الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بايرون جينيس: العزف على البيانو يحفز الإبداع ويوسع ملكات الخيال

بايرون جينيس: العزف على البيانو يحفز الإبداع ويوسع ملكات الخيال
18 ديسمبر 2010 19:50
نسمع الكثير عن عزف البيانو، لكن الكثير منا لا يعلمون شيئاً عن تعليمه وطرق تدريسه. وخلال تدرجي من طالب إلى عازف ثم إلى مُدرس بيانو، اكتشفت أنه ليس هناك طريقة صحيحة لتعليم البيانو وأخرى خاطئة. بل إن هناك قاعدة أصلية واحدة لا بد أن تكون شعاراً ومذهباً لكل مُدرس بيانو، وهي السماح لجميع المتعلمين بإطلاق العنان لإبداعاتهم في العزف دون تقييدهم بالتزام نوتات أو إلزامهم باتباع نفس طريقة عزف المُدرس. العازف الأميركي بايرون جينيس يحكي في هذه السطور قصته مع البيانو كنتُ أقطن في مدينة بيتسبورج وتلقيت أول دروسي في البيانو عندما كنت في الرابعة من عمري على يد العازف إبراهام ليتو الذي درس الموسيقى في معهد موسيقي عريق في لينيجراد. أول شيء علمنيه كان الدرجات، ثم دربني على كيفية التحكم بثبات ورشاقة في الآن ذاته على حركة أصابع يدي أثناء العزف. كان يضربني على يدي كُلما ارتكبت أخطاءً أو انحرفت عن اتباع تعاليمه الصارمة. وعندما عاتبَتْه أمي أجابها قائلاً “إنه يستفيد من الطريقة الحصرية الفعالة التي تعلمت بها أنا شخصياً في روسيا”. أقنَع أمي بكلامه فلم تعترض على طريقته بعد ذلك. وخفف هو بدوره من شدة عقابه لي عند إخفاقي في عزف النوتات كما ينبغي. مدرستان مختلفتان ذات يوم، وفي سن السابعة، قال ليتو لأمي “لم يبق لي ما أقدمه ابنك! لقد لقنته كل شيء”. أصابتني الدهشة عندما أخبرتني أمي بالنبأ السار. وتساءلت مع نفسي “هل هذا كل شيء؟ ولم تنته فرحتي عند هذا الحد، بل اكتملت بما قام به لاحقاً وجعلني أشعر بالامتنان له ما حييت بعد ثلاث سنوات من الاستياء من شدته وصرامته معي”. اتصل ليتو بعازف البيانو العظيم “جوزيف ليفين وزوجته روزينا ذات الباع الطويل أيضاً في تدريس العزف على البيانو في نيويورك على الرغم من أنه لم يكن قد التقى بهما قط. فوافقا على الاستماع إلى معزوفاتي! عزفت أول مقطع من معزوفة بيتهوفن الشهيرة وعمري لم يتجاوز سبع سنين، فراقه عزفي وقبلاني تلميذاً لديهما، في الوقت الذي لم يكن فيه أي طالب بسني له الحق بحضور دروس عازفين كبار من قامة ووزن ليفينين. وكان ليفينين يُعلق أحياناً على معزوفاتي بمجرد انتهائي منها بتصويب أو تعديل، وكان يسوق أدلةً وحُججاً علمتني واحداً من أهم الدروس في حياتي، وهو أن “حتى كبار الفنانين وعُظماؤهم يختلفون مع بعض”. فبعد أن درجت على استخدام طريقة واحدة أحادية في كل معزوفة امتثالاً لتعاليم ليتو، ها هو ليفينين يلقن غير ذلك ويقول إن هناك أكثر من طريقة لعزف المقطوعة الموسيقية ذاتها. سماعي لرأي وتوجيه كهذا جعلني أطير من الفرحة وأشعر بتحرر طالما شعرت بأنه قيدني خلال السنوات الثلاث من دراستي الأولى على يد ليتو، وساعدني كثيراً في دراساتي اللاحقة على الحفاظ على هويتي الموسيقي. كان جوزيف ليفينين