السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

11 شهراً في «الجحيم القطري».. رواية حقيقية من كواليس «مونديال 2022»

5 فبراير 2018 23:14
دينا محمود (لندن) صفحةٌ جديدة من صفحات السجل الأسود للانتهاكات القطرية لحقوق العمال تكشفت في جنوب أفريقيا، بعدما أماطت وسائل إعلامها اللثام عن مأساة شابٍ قضى ما يقرب من عامٍ في قطر، مُلاحقاً بجريمةٍ لم يقترفها، قبل أن يُسمح له بالعودة إلى وطنه، ليفضح تفاصيل المعاناة التي يكابدها كل من شاء لهم حظهم العاثر العمل هناك. وشكّل ما واجهه الشاب جراهام فينس، (28 عاماً)، محوراً لتقريرٍ مطولٍ نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة «هيرالد»، أقدم الصحف في جنوب أفريقيا، وتناول تفاصيل كابوس الشهور الأحد عشر، التي قضاها فينس في قطر منذ أن توجه إلى هناك للعمل في الأعمال الإنشائية الخاصة بأحد الملاعب الرياضية، التي يُفترض أنها ستستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وفي التقرير الذي أعده جاريث ويلسون، أشار الشاب، وهو من مدينة بورت إليزابيث الساحلية بجنوب أفريقيا، إلى أنه ظل «مُحاصراً» في قطر حتى نوفمبر الماضي، بعدما أُنحي عليه باللائمة في مقتل زميلٍ له، من بين العمال الذين يشاركون في تشييد مرافق المونديال، ممن تشير الإحصاءات إلى تزايد عدد من يفارقون الحياة منهم، بفعل ظروف العمل القاسية، وتدني معايير السلامة والأمان، في المشروعات الخاصة بالبطولة التي ستُقام بعد أقل من خمس سنوات. وكشفت الصحيفة في تقريرها أن الشاب الذي يبحث رفع دعوى قضائية لنيل تعويضٍ عما لحق به في قطر، كان يعمل وقت وقوع الحادث على منصة شاهقة الارتفاع في ملعب خليفة الدولي الذي يشهد عمليات إصلاح وترميم مكثفة، لكي يتسنى له استضافة عددٍ من لقاءات النسخة بعد المقبلة من كأس العالم. وتبدو محاولة إلقاء تبعة واقعة الوفاة التي حدثت عرّضاً، على كاهل فينس نموذجاً للسياسة المتبعة من جانب السلطات القطرية التي تسعى على الدوام للتنصل من مسؤوليتها عن مثل هذه الحوادث المأساوية التي باتت مألوفةً بشدة في العديد من مواقع التشييد والبناء في هذا البلد. ونقل التقرير عن فينس قوله: «إن الحادث الذي أدى إلى تعرضه لما يشبه الاحتجاز في قطر لمدة تقارب العام، وقع في أحد أيام يناير العام الماضي، عندما فوجئ بزميلٍ له بريطاني الجنسية يبلغ من العمر 40 عاماً، يهوي خلال العمل من ارتفاع 40 متراً، بسبب مشكلات في المعدات التي كان يستخدمها، إذ انهارت بغتةً إحدى الرافعات التي كانت تستند إليها منصةٌ مرتفعةٌ في المكان. وفي محاولةٍ واضحةٍ لطمس الأدلة الدامغة التي تثبت تقاعس السلطات في قطر عن توفير الحماية لمئات الآلاف من العمال المهاجرين الموجودين على أراضيها، سارعت الشرطة بعد الحادث بساعاتٍ إلى اعتقال فينس، ليبدأ «كابوسٌ» استمر لشهور عدة». وفي اتهامٍ لا لبس فيه للشرطة القطرية، إما بالتواطؤ أو الافتقار إلى الكفاءة، أشار الشاب الجنوب أفريقي إلى أن عناصرها اعتقلوه برغم أنه كان مصاباً بجروح قطعية ورضوضٍ في يديه جراء محاولته إنقاذ زميله الراحل، وقال في هذا الشأن: «إن شرطة قطر لم تعبأ بذلك، (فقد) كانوا يريدون إلقاء اللوم على شخصٍ ما.. لا أزال أسمع صوت أبواب الزنزانة وهي تُصفَقُ خلفي.. كان ذلك مرعباً»، مُشيراً إلى أن الشرطة استجوبته «منذ اليوم الأول كما لو كان الشخص المسؤول» عن انهيار الرافعة. وعلى الرغم من أنه لم يُزج بهذا الشاب وراء القضبان سوى ليومٍ واحد، فإنه ظل فعلياً «مُحاصراً في قطر»، بعدما مُنِعَ من مغادرتها لحين انتهاء التحقيقات التي تجريها الشرطة في القضية. وبنظر مراقبين تكتسب الإفادة