الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سفاحة الجنس الناعم

سفاحة الجنس الناعم
19 سبتمبر 2013 20:38
تأخرت المرأة العجوز في العودة إلى المنزل، حتى اقتربت الشمس من المغيب، ليس من عادتها أن تبقى في الخارج كثيراً، فقد خرجت إلى السوق لشراء بعض الاحتياجات كما تفعل مرتين أو ثلاث في الأسبوع، لا تستغرق أكثر من ساعتين وتعود أدراجها، بينما اليوم مر أكثر من سبع ساعات ولم تعد، لابد أن في الأمر شيئاً. صحيح أنها تخطت الخامسة والسبعين من عمرها لكنها لا تعاني أي أمراض تجعلها تفقد الوعي أو تضل الطريق، خاصة أن المسافة إلى السوق ليست بعيدة، فهي لا تزيد على كيلو متر واحد، وهي نحيفة الجسد تحمل حاجياتها على رأسها بنفسها بعد شراء الخضروات والفواكه وتعود. خرج أبناؤها الثلاثة وزوجاتهم وأحفادها وكثيرون من الجيران يبحثون عنها، استفسروا من الباعة وأصحاب المحلات والذين يعرفون المرأة من قبل، فالمنطقة ريفية تحضرت حديثاً واتسعت رقعتها وأخذت شكل المدينة في السنوات الأخيرة وازداد عدد السكان بشكل كبير، واصبح كثيرون لا يعرفون بعضهم، خاصة الشباب، وعلاوة على ذلك جاء إلى هنا بعض الموظفين الغرباء والمستأجرين، فأصبح الناس يتعاملون بطريقة أهل المدن، كل منهم في عزلة حتى عن جيرانه، إلا القليل من بعض العائلات الكبرى التي تسكن متجاورة في مربع واحد، ولها أراضٍ زراعية ومساكن ومحال تجارية، لذا كانت عملية البحث عنها تشوبها الصعوبة، حيث إن الذين يعرفونها قلة، وبعضهم يعرفها بالشبه لأنها تمر كثيرا، ولم تأت الاستفسارات بجديد مفيد. كل الذين شاهدوها لم يزيدوا في معلوماتهم على أنها كانت في الصباح تحمل حقيبة تضع فيها مشترياتها، وقد كانت في طريقها إلى السوق الذي يقع في نهاية الشارع بعد أن تأخذ منحنيات عدة وتسلك أكثر من شارع جانبي، بعضهم بادلها تحية الصباح وليس أكثر من ذلك، كانت وحدها بينما في بعض الأيام كانت تصطحب جاراتها معها فكن يذهبن ثلاثاً أو أربع من مثيلاتها وجاراتها، لكن لم يرها أحد أثناء عودتها، على الرغم من أن بعض الباعة أكدوا أنها حضرت بالفعل في الصباح واشترت احتياجاتها وكانت عادية وطبيعية، بل إن هناك من رآها تخرج من السوق حاملة الحقيبة على رأسها، والسؤال هنا أين ذهبت؟ كل الجهود باءت بالفشل، فتم اللجوء إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بتغيب المرأة، وهو في البداية يكون إجراء روتينياً إلى أن تظهر المختفية أو تستبين الصورة أو تكون هناك مؤشرات أخرى حول التغيب، ثم بعدها يبدأ البحث الجنائي في أداء دوره، ولم يتوقف الأهل والأبناء جميعا عن البحث بأنفسهم ولم يتوصلوا إلى جديد يذكر، وهنا يجب التركيز حول سبب الاختفاء، هل توجد للمرأة عداوات مع احد؟، الإجابة بالنفي، هل يمكن أن يصل التفكير إلى سلوك المرأة أو تعرضها لأي اعتداء؟