الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبراليو تونس... ولعبة المشروعات الخيرية

11 سبتمبر 2012
تنتهي التلاوة، ويهبط المساء على المزرعة، ويخرج الراقصون وآباؤهم للحديقة لتناول الكعك. وبعيداً عن المائدة التي تناثرت عليها المرطبات، شرع بعض رجال القرية في استجواب منظم الحفل وهو رجل يدعى "جبران الجليدي". ما هو حزبك؟ سأل أحد الرجال..."من الذي يمولك؟" سأل آخر. وبعد ذلك، مال شاب طويل القامة بجسمه للأمام على طاولة المرطبات وقال بصوت خافت: "أود أن أوصل لكم رسالة: الديمقراطية ليست هي المعيار الذي يمكن استخدامه في الحكم على الأشياء". كان الموضوع الذي يدور حوله النقاش عبارة عن ورشة رقص وخطابة عامة لأطفال إحدى المناطق الزراعية في تونس، نظمتها جماعة الجليدي الخيرية المعروفة باسم "كلنا تونس" ولكن بالنسبة له، وهو الديمقراطي العلماني، وبالنسبة لرجال من شاكلة "منجي"- المسلم المتشدد- فإن الموضوع كان أكبر من ذلك بكثير. يشار إلى أن جماعة" كلنا تونس" هي إحدى المجموعات العديدة التابعة للمجتمع المدني التي تحاول مواجهة التشدد الإسلامي الذي ازدهر في تونس، منذ الإطاحة ببن علي. ويحاول الليبراليون الذين يفتحون جبهة جديدة من جبهات الصراع العديدة في تونس، من خلال مثل هذه المجموعات، نقل حملاتهم لما وراء السياسة، إلى مجال الإحسان والعمل الاجتماعي، وهو مجال ظل لفترة طويلة تحت سيطرة الجماعات ذات المرجعيات الدينية في العديد من البلدان العربية. وفي الوقت الذي يحتفي فيه التونسيون بجماعات مثل "كلنا تونس” ويستقبلونها استقبالاً حاراً، فإن آخرين يقولون إن القيم الليبرالية لا تتماشى مع طبيعة المجتمع التونسي. تأسست"كلنا تونس" في يناير بواسطة أعضاء سابقين في حزب"آفاق تونس" وهو أحد الأحزاب الليبرالية التونسية التي تعرضت للهزيمة على يد حزب النهضة الإسلامي المعتدل في الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي. وقد أتاح سقوط بن على الفرصة لظهور تيارات أكثر تشددا في تونس، بما في ذلك الحركة السلفية البالغة التطرف، والتي تميل إلى استخدام العنف أحياناً ،"وحزب التحرير" وكلاهما يريد دولة إسلامية محافظة. وحسب "الجليدي"، الذي يعمل طبيباً في تونس، فإن تلك التطورات كانت دافعاً له لممارسة السياسة بوسائل أخرى. ولمزيد من التوضيح يقول: "عندما تبدأ في العمل مع الناس على الأرض، فإنك تستطيع توصيل أفكارك للمجتمع"، ويضيف:"وقد تمكن الإسلاميون من تحقيق ذلك عن طريق احتلال المساجد، وسوف نقوم نحن بتحقيق ذلك أيضاً من خلال احتلال الفضاء العام". في الوقت الراهن، تضم "كلنا تونس” ما يقرب من 500 عضو، كما تضم مكاتب أو ممثلين لها في 17 مدينة تونسية -كما يقول الجليدي . وقد قدمت الجماعة التبرعات للفقراء، كما قدمت القروض الحسنة للمشروعات الناشئة، وتعمل بالإضافة لذلك ،على دعم البرامج الثقافية التي يرى أنها تجسد القيم المعاصرة. ولكن هل الإسلام والليبرالية شيئان لا يلتقيان وينفي كل منهما الآخر؟ هذا السؤال كان هو السبب الذي جعل الجليدي، وأعضاء "كلنا تونس" يتوجهون الشهر الماضي إلى مزرعة تقع بالقرب من قرية "بوكريم" بشمال شرق تونس للتعاون والشراكة مع معلمة تدعى"نوال اسكندراني". في معظم الصباحات خلال الأسبوع الماضي، كان يتجمع 34 تلميذاً من تلاميذ المدارس في جرن القرية وهو عبارة عن مبنى من طابق واحد مبني بالطوب، ومجهز بأرضية خشبية لتقديم دروس في التوازن الحركي والخطابة العامة. وبالنسبة لبعض القرويين في "بوكريم" فإن مثل هذه الأنشطة تفوح منها رائحة انحلال ما. حول هذه النقطة يقول "شهاب بلحاج" وهو مزارع وعضو في حزب التحرير في نفس الوقت:" هذا ليس أولوية في وقت لا تجد فيه بعض البيوت الماء الصالح للشرب... وفي رأيي أن الإسلام والليبرالية يتعارضان مع بعضهما بعضاً بالطبع". ويقول بلحاج إن حزب التحرير ينظم فصولاً لحفظ القرآن كل يوم جمعة في مسجد بوكريم يحضره ما يقرب من 120 طفلاً من أطفال القرية. ولكن "جليدي"، ويقول: "إن كلنا تونس" تتجنب الجدل حول الأمور الدينية، وترغب في بناء تونس وتوعية التونسيين بصرف النظر عن ميولهم الدينية. وتضيف اسكندراني أن معظم الأطفال ليسوا لديهم أدنى فكرة عما يدور في العالم خارج حدود القرية. وعندما كان الغسق يقترب، وصلت العائلات، وتم إدخالها للجرن، وسمع الحاضرون عزفاً للعود من ستريو في الوقت الذي نهض التلاميذ الذين كانوا متربعين على الأرض واحداً تلو الآخر كي يتحدثوا عن أحلامهم. واجتمع الكل في الحديقة حيث انخرط الجليدي في جدل مع بعض سكان القرية.في أثناء النقاش حذر أحد أعضاء حزب التحرير ويدعو "منجي" من الديمقراطية والانحلال الخلقي. وقال منجي بعد ذلك:"إن الناس يركزون عما يحدث هنا والآن، ولكنهم إذا ما كانوا يعرفون مسبقاً إين ستوصل الأنشطة التي يقوم بها هؤلاء الأطفال المجتمع ، لما حضروا على الإطلاق". بالقرب من مكان هذا الحوار، كان هناك رجل آخر يدعى "بن سعود" يقوم بتجميع أفراد عائلته والاستعداد للعودة لمنزلهم. كان وجهه مشرقاً وهو يقول "المسائل الدينية تهم قليلا هنا ،وأي شخص يستطيع أن يأخذ نوراً وغيثاً-أبناه- ويجعلهما في لياقة بدنية جيدة، ويساعدهما على أن يكونا جزءاً من المجتمع فإنني أقف معه وأؤيده". جون ثورن بوكريم - تونس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©