التي أدلى بها فينس لوسائل الإعلام في بلاده حول ما لاقاه في «الجحيم القطري»، أهميتها في ضوء أنها تكشف عن تفاصيل غاية في الأهمية، عما يواجهه نظراؤه من العمال الأجانب هناك، لاسيما خلال تعاملهم مع سلطات الشرطة والجهاز القضائي أيضاً. فقد رسم الشاب صورةً قاتمة لمنظومة الشرطة والقضاء في قطر، قائلاً: «إنه عَلِقَ في الجحيم»، ما اضطره إلى إنفاق كل مدخراته للتمكن من الدفاع عن نفسه. وروى تفاصيل معاناته هذه بالقول: «كنت معزولاً، وأسوأ ما في الأمر أنني كنت ممنوعاً من مغادرة البلاد. كنت عالقاً هناك بلا أصدقاء، ولا يوجد حولي أي شخصٍ تقريباً يتحدث الإنجليزية». وأضاف: «بدا الأمر كما لو (أنك) في حبسٍ انفرادي.. تتوقف فيه حياتك تماماً». وأشار الشاب الجنوبي أفريقي كذلك إلى أنه ظل ممنوعاً من العمل طيلة فترة بقائه قسراً في قطر، نظراً لانتهاء سريان تأشيرة العمل الخاصة به، ورفض المتعهد الذي جلبه للعمل في الأراضي القطرية، تجديدها. وكشفت محنة فينس أيضاً عن حجم الفساد الذي يشوب النظام القضائي في قطر، إذ أشار الرجل إلى أنه على الرغم من أن تحقيقاً داخلياً أجرته الشركة التي كان وزميله الراحل يعملان لحسابها، برأ ساحته تماماً من أي مسؤولية، فإن «هذا التقرير لم يُقدم قط إلى المحاكم القطرية». واعتبر فينس الذي كان يُفترض ألا تستمر فترة عمله في قطر سوى شهرٍ واحد، أنه قُدِم كبشَ فداء للشركة، وعانى جراء ذلك من دون داعٍ أو ضرورة، بما شمل كذلك خسارته فرصة عملٍ كانت تنتظره في أستراليا، لأنه لم يستطع التوجه إلى هناك لتسلم هذه الوظيفة. جانبٌ آخر من المؤامرات التي يتعرض لها العمال الأجانب في قطر، كشف عنه محامٍ طار من جنوب أفريقيا إلى قطر خصيصاً للدفاع عن فينس وإنقاذه، إذ اكتشف الرجل الذي يُدعى ستيورات لوبشر، أن المحامية القطرية التي اُخْتيرت للدفاع عن موكله، لم تستطع تفسير عدم تقديم التقرير الداخلي الذي يبرئ ساحته إلى المحكمة. وقال: «إن هذا الموقف المشبوه لم يتغير سوى عندما بدأ في الصياح بصوت عالٍ والقول إن ثمة مؤامرةً لتوريط موكله في واقعة القتل»، «لتأتي المحامية في اليوم التالي إلى المحكمة باستراتيجية جديدة تماماً تستهدف إخراجه (فينس) من القضية». لأن ما جرى لـ «جراهام فينس» لا يشكل واقعةً معزولة، حرص موقع «هيرالد لايف»، التابع لصحيفة «هيرالد»، على الإشارة إلى الإحصاءات المفزعة التي تكشف جسامة الانتهاكات التي تلحق بالعمالة الأجنبية في قطر، مُشيراً في هذا السياق إلى ما يحيط بأعمال البناء والتشييد الجارية في مرافق كأس العالم 2022 من شبهاتٍ واتهامات، في ظل وفاة عشرات العمال هناك بسبب تردي ظروف العمل أو عدم توافر معايير السلامة والأمان. وأبرز الموقع في هذا الصدد ما طالبت به منظمات حقوقية دولية، من ضرورة أن يغير النظام القطري القوانين المعمول بها في البلاد، وذلك لإسباغ الحماية على العمال الأجانب الذين يعملون في قطاع الإنشاءات، أولئك الذين يبلغ عددهم نحو 800 ألف من إجمالي قرابة مليونيْ عامل مهاجر موجودين في قطر. وأشار «هيرالد لايف» إلى أن المقاولين الذين تتولى شركاتهم عمليات التشييد الجارية في الملاعب الرياضية في قطر «يعتمدون بوجهٍ عام على العمال المهاجرين القادمين من دولٍ مثل بنجلاديش والهند ونيبال». واستعرض الموقع بياناتٍ أعلنتها السلطات القطرية نفسها، وأقرت فيها بأن عام 2012، على سبيل المثال، شهد 520 حالة وفاة بين العمال الأجانب، وكذلك إقرار حكومة الدوحة بأن 35 عاملاً لقوا حتفهم في عام 2016، غالبيتهم بسبب السقوط من أماكن مرتفعة، وذلك في مواقع بناء حسبما يُفترض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©