما المشاركين في هذا المهرجان العريق، كما تمثل فرصة ثمينة لعرض أفلام فريدة من السينما العربية المعاصرة وبخاصة المستقلة، ويعتبر المهرجان واحدا من أهم وأعرق مهرجانات السينما الأوروبية ونافذة يطل منها المخرجون العرب على أحد أهم الأسواق في أوروبا، حيث يتم إدراج الأفلام المشاركة في هذه التظاهرة في مكتبة الفيديو الرقمية الخاصة بالمهرجان، ما سيوفر فرصة نوعية في مجالات العرض والتسويق ويزيد من انتشارها تجارياً ضمن شبكات التوزيع العالمي. هذا الحضور العربي المتألق في المهرجان يحقق الكثير للسينمائيين العرب، وبخاصة العاملين في مجالات السينما الخليجية، حيث رأينا الحركة اللافتة لمهرجان دبي السينمائي من خلال تعاونه مع المهرجان من خلال نجاحه في عرض نحو 10 أفلام عربية وخليجية ضمن فعاليات السوق السينمائية، فغير تلك الأفلام التي تعرّضنا لها، هناك فيلم مميز من السينما الجزائرية بعنوان “يامه” للمخرجة جميلة الصحراوي، ويروي قصة صمود أم بعد مقتل ابنها على يد شقيقه الذي يتزعم جماعة متطرفة في إحدى قرى الجزائر. وحظي هذا العمل ومعه فيلم “وجدة” بتمويل خاص من برنامج (إنجاز) التابع لمهرجان دبي لدعم الأفلام قيد الإنجاز، كما ضمت القائمة أفلاما مميزة من السينما اللبنانية مثل “يامو” للمخرج رامي نيجاوي، وفيلم “القطاع صفر” لنديم مشلاوي، و”الحوض الخامس” لسيمون الهبر، و”حبيبي رأسك خربان” لسوزان يوسف، ومن السينما المغربية حضر بقوة فيلم بعنوان “عاشقة من الريف” للمخرجة نرجس النجار، وفيلم “شي غادي شي جاي” للمخرج حكيم بلعباس، ومن السينما الإماراتية فيلم “أمل” للمخرجة نجوم الغانم. فيلم ميداني “شتاء الغضب”، فيلم واقعي، اختار مخرجه والذي كتب قصته أيضا فترة زمنية دقيقة من حياة مصر، فقد جرى تصوير مشاهده في ظروف صعبة للغاية، حيث كان يحتشد الآلاف من أبناء مصر في ميدان التحرير للتعبير عن رغبتهم في التغيير السياسي الذي رافقه ضمنا تغيير ثقافي في الرؤية للحالة الاجتماعية وظروف الإنسان وأحلامه المريرة، ولهذا حمل العمل على عاتقه مهمة نقل المشاعر الإنسانية في إطار سينمائي من جماليات اللقطات وصدقها، بالإضافة إلى تجاوز صعوبات التصوير لتحقيق كادر يجمع بين التوثيقي والروائي وتحقيق نوعي للمشاركة الشعبية في الحدث الذي يروي أحداث ثورة 25 يناير من خلال عيون ناشط سياسي (عمرو واكد)، ومذيعة في التلفزيون المصري (فرح يوسف)، وضابط في جهاز مباحث أمن الدولة (صلاح الحنفي)، كما يستلهم الفيلم التداعيات التي وقعت بعد الثورة وما حدث خلال الفترة الانتقالية التي تولّى خلالها المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد. إن النجاح الكبير واللافت للفيلم على المستوى الجماهيري والنقدي في مهرجان البندقية يعود أيضا إلى بطله الممثل الشاب عمرو واكد (انطلقت رحلته مع السينما عام 1990)، الذي ساهم أيضا في تمويل الفيلم، وغير ذلك مما حققته صورته الفنية وسمعته الطيبة لدى المشاركين، فهو أحد الممثلين العرب الذين أكدوا الرسالة الحقيقية للفنان من خلال اهتمامه بتقديم العديد من الأدوار والشخصيات دعما لقضية الشعب الفلسطيني، كما أنه ليس بغريب على ساحة الفن العالمي، فقد شارك النجم العالمي جورج كلوني بطولة فيلم “سريانا”، وشارك في حلقات المسلسل البريطاني الأميركي “بيت صدام”، والفيلم الإيطالي “الأب والغريب”، وأخيراً فيلم مهم بعنوان “صيد السلمون في اليمن”. وغير ذلك، فعمرو واكد يعي جيدا رسالته السياسية ودور الفنان في التعبير عن رأيه من خلال الاحتكاك مع الشارع وممارسة دوره كمواطن، فكان من أوائل الفنانين الذين خرجوا للشارع للتعبير عن التضامن مع الإرادة الشـعبية. بقيت الإشارة إلى