السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عندما تتصادم العوالم» .. محاولة بحثية جريئة تفند لادعاءات ضد الإسلام

«عندما تتصادم العوالم» .. محاولة بحثية جريئة تفند لادعاءات ضد الإسلام
18 ديسمبر 2010 19:53
هل للإرهاب دين بعينه؟ وإذا كان الأمر كذلك، من هو الإرهابي على وجه الدقة؟وهل ينطبق المصطلح بشكل حصري على فئة دينية بعينها دون أخرى؟ حول تلك الأسئلة وغيرها الكثير يسعى د. جين هيك عبر مؤلفه “عندما تتصادم العوالم” إلى الإجابة عنها وتحليل السبل التي أدت إلى إلصاق تهمة الإرهابي بهذا الطرف أو ذاك، معرجاً على السياقات التاريخية للديانات السماوية الثلاث وعلاقتها بالعنف، سواء تشجيعاً أو تحجيماً. يركز د. جين هيك في مؤلفه “عندما تتصادم العوالم” البحث على منطقة الشرق الأوسط تحديداً، كونه أحد كبار الخبراء الاقتصاديين العاملين في هذه المنطقة لسنوات طوال، الأمر الذي مكنه من تعلم اللغة العربية، وهو الشيء الذي جعله يفهم الكثير من أبجديات العلاقة المتشابكة بين الشرق والغرب كونه جمع بين انتمائه الغربي من ناحية، ومعرفته بالكثير من توجهات وأفكار الشرق الأوسط وملامستها عن قرب من جهة أخرى. مصادر الإرهاب يعمد هيك إلى إجراء دراسة مركزة حول الأسس الأيديولوجية والسياسية للإرهاب في الشرق الأوسط الحديث. ويبحث عن مصادره الأولية؟ ومن أو ما الذي ساعده وشجعه؟ ما هو علاجه النهائي؟ ويخلص من وراء بحثه إلى معالجة عدد من النتائج الرئيسية من أهمها: 1 - ان الشريعة الإسلامية كما هي في القرآن الكريم منقطعة الصلة تماماً مع الإرهاب . 2 - إن ميثاق الشرف الإسلامي الخاص بالحرب والسلام، كما يحدده القرآن والسُنة النبوية - قوانين الدولة الإسلامية التقليدية في القرن السابع - في حال تطبيقه فعلياً باعتباره مخططاً تخطيطاً فقهياً، يكون متوافقاً تماماً مع مبادئ اتفاقيات لاهاي وجنيف. 3 - وهكذا فإنه بالرغم من أن الأدبيات الفقهية الإسلامية التقليدية غالباً ما يُستشهد بها باعتبارها أحد المصادر، إلا أنه لا يمكن اعتبار الآيات القرآنية مشجعاً على الإرهاب الحديث ما يزيد على إلقاء اللوم على آيات العهد القديم فيما يتعلق بالحملات الصليبية. بل إن هذه الغارة على خيال المنطق بمثابة تسمية جزافية بحكم الواقع يطلقونها الآن على هؤلاء المؤمنين بالمعتقدات الدينية الأصولية على جانبي الحاجز الأيديولوجي باعتبارهم “إرهابيين نشطين”. 4 - على العكس من ذلك، ولكون حقائق الحياة اقتصادية إلى حد كبير، فإن هناك بدلاً من ذلك صلة مباشرة بين مستويات الشرق الأوسط الخاصة بدخل الفرد ونشوء المفارخ السياسية القادرة على توليد خلايا الإرهاب المستشرية. وتعد السودان والجزائر ومصر واليمن وأفغانستان وباكستان كشمير، ومناطق أقل ثراء من المملكة العربية السعودية، بمثابة نماذج من الطراز الأول. 5 - إن ما تُسمى بالحركة الوهابية كثيراً ما يُساء إليها بغير حق بسبب آراء وتعاليم مزعومة لا تنسجم مع التعاليم الفعلية لمؤسس الحركة التي ظهرت في القرن الثامن عشر محمد بن عبد الوهاب الذي دعا إلى الجهاد بالوسائل السلمية وليس العسكرية. 