قد درس في معهد موسكو، ومن المؤكد أن طرقه في التدريس كانت تختلف عن الطرق المتبعة في لينيجراد. كان يصعب علي فهم لغته الإنجليزية التي كان ينطقها بلكنة غير مفهومة لم تعفه من اللجوء إلى استعمال الإشارة لشرح ما عجز لسانه عن شرحه بالإنجليزية. وفي يوم من الأيام، وبينما كنت أعزف مقطوعةً تسمى “ران ران”، أوقفني وجثا على ركبتيه ويديه وبدأ يزحف في القاعة، ففهمت أنه علي أن أعزف “ران ران” بطريقة أسرع وبروح أقوى. كلاسيكي ورومانسي في الأوقات التي كان يتركنا فيها ليفينين بسبب أسفاره المتكررة إلى جهات عديدة في العالم تلبيةً لدعوة هناك أو هنالك، كنت أستغل الفرصة لحضور حصص تلميذته وزميلته أديل ماركوس. ونظراً لأنني كنت قد تعلمت في السابق الكثير من مهارات العزف وفنونه، كانت ماركوس تُركز على تلقيني جوانب أخرى من أداء المعزوفات. كانت هي قد تعلمت على يد العازف الكبير أرثور شنابل وتشربت منه كل أفكار موسيقى بيتهوفن، وكيفية تمييز معزوفاته الكلاسيكية عن الرومانسية. وكانت أديل تقول دائماً “إن العزف لا يستقيم بدون استحضار ضرورة الأداء بقلب منشرح وروح حرة”. نصائح غالية في فبراير من سنة 1944، سمعني العازف العظيم ماركوس هوروفيتز صُدفةً وأنا أعزف إحدى المقطوعات في مدينة بيتسبورج. فراقه عزفي ودعاني لأصبح تلميذاً له، لكن كان لديه شرط وحيد وهو أن لا أعزف لأي أحد في سنتي الأولى معه. وكانت حجته هي “خلال الفترة الانتقالية التي تسبق مرحلة احتراف العازف وتحوله إلى عازف كبير، لا بد أن لا يسمع لآراء الآخرين حول عزفه حتى لا يشوشوا أفكاره وطريقة عزفه”. وبعد توالي حضوري لحصصه، راكمت العديد من المبادئ والنصائح التي لا تقدر بثمن ومن بينها: - عليك جعل البيانو يُغني ويطرب أكثر، بألوان مختلفة وتموجات متناغمة. - يمكنك أن تكون عازفاً رومانسياً عظيماً، لكنك في البداية ستبالغ. فلا تقلق، فالنقص من شيء جيد أيسر من الإضافة إليه. - عندما تقول شيئاً، فعليك أن تُركز عليه وتقوله بصوت واضح وجهوري، فأنت لا تعزف لنفسك، بل للآخرين. - إذا لم تُفلح في عزف مقطوعة ما حسب طريقة المدرس والأستاذ، فيمكنك تجريب تأديتها بطريقتك الخاصة، من صنعك وإبداعك. عظمة خاصة عندما كنت أبدي إعجابي ورغبتي في أن أصبح مثله، يقول لي “يجب أن تصبح عازفاً عظيماً مختلفاً عن أستاذك ومدرسك، وإلا فشلت في تحقيق أمنيتك، يجب أن تكون أنت نفسك، وليس صورة محاكيةً لغيرك”. تدريس عزف البيانو والموسيقى بشكل عام، إذن هي مسؤولية عظيمة، فهي تُحتم على المدرس أن يجمع بين التدريس والحنان والروح الاجتماعية والمهارات النفسية والقدرة على التعامل مع أي نوع من المشكلات التي قد يواجهها تلميذه. كما عليه أن يدفع تلاميذه وطلبته إلى الإبداع والعزف بالطريقة التي يجدون أنفسهم فيها أكثر، وليس بطريقته الخاصة، فهذه هي أنجح مناهج تدريس الموسيقى وعزف البيانو وأكثرها تفتيقاً للإبداع وتوسيعاً لملكات الخيال. عن “وول ستريت جورنال” ترجمة: هشام أحناش
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©