الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تضارب الفتاوى دلالة على هوى المستفتي والمفتي

تضارب الفتاوى دلالة على هوى المستفتي والمفتي
19 سبتمبر 2013 20:41
حسام محمد (القاهرة) - مع تعدد وسائل الإعلام زادت البرامج، التي تقدم الفتاوى الدينية وكثيراً ما يشاهد المسلم أحد العلماء والدعاة يفتي في مسألة تشغل باله برأي، ويفاجأ في برنامج آخر بمن يفتي برأي معاكس، ليقع في بلبلة، وتطرح قضية تضارب الرأي الفقهي في المسألة الواحدة سؤالاً مهماً وهو ماذا يفعل المسلم البسيط عندما يعرض له العلماء الرأي ونقيضه في المسألة الفقهية الواحدة؟ ومتى يستفتي المسلم قلبه. بيان الحكم حول الأصل في الفتوى يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وأستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إنها بيان حكم الشرع في قضية ومسألة معينة وصاحب الحكم والشرع هو الله تعالى لأن الفتوى إما تكون ببيان نص محكوم بشأن ما وإما تكون لبيان حكم في مجال غير ظاهر، وهو ما نطلق عليه التفسير، وكلا الأمرين يراد من خلالهما إظهار حكم الله عز وجل، فالفتوى هي حكم الله ولا يمكن لأحكام الله أن تختلف أو تتعارض، وكل ما يحدث هو من قبيل ظن كل من يتصدى للفتوى، بأن ما يقوله هو الصحيح، فالحكم في المسألة واحد بالنسبة لله تعالى، ولكن الاختلاف يحدث من قبل المجتهدين، ولو نظرنا إلى الأمور القطعية سواء في مجال العقائد، أو السمعيات، أو الأخلاقيات، فإن الخلاف غير موجود وإن وجد لا يظهر إلا على استحياء شديد، فالخلاف لا يأتي إلا في القضايا الحياتية فحسب، وعلى المسلم عندما يتعرض لموقف تختلف فيه آراء العلماء حول مشكلة حياتية أن يأخذ بما يطمئن إليه قلبه ومن يطمئن إلى سعة علمه ومتانة دينه ووسطيته واعتداله. وحول كيف يتصرف المسلم مع الفتاوى المتضاربة يقول الدكتور واصل: هذه ظاهرة تحدث قدراً كبيراً من التشويش في أذهان الناس، ولكن على المسلم أن يتبع من يثق بدينه وعلمه وإذا اختلف أهل العلم في مسألة من المسائل وجب على المسلم أن يتبع ما يظنه أقرب للحق. زلات العلماء وتقول الدكتورة آمنة نصير العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر: أجمع أهل العلم على تحريم التقاط الرخص المترتبة على زلات العلماء، فلو أخذ المسلم برخصة كل عالم لاجتمع الشر كله داخل قلب هذا المسلم، ويجب أن يعلم كل مسلم أنه لا يوجد أحد معصوم من الخطأ حتى العلماء، ولهذا فمن واجب المسلم حتى لو كان من العوام اجتناب زلات العلماء، وعدم الاقتداء بهم فيها، وقد حذرنا السلف الصالح من زلة العالم، حيث قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق، وأئمة مضلون، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: أحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة ضلالة على لسان الحكيم ومن هذا المنطلق فإنه إذا اختلف العلماء في الحكم الشرعي في مسألة شرعية فعلى المستفتي أن يجتهد في معرفة الحق بالنظر في أدلة كلا الفريقين، فيعمل بما ترجح له هذا فيما لو كان المستفتي طالب عالم له القدرة على الترجيح، أما إن لم يتمكن من الترجيح نظراً لعدم تخصصه في العلم الشرعي فالواجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم والأوثق عنده وليس له أن يتخير من الأقوال ما يشاء، وعلى المسلم البسيط أن يكثر من قراءة القرآن وتدبر آياته والسنة النبوية الشريفة، حتى تكون لديه ثقافة إسلامية تمكنه من رد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة. أدعياء الفتوى ويقول الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة: إن الواقع يؤكد حاجتنا للضرب بيد من حديد على أدعياء الفتوى الموجودين على الفضائيات، فالتضارب قد يكون حميداً في بعض الأمور الفرعية التي لم يحسمها الفقهاء القدامى، عملاً بمقولتهم الشهيرة اختلاف الفقهاء رحمة، ولكن المشكلة في أن معظم من يتصدون للإفتاء اليوم غير مؤهلين لذلك لأنه قد ثبت بالتجربة أن نظامنا التعليمي غير قادر على صناعة مجتهد أو مفت، وكل الموجودين على الساحة اليوم حصلوا على المعلومات التي يقدمونها للمشاهدين عن طريق قراءاتهم الشخصية، ولهذا فعلى المؤسسات التعليمية الإسلامية إعادة النظر من جديد في مناهجها حتى تقدم علماء ومجتهدين في شتى المجالات خاصة الشرعية منها. ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة بجامعة حلوان: إن الإسلام حدد أنه إذا اختلفت أقوال العلماء فالمسلم ليس مخيراً بينها أيها شاء يختار بل عليه العمل بنوع من الترجيح من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، حيث يقول الفقهاء في هذه الحالة: «لا يتخير لأن في التخير إسقاط التكليف ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين من دون النظر في الترجيح إجماعاً. استفتاء القلب وحول متى يستفتي المسلم قلبه وهل يباح له استفتاء القلب دوماً يقول: تباينت مواقف العلماء من الحديث الشريف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم «استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس» ولا خلاف في أن الحديث ثابت وصحيح، ولكن العمل به ليس مباحاً في كل زمن وحين، ومع كل فتوى حيث يشترط لهذا أن يكون قلب المسلم سليماً، فلا يعني استفتاء أن يأخذ المستفتي الفتوى التي تلقى قبولاً وهوى في نفسه ورغباتها، لأن القلب المشحون بالهوى سيكون مصروفاً فعلاً عن الحق فكيف له أن يُستفتى، لهذا فإن كل قلب مريض بشبهة أو شهوة لا يحق له استفتاء قلبه بحال من الأحوال. وأضاف: هكذا فإن أول شرط كي يستفتي المسلم قلبه أن يكون القلب سليماً من الآفات، حيث يقول الإمام الغزالي في هذا «استفتاء القلب إنما هو حيث أباح الشيء أما حيث حرم، فيجب الامتناع ثم لا يعوَّل على كل قلب، فرب موسوس ينفي كل شيء ورب متساهل نظر إلى كل شيء، فلا اعتبار بهذين القلبين وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق المراقب لدقائق الأحوال. وتابع: الشرط الثاني كي يستفتي المسلم قلبه هو أن يتأكد لديه أن المفتي الذي لجأ إليه يفتقد الشروط المؤهلة للفتوى، وأنه لم يتبع أحكام القرآن والسنة أما إذا كان العالم الذي لجأ إليه المستفتي موثوقاً بعلمه الشرعي ورجاحة عقله، فعلى المستفتي الأخذ برأيه حتى إن لم ينشرح لهذا الرأي صدرُه، طالما أن المفتي رد الأمر للقرآن والسنة النبوية بل ينبغي عليه أنْ يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا، أما ما ليس فيه نصٌّ من الله ورسوله ولا عمَّن يقتدي بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئنِّ قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيءٌ، وحكَّ في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد مَنْ يُفتي فيه بالرُّخصة إلاَّ من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يُوثَقُ بعلمه وبدينه، بل هو معروفٌ باتباع الهوى، فهنا يرجعُ المؤمن إلى ما حكَّ في صدره، وإنْ أفتاه هؤلاء المفتون». ولفت إلى أنه في كل الأحوال يجب على المسلم أن يكون مخلِصاً صادقاً في السؤال، ويجب عليه أن يطرح سؤاله في قالب محايد لا يوجه المفتي لقول دون آخر، وعليه ألا يطرح الأمر بصورة مشوهة، بل يتجرد في الإخبار والصورة حتى يظهر له الحق بإذن الله، فإن الفتوى متى وقعت على صورتها في الواقع فهي فتوى صحيحة، وإلا كانت فتوى باطلة لا يعذر المستفتي بالعمل بها، ولنا أن نعرف أن معظم ما نطلق عليه خلافاً بين العلماء والمفتين هو في حقيقته عائد إلى اختلاف أسئلة المستفتين وما يرغبون فيه من إجابات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©