6 - إن جزءاً كبيراً من البنية الأساسية الخاصة بإرهاب الشرق الأوسط ومن بواعثه، من ناحية أخرى، هو في الواقع من صياغة عملاء الاستخبارات الغربية الإقليميين الساعين إلى توظيف عناصر “الإسلام السياسي” المتشدد كثقل موازن للأعداء المتصورين لمصالحهم ومخطاتهم السياسية والاقتصادية. ثانياً: كيفية علاج إرهاب الشرق الأوسط الحديث؟ يضع هيك تصوراً لهذا العلاج ولتحقيق تلك الغايات، تبعاً لما يراه، من الضروري إدراك أنه: - لا يفلح الترويج لفكرة الديمقراطية الأنجلو أميركية باعتبارها أداة مضادة للإرهاب - وهي الفكرة المهيمنة المرشدة لوكالات الاستخبارات الغربية في مكائدها في الشرق الأوسط الإسلامي خلال العقود السبعة الماضية - في واقع الأمر، بل إنه قاعدة عامة معيبة على نحو قاتل داخل منطقة ملتزمة فقهياً بتأسيس الدولة الثيوقراطية الإسلامية بينما تطمح في الوقت ذاته إلى خلق دولة خلافة مركزية. وهكذا فإنه بالرغم من إجراء العديد من بلدان الشرق الأوسط في الوقت الراهن تعديلات عملية لملاءمة الطموحات الديمقراطية مع شروط الحكم الحديث، ظلت الأيديولوجيا الدينية التقليدية الأساسية المحركة على ما هي عليه، حيث تبحث عن مسار في “الشارع السياسي” الإسلامي الحالي. - بحساب المكسب والخسارة الاقتصادي، إذا كان هناك حل غربي للمشكلات والتحديات العديدة التي تتم مواجهتها في الشرق الأوسط، لابد أن يشمل هذا الحل الحد من التفاوتات الاقتصادية والتصورات الخاصة بالحرمان الاقتصادي التي تعطي الدين داخل المنطقة صداه المتحمس الخاص بالعودة إلى الأصول. ولتحقيق تلك الغايات، قد يثبت أن الإعلان عن برامج التنمية الاقتصادية البناءة، التي تضمن توزيعات أكبر للثروة على المواطنين المحرومين اقتصادياً في أنحاء العالم الإسلامي، علاجاً لما هو قائم حالياً من تمرد وقلاقل سياسية أكثر فاعلية من بناء العديد من مراكز مناهضة الإرهاب سعياً وراء العلاج النهائي. مفهوم الجهاد ينتقل هيك إلى تفعيل مفهوم الجهاد في السياق التاريخي لدى المسلمين، موضحاً أنه من الناحية التاريخية، كان المجال الفكري للإسلام مختلفاً اختلافاً كبيراً، إذ كان جريئاً في سعيه للتعلم ومنفتحاً على نحو واضح للأفكار الجديدة. والواقع أنه بسبب قدرته الضخمة على استيعاب المعرفة في بداية العصور الوسطى قد أصبح القوة العظمى العسكرية والتجارية في عصره بلا منازع - حيث كان نبعاً عالمياً للتعلم وكان متحمساً دوماً في سعيه من أجل المزيد. إلا أنه في بداية عصر النهضة الغربي وأوائل العصر الحديث، غربت الشمس بشكل يدعو للاستغراب عن تألق الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى في عز الظهيرة - بينما كان ينبغي أن تكون في أوجها - ولم تسترد عافيتها منذ ذلك الحين. ومن المؤكد بالطبع أن ميراث التاريخ المتداخل والمعقد مهم للعلاقة بين العالم الإسلامي ونظيره في الغرب. ولكن من منظور السياسة العامة المهيمنة، فإن الأمر يحتمل تكرار أن فهم العالم الإسلامي يجب ألا يبدأ بكيفية ارتباط الدين بالثقافات الأخرى وإنما بمعرفة كيفية ارتباطه بنفسه. إذن فمن المهم لكي نفهم الإسلام فهماً تاماً أن ندرك أنه ليس هناك أميركا واحدة أو أوروبا واحدة اليوم، وكذلك ليس هناك كيان ضخم متماسك أو ثقافة ضخمة متماسكة اسمها “الإسلام”. بل إن العالم الإسلامي على أقل تقدير تعددي كالغرب - فهو يمتد إلى كل آسيا