أن العرض الأول للفيلم كان في المهرجان، أما العروض الحقيقية الجماهيرية فستبدأ مع الذكرى الثانية للثورة 25 يناير من العام القادم. من خلال ميزانية متواضعة نجح الفيلم في التأكيد على دور السينما الطليعية المستقبلية المستقلة، فليس دائما تكون الميزانيات الضخمة وراء نجاح العمل وحصده للمال، فبقليل من هذا المال مع الإرادة والتصميم والاهتمام بالجانب الإنساني والصورة الملحمية المصقولة والموضوع النابع من نبض الجماهير يمكن لك أن تصنع سينما يحترمها العالم، وهذا ما حدث مع فيلم “شتاء الغضب” الذي وقف مخرجه وسط الحشود الهائلة في ميدان التحرير ومن ثم أدار كاميراته لكي تنقل للعالم صورة لانتفاضة شعبية ضد البؤس والظلم والفساد، صورة مصقوله ومعجونة بأحلام كبيرة، وكراهية لكل ما يكسر الإنسان وإرادته. ولعل هذا ما أراد أن يشرحه مخرج الفيلم للعالم من خلال روائية توثيقية ممزوجة بحركة الشارع، وفي حديث له مع العديد من وكالات الأنباء العالمية من داخل المهرجان، أكد المخرج البطوط أنه كان يطمح إلى نقل صورة حقيقية للعالم بوجه عام وللسينمائيين بوجه خاص، وفي ذلك قال: “إن الفيلم لا يتناول التطورات السياسية في مصر، ولكنه محاولة لإيصال الطريقة التي يمكن أن تسفر بها آلام الإنسانية المكسورة عن شيء إيجابي، نحن نقدم في هذا العمل رسالة عن قدرة الإنسان على البقاء والحياة رغم المرارة”. في تقديري أن المخرج إبراهيم البطوط من خلال هذا الكلام وأحاديث أخرى في العديد من أفلامه أكد أن أعماله قادرة على تحرير النظرة القاصرة الى القضايا الشعبية في مجتمعه، والتي تناولتها بعض الأفلام وبخاصة في فترتي السبعينيات والثمانينيات، من خلال تقديمه لغة جديدة في التناول والصقل، جمع فيها ما بين السرد الوثائقي والروائي الحركي وجماليات التشكيل البصري من خلال استثمار الحشود البشرية الغاضبة، وإدخالها في عمق الصورة المبنية على سيناريو شارك في كتابته ضمنا أفراد لا علاقة لهم بعنصر التمثيل في الفيلم، ولهذا بدا هذا العمل دراميا ملحميا في طبيعته، وفي هوية المكان الذي تم اختياره بعناية لتصوير الأحداث التي كانت تتطور ضمن إيقاع التطور المرسوم في الحوار والكتابة. حضور وتألق مهرجان البندقية في دورته التاسعة والستين. لم ينس الاحتفاء بكبار صناع السينما في العالم ابتداء بالممثل والمخرج الاميركي روبيرت ريدفورد، مرورا بالممثل بن آفليك، والممثلة الأميركية كيت هدسون، والنجم الأميركي ليف سكرابير، والممثلة الإنجليزية ناعومي واتس، وحضور خاص للمخرج الأميركي رامين بحراني الموصوف بأنه مخرج الجيل الأميركي الجديد، كما أعاد المهرجان إلى حلبته النجمة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالي في فيلم للمخرج المخضرم مانويل أوليفيرا (103 أعوام)، والممثلة وعضو لجنة التحكيم الفرنسية لاتيتيا كاستا، والممثلة الايطالية الحسناء ايزابيلا فيراري، وانتهاء بالحضور المتألق للنجمة وينونا رايدر وجملة من الافلام الكبيرة والرائعة وعلى رأسها فيلم “شجرة الحياة”، الذي كان ينافس بقوة على جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم، وجائزة كأس فولبي لأفضل ممثل وممثلة، ولعل ما يهمنا كثيرا في الموضوع هو الاهتمام النوعي والخاص من جانب إدارة المهرجان بسينما الربيع العربي المستقلة، ومن ذلك الاحتفاء النوعي والخاص بالفيلم التونسي التسجيلي الطويل بعنوان “كانت أفضل غدا” للمخرجة هند أبو جمعة، وتصور مشاهده أحداث الثورة التونسية من وجهة نظر فتاة ناشطة. لجنة تحكيم المهرجان الذي ضم 50 فيلما تنافس 18 منها على جائزة الاسد الذهبي، لا تقل أهمية عن حجم الحدث وضيوفه من النجوم والافلام، فهي تضم المخرج