، من المؤكد تماماً الإجابة بالنفي أيضا لأنها عجوز أكل عليها الدهر وشرب، وليس فيها أي نوع من الأنوثة، بل لم يبق منها أي شيء يدل على أنها امراة إلا ملابسها السوداء، وانتهت الافتراضات كلها ولم يعد هناك سبب واحد يمكن التفكير في أن يكون وراء اختفائها، حتى لو أنها تعرضت لحادث لتم العثور عليها لأنه سيتم نقلها إلى المستشفى المجاور لبيتها، ولم يتلق قسم الشرطة اليوم أي بلاغات بوجود حوادث تصادم أو دهس ولا العثور على أي جثة في أي مكان، فازداد الأمر تعقيدا وغموضا. هل انشقت الأرض وابتلعتها؟ تساؤل آخر جاء على لسان ابنها الأكبر، لكنه أيضا بلا إجابة، مثل كل الأسئلة لا تجد من يجيب عنها لأنه لا احد يعرف الحقيقة الغائبة، صحيح هنا توجد حوادث قتل وثأر، لكن هذا بين عائلات معروفة كبيرة بينما هي تنتمي إلى عائلة صغيرة فقيرة ليس لها عداوة مع احد، لا تهتم إلا بلقمة العيش، حتى أن الكثيرين من الأغنياء والكبار في القرية تضامنوا معها ومع أسرتها وشاركوا في البحث عنها وان كانوا لا تربطهم بهم علاقة مصاهرة ولا نسب، ولكنها حقوق الجيرة ولو عن بعد، وكل من سمع عن الواقعة تضامن معها ومعهم. المشهد جنائزي بالفعل حتى لو لم يقل أحد إن المرأة ماتت أو تعرضت لمكروه لكن الشواهد لا تخرج عن ذلك، بعض الحضور تذكروا ما حدث قبل أربعة اشهر عندما اختفت الطفلة هاجر ابنة الخامسة، وعاش الناس هنا وضعا مشابها لذلك الذي يحدث الآن تقريبا، حيث اختفت الصغيرة وهي في طريقها لشراء الحلوى من السوبر ماركت القريب، وضرب الجميع الأكف وهم يبحثون عنها ولم يعثروا لها على أثر، وظروفها نفس ظروف السيدة المختفية، الفارق الوحيد بينهما في العمر، وما بعد ذلك تكاد تكون الصورة طبق الأصل، تجددت أحزان والديها اليوم وهما يتذكران مرة أخرى يوم اختفاء ابنتهما، وإن لم تكن غابت عن تفكيرهما لحظة، قلباهما يحترقان فلو أنها ماتت وقاما بدفنها لكان الأمر أهون، بينما هذا الغموض هو ما يزيد النار اشتعالا داخلهما ويجددها ويعيد وهجها. ليس هذا فقط بل قبلها بشهر اختفت الطفلة منار وكانت في الرابعة من عمرها، وتردد أن هناك عصابة تخطف الأطفال وتسرق أعضاءهم تقوم بالاتجار في الأعضاء البشرية، وارتبكت القرية وتم منع جميع الأطفال من اللعب في الشوارع بل منعهم من الخروج أيضا، وحتى الكبار تخوفوا وأخذوا حذرهم، وخرجت الأساطير والحكايات التي لا أصل لها، مع ذلك كانوا يصدقونها وكأنها وقعت أمام عيونهم، يتبادلونها على أنها حقائق مسلم بها، واضطربت الحياة لفترة طويلة حتى بعد أن تم العثور على جثة الفتاة ملقاة في الترعة، وبكامل جسدها لم يمسه شيء، قالوا إن الجناة تخلصوا منها لأنهم لم يتمكنوا من فعلتهم وفشلوا في الحصول على أعضائها البشرية، وقال آخرون إنهم تركوها خشية افتضاح أمرهم، واتسعت رقعة القصص الوهمية، وقال آخرون إن هناك عصابات لذبح الأطفال على الكنوز القديمة المخبأة في الصحاري والتي لا تفتح إلا بدم آدمي، وظل هذا كله يتداوله أهل المنطقة ويزيدون عليه وينقصون منه وفي الغالب يدلي كل منهم بدلوه ويضع لمساته ويضيف قصة وهمية من الخيال أو من بنات أفكاره. تذكروا حكايات أخرى من الماضي البعيد الذي لم يشهدوه هم ولا أباؤهم، وكلها تتحدث عن حكايات وجرائم ليس لها صلة بالواقع، لا دليل على وقوعها أصلاً وإنما تناقلوها وكذلك تعرضت للحذف والإضافة والإثارة والتغيير ولا يعرف حقيقتها أحد، ومع ذلك يتحاورون حولها كما لو كانت وقعت بالأمس القريب، بعضها يختلط بربطها بالحديث عن العفاريت والجن وكل ما يثير الخوف في الأنفس، حتى الذين نالوا قسطا من التعليم شاركوا في ذلك وقاموا بمجاراة الآخرين في خوضهم الخيالي حتى كادت تطغى على الحدث الأساسي وهو اختفاء المرأة العجوز. بعد أن عجز الأهل والأقارب عن التوصل إلى أي معلومات تشير إلى مصير الحاجة حياة كما كانوا ينادونها على الرغم من أنها لم تؤد فريضة الحج ولكن تكريما لها ولكبر سنها، تحركت أجهزة الشرطة بوسائلها وأدواتها وعتادها، وفي البداية عثرت على العجوز جثة هامدة داخل جوال في الترعة التي تقع خارج القرية، يبدو من الخبرة أنها ماتت خنقا، ولاحظ ابنها الأكبر أن قرطها الذهبي غير موجود، وهذا يشير إلى أن الحادث وقع بسبب السرقة، وقبل أن يتم دفن الجثة كان الوقوف على أول خيط، وتم تتبعه حتى اكتشف رجال الشرطة إن امرأة قامت ببيعه لجواهرجي في المدينة المجاورة، وتم التوصل إليها والقبض عليها، والمفاجأة أنها اعترفت بالتفاصيل كافة بعد أول سؤال عن اسمها، وأنها وراء مقتل العجوز والطفلتين، هي وشقيقتها وأبناؤهما الشباب. قالت المتهمة فريال إنها وأختها إيمان كانتا تسيران في الشارع مهمومتين تعانيان من ضائقة مالية، ووجدتا في طريقهما الطفلة منار وفي أذنها قرط ذهبي فاستدرجتاها إلى المنزل بحجة شراء الحلوى، وهناك على طريقة المجرمتين ريا وسكينة تم خنقها بقطعة قماش مبللة بالماء، وقامتا ببيع القرط الذي كان سببا في حل أزمتهما المالية، وقام أبناؤهما الأربعة بالتخلص من الجثة وإلقائها في الترعة، وبعد شهر تكررت الأزمة المالية فتم التربص بالطفلة هاجر واستدراجها بالطريقة نفسها وخنقها والتخلص من جثتها. ولأنه لم يتم اكتشاف الجريمتين، قررت العصابة التي تقودها فريال الاستمرار في هذا الطريق لتكون سفاحة تتخصص في قتل الجنس الناعم فقط، لأنه الأضعف وأنها وعصابتها يستطيعون استدراجهن بسهولة والسيطرة عليهن، والتخلص منهن، ولكن بعدما شاعت قصص الخرافات والحديث عن عصابات خطف الأطفال وحرص الأهالي على أبنائهم قررت تغيير الوسيلة واستدراج تلك المراة العجوز، حيث كان اللقاء بينهما في الطريق أثناء عودتها من السوق تحمل الحقيبة التي كانت تبدو ثقيلة عليها وهي في هذه السن المتقدمة، فاقتربت منها وألقت عليها التحية وعرضت عليها المساعدة وحملت عنها الحقيبة واستدرجتها أيضا لتستريح عندها في بيتها قليلا بعد إلحاح منها وكانت نهايتها مثل الطفلتين. وسقط بقية أفراد العصابة الخمسة، وتم حبسهم، وطالبت النيابة بإعدامهم، وما زالوا ينتظرون المحاكمة. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©