الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقيدة بوتين: الحرب الباردة الجديدة

18 سبتمبر 2013 23:20
بشَّرت الحرب الأهلية في سوريا ببدء حرب باردة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة. فبوتين يتحدى الآن أوباما في قلب الشرق الوسط، المنطقة التي اعتبرتها الولايات المتحدة مجال نفوذها الخاص منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ويدرك الرئيس الروسي أن أميركا في تراجع، ويعتقد أنه يتعين النظر إلى روسيا على الأقل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة والصين. فسوريا اليوم، بالنسبة لروسيا، تشبه دول حلف وارسو خلال الحرب الباردة القديمة؛ وقد ظلت سوريا دولة موالية منذ الخمسينات، والإبقاء على نظام الأسد في السلطة أصبح مصلحة أمن قومى عليا. وهو أيضاً فرصة لنثبت للعالم أن روسيا تقف إلى جانب أصدقائها، بعكس أميركا التي تخلت عن مبارك عام 2011. المقالة التي كتبها بوتين يوم الأربعاء قبل الماضي في «نيويورك تايمز» تعرض عقيدته التي تدعو بدهاء إلى حل سلمي للنزاعات وتعارض أي تدخل خارجي في الحروب الأهلية دون الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي، كما أن هذه العقيدة تقدم روسيا كأنها الملاك الحارس للقانون والنظام الدوليين، أي من منطلق «نحن لا نحمى الحكومة السورية، بل النظام الدولي». كما يُسلط بوتين الضوء على الولايات المتحدة التي أصبح «التدخل العسكري في الصراعات الداخلية للدول الأجنبية بالنسبة لها أمراً معتاداً». حقاً، إن قلب الطاولة على أميركا بصورتها الذاتية «كمدينة مشرفة على التل» يخفي خلفه فصاحة وإجراءات بوتين بشأن حرب باردة جديدة. ومع ذلك، فهذه هي روسيا التي مكنت بشار من الفتك بأكثر من مئة ألف مواطن سوري من خلال إمداد سوريا بالأسلحة الفتاكة وغيرها من المعدات العسكرية لقمع الثورة. فلولا دعم روسيا الفعال لكانت أسرة الأسد الحاكمة قد انتهت منذ فترة طويلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن إدارة أوباما أحجمت عن الإشارة بأصبع الاتهام إلى روسيا للذنب الذي اقترفته في الحرب الأهلية. ويتعين تذكير بوتين، المعتنق الجديد للقانون الدولي، أنه كان بإمكانه أن يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية من خلال تقديم المساعدة للنظام السوري. ولسوء الحظ، فإنـه عقب القتل الوحشـي لـ 1400 سوري من قبل جيش الأسد وباستخدام الغاز السام، اختار أوباما أن يركز انتباهه على جانب واحد فقط من الأزمة، ألا وهو استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية. ودون أدنى شك، فإن استخدام الغاز السام يشكل جريمة حرب بشعة يمكن أن يدفع ثمنها الأسد، لكنها أيضا حولت الانتباه عن الإبادة الجماعية الممنهجة التي جرت على مدار عامين ونصف في سوريا. الاجتماع الذي عقد في جنيف بين كيري ولافروف، يركز فقط على تسليم أسلحة سوريا الكيماوية، ويترك كافة القضايا الأخرى المحيطة بالحرب الأهلية معلقة. ويضمن هذا النهج الفوز في نهاية المطاف لدولة متحالفة مع روسيا، ألا وهى سوريا. وعلى أي حال، فإن السماح للأمم المتحدة لأن تقوم بدور المراقب على مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية يبدو أمراً ضعيفاً، مقارنة بفقدان السلطة. وبعبارة أخرى، فقد أمدت إدارة أوباما الأسد بطوق النجاة، وهذا بالضبط نوع من الانتصار كانت روسيا تأمله في هذا المناخ من الحرب الباردة الجديدة، الأمر الذي يبرر وصايتها على سوريا والعودة إلى الصدارة العالمية. ومنذ بداية قيام الثورات العربية في تونس في ديسمبر 2010، كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى سياسة واضحة ومركزة ومتسقة: فسياستها تنطلق في خط متعرج مثل التخلي عن مبارك، واحتضان الرئيس المصري المعزول محمد مرسي والإخوان المسلمين. كما أظهرت إدارة أوباما كذلك تناقضاً فيما يتعلق بالمعارضة السورية التي تحارب الأسد لأنها تنطوي على بعض العناصر الإسلامية الراديكالية، وبالتالي فقد أحجمت عن تقديم أي مساعدات عسكرية كبيرة. وبغض النظر عن نتائج المفاوضات الحالية بشأن أسلحة سوريا الكيماوية، فإن الحرب الأهلية ستستمر في المستقبل القريب. ومع ذلك، من المرجح أن تحدث نقطة الوميض المقبلة بين أميركا وروسيا بشأن إصرار إيران على امتلاك أسلحة نووية. وسيفعل أوباما ما بوسعه لتجنب مواجهة عسكرية مع إيران في هذا الشأن، وقد أعرب رئيس إيران الجديد حسن روحاني عن رغبته في مواصلة «التفاوض» للوصول إلى حل دبلوماسي، الأمر الذي يمكن اعتباره تكتيكاً لاكتساب المزيد من الوقت حتى يتم إنجاز المشروع النووى. تقف روسيا بحزم وراء إيران سياسياً وعسكرياً مثلما تدعم سوريا. فقد قامت بإمداد إيران بالمفاعلات النووية وكذلك أجهزة عسكرية متطورة، وبالرغم من إعلان أوباما أنه لن يسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية، فان احتمال أن تقوم أميركا بتأكيد قوتها ضد إيران وراعيتها روسيا ضعيف جداً كما هو الحال مع سوريا. يدرك بوتين أن الولايات المتحدة فى ظل حكم أوباما كدولة تتوخى المصالح الذاتية ومترددة ومرتبكة وغير قادرة على تحديد مصالحها الحقيقية ودورها فى العالم. بوتين، ضابط المخابرات السابق إبان الحرب الباردة القديمة، الضليع في لعبة الواقعية السياسة، عازم على إعادة تأسيس القوة السوفييتية القديمة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. وعلى الجانب الآخر، يبدو أوباما غير قادر على تحدي بوتين الجديد. ورغم ذلك، يتعين على الرئيس أن يدرك أن الحرب الباردة الجديدة قد بدأت لتستمر، وأنه يجب على أميركا أن تغير مسارها، وتبدأ في الوقوف بقوة لروسيا التي تنافسها على زعامة العالم مرة أخرى. يهودا لوكاكس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©