الاميركي مايكل مان رئيسا للجنة، وعضوية كل من باولو باراتا، ومارينا ابراموفيتش، وسامانثا مورتون، كما شهد المهرجان عودة المخرج الايطالي البرتو باربرا ليترأس الحدث بعد غياب 10 سنوات عنه، وبهذا الحشد الاستثنائي من الأسماء العالمية الكبيرة في عالم السينما أكد المهرجان أفضليته وعدم تسييسه، وذهابه تجاه المنهج والتعددية وحرية الفكر والتعبير، بحيث فتح للمبدعين العرب بابا ونافذة مشرعة للتعبير عن وجهات نظرهم ضمن إطار التقنيات المعاصرة، بعيدا عن أية تداخلات سياسية من تلك التي تشهدها بعض المحافل الفنية، وبعيدا أيضا عن أية تداخلات دينية أو عنصرية، بعد أن تم اختيار فيلم “الأصولي المتردد” للهندية ميرا نير الحائزة عام 2001 على جائزة الأسد الذهبي من هذا المهرجان عن فيلمها “زواج المواسم”، كذلك حصولها على جائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان السينمائي عام 1988 عن فيلمها “سلام مومباي”. والمهرجان الذي رفع شعار الحوار المتمدن، حرص على تدعيم مسألة تقييم الأفلام المشاركة من خلال تكوين لجنة تحكيم متخصصة، لقسم (آفاق) الموازية للمسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، ضمت اللجنة كلا من الناقدة السينمائية الهولندية ومديرة مهرجان روتردام السينمائي الدولي السابقة ساندرا دن هامر، كذلك فنان الجرافيك البريطاني من أصل بنجلاديشي رونا إسلام، والمخرج الايراني المقيم في الولايات المتحدة أمير نادري، والمخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي، والمخرج المقدوني المقيم في الولايات المتحدة ميلشو مانكفيكس، فيما ترأس لجنة التحكيم هذه الممثل الإيطالي المعروف يبرر فرانشيسكو فافيو، وضمت لجنة تحكيم المسابقة الدولية كلا من الممثلة الصربية مارينا أبراموفيتش، الحاصلة على جائزة أحسن ممثلة في المهرجان عام 1997، والممثلة الفرنسية ....؟. الأسد الذهبي كوري ـ أميركي فاز المخرج الكوري الجنوبي كيم كي دوك بجائزة “الأسد الذهبي” لأفضل فيلم في مهرجان البندقية السينمائي عن فيلم “بيتا”، الذي يروي قصة مرابي تغيرت حياته عن طريق امرأة تزعم أنها أمه. وكان كيم (51 عاما) فاز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان البندقية عن فيلم (3-أيرون)، وبمهرجان برلين السينمائي عن فيلم “سامارتيان جيرل” عام 2004. وفاز فيلمه “أريرانج” بأرفع جائزة عن فئة “أون سيرتن ريجارد” بمهرجان “كان” السينمائي. وفي البندقية، ذهبت جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج إلى الأميركي بول توماس أندرسون عن فيلمه “ذي ماستر” الذي تدور أحداثه حول كنيسة السينتولوجيا في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وحصل الممثلان الأميركيان بول سيمور هومان وجواكيم فوينيكس مناصفة على جائزة أفضل ممثل عن دورهما في فيلم “ذي ماستر”. وذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى الإسرائيلية هادا يارون عن دورها في فيلم “فل ذي فويد” (إملأ الفراغ)، وهو فيلم للمخرجة راما برشتاين عن أسرة متشددة دينيا في تل أبيب. وفاز المخرج الفرنسي أوليفييه أساياس على جائزة أفضل سيناريو عن فيلم “أبري ماي” (شيء في الهواء)، عن قصة ما بعد أحداث الشغب الشبابية في مايو 1968 ، فيما ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم “باراديس: فيث” (الجنة: الإيمان) للنمساوي أولريش سيدل. وفاز الإيطاليان دانييلي سيبري وفابريزيو فالكو بجائزة أفضل مصور وأفضل ممثل صاعد على التوالي لدورهما في فيلمي “لا بيلا أدورمنتاتا” (الجمال النائم) و”إستاتو إل فيجليو” (فعلها الإبن).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©