الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوجة هادئة

زوجة هادئة
14 فبراير 2010 19:49
منذ صارت (نهلة) زوجة (سمير)، عرف أن عليه أن يتحمل صوتها الرفيع العالي جداً الذي يدوي فجأة كصفارة قطار موشك على الاصطدام بشاحنة. في اليوم التالي للزفاف كان في الحمام عندما دوى صراخها: ـ«سميييييييييييييييييييير» ! فانطلق خارجاً من الحمام والصابون يملأ عينيه، باحثاً عن السكين ليولجها في قلب السفاح الذي هاجم زوجته، لكنه وجدها جالسة إلى مائدة الطعام تنتظره في مرح.. كانت تناديه ليأكل .. عند المساء كان جالساً أمام التلفزيون عندما دوى صراخها الرفيع من الشرفة، فحمل الجهاز المحمول وقد عزم على طلب رجال المطافئ.. ربما استطاعوا إنقاذها قبل أن تتخلى يداها عن الحافة وتسقط .. إنهم محترفون ولديهم السلم الذي يستطيل والشبكة التي يفردونها في الشارع.. لكن زوجته كانت تشير في مرح إلى شجرة قريبة وتقول: ـ«هل رأيت؟.. كروان» ! بعد ما استعاد ضربات قلبه، قال لها في رقة وصبر يتناسبان مع كونها لم تمض أكثر من يوم كزوجته، إن عليها أن تخفض صوتها أكثر، وأن يتناسب مقدار الذعر في صوتها مع الحدث.. قال هذا وهو يقذف الشجرة بقطعة طوب ليطير الكروان المزعج.. في اليوم التالي عرف أن التخلي عن هذه العادة شيء صعب جداً .. لقد دوت صرختها المريعة وهو يقرأ الصحيفة: ـ«سمييييييييييييييييييييييير»! هذه المرة من غرفة النوم، فحمل الخف وهرع ليقتل ثعبان الكوبرا الذي وجدته تحت الفراش، لكنها كانت هناك تضحك وهي تحمل دمية (دبدوب) من الفراء في يدها: ـ«هذه دميتي التي كنت أحتضنها في مراهقتي»! كانت أعصابه قد انتهت تماماً، وللمرة الأولى أدرك أن اسمه كريه فعلاً، وأن فيه حرف (ياء) غير مريح يوحي بالصراخ عندما يتم مطه أكثر من اللازم .. لقد نجحت (نهلة) في جعله لا يطيق اسمه .. في الأيام التالية توالت صرخاتها حتى انتهى جهازه العصبي تماماً .. ـ«سمييييييييييييييييييييييير»! أحياناً كانت تتذكر تحذيره فتصرخ صرختها المرعبة، فإذا هرع لينقذها وجدها وقد احمرّ وجهها تقول في خجل: ـ«آسفة.. لا شيء .. آسفة»! دعك طبعاً من صراخها أثناء نومه، فإذا صحا مذعوراً قالت له إنه نسي أن يغلق باب الشقة وعليه أن يذهب ليغلقه.. صار يمشي مترنحاً وذقنه غير حليقة وقد احمرّت عيناه.. هذا شأن من يقضي حياته متوتراً كذيل قط.. في النهاية بدأ يعاني اضطراباً مخيفاً في ضربات القلب، واضطر لإجراء تخطيط .. قال له الطبيب إنه يعيش حياة متوترة أكثر من اللازم وعليه أن يهدأ قليلاً.. عندما خرج من عيادة الطبيب قال لها إن حياته تقترب من نهايتها، وقد دمرت جهازه العصبي تماماً، فإذا أرادت أن يبقى حياً بضعة أشهر أخرى فعليها أن تتعلم أن تكون هادئة.. هزت رأسها ووعدت أن تكون أهدأ. نفذت الأمر حرفياً عندما تلقت تلك المكالمة الهاتفية، ثم وضعت السماعة وجلست معه لربع ساعة. ثم بهدوء قالت: ـ»لقد اتصلت أختك.. إن زوجها في غيبوبة ولا يرد»! انتفض سمير، وهرع يلبس ثيابه وخلال ثلاث دقائق كان قد غادر البيت. لما عاد منهكاً في نهاية اليوم فكر في أن يلومها ثم قرر أن هذا سيسبب لها الكثير من الخلط كما يحدث مع الأطفال. لا داعي لذلك.. المهم أنها لم تصرخ.. ظلت تشاهد التلفزيون معه عشر دقائق، ثم قالت وهي ترشف جرعة من الشاي: ـ»على فكرة.. لا أريد أن تتوتر أو تقلق.. لكن المطبخ يحترق!.. نار الموقد تمسكت بالستار وانتقلت إلى العلبة الخشبية التي نضع فيها الأطباق»..! كأن ثعباناً لدغه هب يركض نحو المطبخ ليجد مأساة كاملة.. لم يعد هناك مطبخ، بل حفرة من حفر جهنم.. فراح يصرخ في جنون: ـ»أحضري دلواً.. ماء!.. ماء بسرعة!.. المطافئ!.. اطلبي المطافئ! .. كان عليك أن تصرخي وأن تنبهيني!.. أنت مجنونة تماماً»! راحت تراقب كل هذا الجنون في دهشة.. هذا الرجل يبالغ في انفعالاته إلى حد غير معقول، والأدهى أنه يتهمها هي بالهستيريا.. لقد طلب منها ألا تصرخ حتى لا تصير أرملة، فعلام يصرخ هو؟.. وكيف يمكن فهم هؤلاء الرجال؟ د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©