وأفريقيا وجزء كبير من أوروبا، ويمتد لمسافة كبيرة إلى ما وراء مجال شبه الجزيرة العربية، وتلك هي الرؤية التي يستدعيها حالياً كثيرون يتأملون المدى الخطي لتصور العقيدة. ويلفت الكاتب إلى حقيقة أخرى مهمة وهي أنه رغم حماس الدولة الإسلامية المبكرة للحرب العادلة، إلا أنها كانت مشبعة كذلك بدين يتميز في الوقت ذاته بالتسامح مع الثقافات الأخرى وتقديرها، واتساع مدى سعيها للتعلم منها. ويشير الكاتب إلــى الآية الكريمة التي تحث المسلمين على السعي للتعلم: (اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم). (سورة العلق، الآية 5) وقد شجع القرآن المسلمين بوضوح في سعيهم لتحقيق هذا الهدف على البحث عن التعلم حيثما أمكن الحصول عليه. بل إن حديثاً للنبي “محمد صلى الله عليه وسلم” يحثهم على الذهاب حتى الصين طلباً للعلم. وقد طلبوا العلم - حيث بلغوا أعلى المستويات التي تحققت في التاريخ الإنساني. ثم يبين هيك الأسس الفقهية لميثاق الشرف الإسلامي الخاص بالحرب الإسلامي، الذي كان منذ بدايته في الوقت ذاته صيغة للسلام انتشرت بنجاح ساحق. بل إنه في وقت مبكر، ركز المفسرون المسلمون في العصور الوسطى بوضوح على دور الحرب كوسيلة انتقال على الطريق الى السلام. ومن بين هؤلاء المفسرين، اقتبس المستشرق الراحل بجامعة ميشيجان جورج سكانلون أكثر من أربعين نصاً فقهياً عربياً قديماً عن عدالة الحرب، كُتبت بين القرنين الثامن والخامس عشر، عند التقديم لطبعته من “كتاب عمر الأنصاري (تفريج الكروب في تدبير الحروب)”. ويقدم “كتاب قانون الأمم” لمحمد الشيباني في القرن الثامن كذلك تفاصيل عن قانونية الدخول في الحرب وأنماطها وقواعدها، ومبررات الحرب العادلة في سياق الفتوح الإسلامية المبكرة. وتوضح التركيبة المفاهيمية لتلك الكتب الكلاسيكية أن قواعد الحرب الإسلامية ليست عصية على الفهم أو سرية. بل إن شرائعها الخاصة بالسعي الشامل لتحقيق السلام والذرائع المشروعة للحرب وأنواع القتال المسموح بها والسلوك الشخصي في سعي الحرب متشابهة تشابهاً مذهلاً مع مبادئ توماس الأكويني الخاصة بالحرب العادلة. كما أنها شديدة التشابه مع مبادئ قانون الحرب الأساسية كما قننته معاهدات لاهاي في بداية القرن العشرين ومعاهدة جنيف في 1949. حقائق مثيرة في فصل بعنوان “كيف خلق الجهاد الغربي القاعدة”، يتناول هيك تنظيم “القاعدة” باعتباره أحد أهم الجهات التي ارتبط اسمها بالإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، يتناول تاريخ نشأتها والعوامل التاريخية التي أدت إلى ظهورها وتبلورها بالشكل المعروف عنها في أدبيات الإعلام والسياسة العالمية الآن. وفي هذا السياق، يكشف المؤلف عن حقائق مثيرة ربما قد لا يعرفها الكثيرون ومنها أنه عندما حققت الولايات المتحدة هدفها بانسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في عام 1989 فقدت الولايات المتحدة اهتمامها بسرعة وسحبت مواردها المادية والمالية الخاصة بخطوط الجبهة من أفغانستان، بل إنها حاولت إعادة شراء صواريخ من أفغانستان مقابل 400 ألف دولار لكل صاروخ منها. وأصبحت السلطات الباكستانية بدورها أكثر نشاطاً في تتبع الأفغان العرب الذين ساعدتهم في ثمانينيات القرن العشرين. وكان القبض على منفذ تفجيرات مركز التجارة العالمي في عام 1993 رمزي أحمد يوسف وترحيله إلى الولايات المتحدة فيما بعد مثالاً لذلك. قوات الأمن كان تشديد قوات الأمن الباكستانية القيود على الأفغان العرب بتشجيع - من واشنطن ولندن والقاهرة وغيرها من الحكومات - سبباً أساسياً في الواقع لاختيار العديد منهم مغادرة أفغانستان، حيث انتقلوا إلى السودان واليمن والشيشان والبوسنة وطاجكيستان وكشمير وجاكرتا والرياض - ولندن وباريس وبرلين ومدريد ونيويورك - لمواصلة أعمالهم هناك. وفي الوقت نفسه بدأت الاستخبارات السعودية تشديد الإجراءات في الداخل لقمع الأنشطة التخريبية السرية الخاصة بالفلول الجهادية العائدة إلى أوطانها. وبالرغم من ذلك، واصلت الدعم الأميركي والسعودي السري في التدفق حتى عام 1992 حيث كان بُعداً غريباً آخر لوضع الحكومتين الأميركية والسوفييتية المستمر لـ “تماثل الردع المتبادل” - وهي مقاربة لا غالب فيها ولا مغلوب تفترض أن “ما هو أي خير لواشنطن شر لموسكو والعكس صحيح”. ويذهب المؤلف إلى استعراض وجهتي النظر التي سادت والمتعلقة بإصلاح الأوضاع في الشرق الأوسط، والمرتبطة بشكل مباشر باختلاف رؤى المشرقيين عن تلك الاتجاهات الوافدة عليهم والمتمثلة في (الديمقراطية الغربية، والرأسمالية الشرقية)، وما نجم عن انعكاسات على ما يعرف بصدام العوالم”. الديمقراطية الغربية المؤلف يتطرق إلى واحد من أكثر مشاهد العبث السياسي، إشارة للاستفراد في العصر الحديث، ألا وهو الوضع في العراق، فيقول: هل هذا عبث؟ هو كذلك بالفعل! ولكن هل هو أكثر عبثية من المبادرات الحالية التي تهدف إلى بناء دولة في الشرق الأوسط؟ هل هو أكثر غباء من محاولة استخدام آلة لحام الديمقراطية للحم الطوائف المتحاربة تاريخياً من السُنة والشيعة والأكراد - الذين تم جمعهم معاً لأول مرة في مزيج “عراقي” مصطنع صاغته اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 حيث أضفت عليها القداسة حِيَلُ البريطانية جيرترود بيل التي لا يمكن كبحها في عام 1920 - في صورة ائتلاف فيدرالي مرقع يشتركون داخله في الحكم، بينما تنعدم الرغبة أو النية الواضحة لديهم في عمل ذلك، كما يبين التغير الجلي الحالي في الرأي العام الخاص بالمذبحة المأساوية الحارية. وهذا مطمح نبيل بالتأكيد - ولكنه مطمح يتجاهل كذلك الواقع العقائدي والتاريخي الخاص بالزمن الحقيقي والقائم على الأرض، على النحو الذي ينتهي إليه “تقويم الأمن القومي” المقدم من مجلس الاستخبارات القومية في يناير 2007: “حتى في حال اختفاء العنف، فإنه في ظل وضع حصول الفائز على كل شيء والعداوات الطائفية الذي يفسد المشهد السياسي، فسوف يتم الضغط بشدة على القيادات العراقية كي تحقق المصالحة السياسية المستدامة في الإطار الزمني (18 شهراً) الخاص بهذا التقيم”. وعبر باقي الدراسة التفصيلية التي ضمتها دفتي الكتاب يحاول المؤلف ترسيخ أولى الخطوات النقدية الهادفة إلى إيجاد مصالحة شرقية غربية ضمن اتصال طويل المدى حطمته بطريقة مأساوية أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بحيث يمكن للتفاهم الثنائي المحسّن وحده أن يعيد العلاقة التاريخية، إذا كان لابد للوفاق أن يسود.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©