تونس··· مليحة في خمار أخضر

هناء الحمادي: تونس تتطور، لكن حمى التغيير وإن تغلغلت في الجسد، فإنها لا تؤثر على الروح· هذه الروح تلمسها في شارع بورقيبة الرئيسي عبر أشجار السَاج الحافلة بزقزقات آلاف العصافير، الفائحة بطيب الأزهار المعروضة على المارة· وتلمسها بكل جوارحك في هندسة المباني، التي تارة تتذكر ماضيها فتحكي، وتارة تحلم بالمستقبل فتلهم غير بعيد عن قلب المدينة، متاحف وقاعات، عروض، وأورقة فنية، تشهد بحركتها الدائبة أن تونس لا تزال، وستبقى على موعد مع التظاهرات الثقافية العديدة· حكايا الفسيفساء وتخطو خطوات قليلة فإذا بالسوق المركزية تبهرك بحيويتها، وألوانها الساحرة الشهية، فكأنما أنت أمام لوحة متوسطية أصيلة، تستريح لحظات بمنتزه ''البلفيدير'' فينشرح صدرك إزاء مشهد الأغصان المتشابكة التي تتمسح على خد الغروب بمرآة من الأسود، والطيور والغزلان المتعايشة في حديقة الحيوانات، لكنك لن تقف عند هذه المحطة، فالمتحف الوطني بـ ''باردو'' يدعوك للاستمتاع بحكايات الماضي ترويها لك مجموعة رائعة من لوحات الفسيفساء ومن المنحوتات والمجوهرات· معزوفة شرقية أما في المدينة العتيقة فتجد الأشكال والأحجام والألوان تتناغم في المدينة العتيقة كألحان معزوفة شرقية رائعة، فالقباب إيقاع، والسطوح تقاسيم، والظلال سكون واستراحة، وعطور الماضي طرب وانتشاء· إنها تركيبة حية من الحجارة التي تحكي، والأصوات التي تنادي، والحركات التي تخلد ذكرى الأجداد· إنها كنوز دفينة يعثر عليها الزائر في كل ركن من أركان مدينة تونس العتيقة، فلا يسعه إلا أن يدفع باباً من تلك الأبواب التي تعلوها شبابيك مقوسة، وتزين صفحتها مسامير نحاسية، ليدخل دارا من الديار التي حافظت على شيء من روح سكانها السابقين· وفي تونس العتيقة تستطيع زيارة أماكن كثيرة مثل: دار الاصرم، جامع الزيتونة، سيدي محرز ذي الهندسة المستوحاة من الفن التركي، وسيدي قاسم الجليزي· ألف تذكار وتذكار دكاكين تونس، وبالأخص منها دكاكين المدينة العتيقة، عبارة عن شحنة من التاريخ تتفجر في أحاسيس الزائر كما تتفجر شحنة النور· لا مجال هنا لعدم التأثر، دكاكين الأسواق نموذج متكرر من مغارة علي بابا بالجملة والتفصيل، فتحت أسقفها تتراكم الكنوز البراقة، ومن داخلها تتهادى إلى مسمعك نداءات الباعة المتموجة عبر ضجيج السوق· أما معروضات دار الصناعات التقليدية التي سهرت على عصرنة الذوق الشعبي، فإنها الجودة مع الأصالة، وهي منتوجات لا تحصى، ملابس ذات خياطة رفيعة، وقفطانات، أقفاص كأنها مطرزة، ولا مناص للمتجول من أن يعرج في الختام على دكاكين المنتوجات العتيقة، فزيارتها تشبه الرحلة الشيقة في متاهات ألف ليلة وليلة· رمال من ذهب محبو الشواطئ يمكنهم من خلال زيارة واحدة لهذا المكان أن يروا الشواطئ الخلابة والقرى الجميلة، التي لا يعرف النوم لعيونها سبيلا من شدة حيويتها· أما ''حلق الوادي'' فتستقبله بحصنها الصامد منذ القرن السادس عشر، ومطاعمها الشهيرة بسمكها المشوي الذي يستهوي آلاف الزبائن في فصل الصيف· أما ''صلامبو'' بموانيها البونيقية، وفيلاتها الناصعة البياض، وحدائقها الغناء، ومعهدها الأوقيانوسي الذي يضم مجموعة من الكائنات البحرية وسط إطار عتيق، فإنها ''سيدي بو سعيد'' رمز الهدوء والراحة، بمينائه الترفيهي، ودياره البيضاء الزرقاء، ومئذنته الشهيرة، وصخوره الساحلية القانية الاحمرار· مهرجانات تونس بلد المهرجانات أيضاً، ففيها يقام مهرجان قرطاج الذي يعد من أعرق وأشهر المهرجانات في الوطن العربي، ويجمع بين الموسيقي الشرقية والغربية ويقام خلال شهري يوليو وأغسطس من كل سنة، بالمسرح الأثري بقرطاج· كما يمكن للزائر أيضا حضور العديد من المهرجانات الصيفية، كالمهرجان الدولي للحمامات والذي يجمع بين الموسيقى والمسرح، ومهرجان الجاز بطبرقة· أكلات تونسية إلى جانب المهرجانات وعروضها ونشاطاتها، يجد الزائر في الأكلات التونسية اللذة والتنوع، والأكلات الشعبية يتم إعدادها غالباً بزيت الزيتون وبعض البهارات المحلية مما يضفي عليها مذاقاً خاصاً· لقد أصبحت هذه الأكلات تقدم في مطاعم توجد غالبا في منازل عتيقة وفخمة تمت تهيئتها لهذا الغرض، حيث يمكن للزائر الذواق اكتشاف أشهر الأطباق التونسية مثل: ''الكسكسي بالسمك''، ''المرقة الحلوة''، ''طاجين ملصوقة''، وغيرها من الأكلات المحلية· ومن بين المطاعم المشهورة في مدينة تونس العتيقة: ''دار الجلد''، و''السراية'' و ''دار بالحاج''، ومن المطاعم التونسية المتخصصة في الأكلات العالمية مطاعم: ''الاستراقال'' و''الباروق'' بتونس العاصمة، وكذلك مطعم ''الورد الأحمر'' بنزل أبو نواس، ومطعم ''الفيلة'' بنزل رونيسنس بـ ''قمرت''· وبعد عناء يوم طويل يمكن لكل من يزور تونس أن يجد في المراكز التونسية أرقى الخدمات حيث أنها غالباً ما تكون مندمجة في وحدات فندقية فخمة· وتوفر مستلزمات الاستشفاء عدة مرافق أخرى كالحمامات العربية ومسابح خارجية بمياة البحر، ومن بين المراكز التونسية الذائعة الصيت، يمكن ذكر مركز أبو نواس بوجعفر بمدينة سوسة، ومركز الآزورد الملكي بمدينة الحمامات، ومركز ذي رزيدنس بمدينة قمرت، ومراكز فيتال وصدر بعل و أثينا في مدينة جربة·