الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاحتجاح السلمي في سوريا... مهمة تزداد صعوبة

11 سبتمبر 2012
كان "عبيدة" على عجلة من أمره. ذلك أن هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 25 عاماً ويسكن العاصمة السورية لديه مظاهرة احتجاجية عليه أن يشارك فيها في سوق مدحت باشا المزدحم، وكل ثانية هي مهمة. وفي هذا الإطار، يقول عبيدة، وهو يلقي نظرة على ساعته: "إذا تأخرتُ دقيقة واحدة، فقد لا أدركها"، مضيفاً "في المناطق الحساسة، لا يمكنك أن تحتاج لأكثر من دقيقة أو دقيقتين على الأكثر". وبالفعل، فالمظاهرة التي نظمت في منتصف شهر أغسطس ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد دامت دقيقة و36 ثانية فقط. غير أنه في مدينة يزداد فيها الخطر مع مرور كل لحظة، فإن حتى ذلك يعتبر انتصاراً، كما يقول نشطاء مناوئون للنظام. الانتفاضة السورية، التي بدأت باحتجاجات سلمية قبل 18 شهراً، سرعان ما أخذت تسفك فيه دماء السوريين في وقت غرقت فيه البلاد في دوامة الحرب الأهلية. ومع ذلك، فإن الحركة غير العنيفة مستمرة في دمشق، وإنْ بطريقة عابرة وسريعة أحياناً لدرجة أنها قد تفوتك في طرفة عين. ويقول المحتجون غير المسلحين إنهم محاصَرون من قبل أعمال العنف، والخطر الدائم المتمثل في التعرض للاعتقال من قبل العملاء الأمنيين - وبدرجة أقل، الإنهاك الذي أصاب رفاقاً سابقين لم يعودوا يعتقدون أن المظاهرات السلمية تجدي نفعاً. غير أن المؤمنين الحقيقيين بجدوى الاحتجاج السلمي مازال يحدوهم الأمل في إسقاط النظام من خلال المسيرات، والاعتصامات، والإضرابات، والحملات، مثل حملة مقاطعة شركات الهاتف النقال التي يشتبه في أنها تمول أعمال القمع. كما يتطلعون إلى الفوز بدعم جديد: ففي المظاهرة التي شهدها سوق مدحت باشا، أشفع المحتجون شعاراتهم المناوئة للأسد بهتافات من قبيل "تجار دمشق، الله يحميكم" في محاولة لاستمالة أصحاب المتاجر الذين يدعمون النظام عموماً. عبيدة، الذي يستعمل لقباً واحداً على وسائل الإعلام الاجتماعية خوفاً على سلامته ينتمي إلى مجموعة تضم نحو 100 شخص وتسمي نفسها "شباب دمشق لبناء المستقبل"، وهي واحدة من عدد من المنظمات التي تخطط لمثل هذه الأنشطة على موقع فيسبوك. وتتألف مجموعته في الغالب من طلبة جامعيين يركزون نشاطهم على الأحياء الراقية التي تعرف إجراءات أمنية مشددة، وحيث يعيش المسؤولون الحكوميون الكبار وقد لا يعرف سكانها شيئاً عن الانتفاضة عدا رواية "النظام ضد الإرهابيين" التي يستعملها التلفزيون الرسمي. قبل بضعة أشهر، كانت مثل هذه المواقع تعتبر مناطق محظورة بالنسبة للمحتجين، الذين كانوا يركزون جهودهم في الغالب على المناطق الثائرة المحدودة في العاصمة. ولكن عبيدة ونشطاء آخرين يقولون إن المناطق الراقية تحتضن "الأغلبية الصامتة" التي يمكن الفوز بدعمها.الاحتجاجات التي نظمتها مجموعات النشطاء وقعت في حي عفيف، بالقرب من السفارة الفرنسية وغير بعيد عن منزل الأسد. هذا في حين نظمت مظاهرات أخرى في ساحات رئيسية في العاصمة، مثل العباسيين، حيث الحضور الأمني قوي . وفي بعض الأحيان، يكتفي المتظاهرون بإلقاء مناشير مناوئة للنظام طبعت عليها عبارات من قبيل "إنا مصممون على مواصلة مظاهراتنا السلمية إلى حين سقوط النظام". وحتى إن كانت محدودة من حيث الحجم، إلا أن المظاهرات تظل خطيرة. ذلك أنه منذ بداية الانتفاضة، قام النظام بنشر قوات الأمن على مدار الساعة من أجل مراقبة كل الساحات الرئيسية في العاصمة وتجنب احتجاج مدني ضخم على غرار ذلك الذي وقع في ميدان التحرير في أوائل 2011. وعلاوة على ذلك، فإن عمليات التوقيف والمداهمات المنزلية المفاجئة التي تستهدف النشطاء آخذة في الارتفاع. والقصف الحكومي بات مألوفاً في دمشق. وللتحضير للاحتجاجات، يقول عبيدة، يقوم أعضاء مجموعته بمراقبة إحدى المناطق لرسم خريطة طرق المظاهرة، وتحديد المخبرين الحكوميين المحتملين على طول الطريق، وحساب المدة التي سيحتاجها المتظاهرون للهرب. على أن التوقيت بالغ الأهمية. ولذلك فإن كل المشاركين يضبطون ساعاتهم على التوقيت الذي تعلنه قناة الـ"بي بي سي" الناطقة بالعربية، كما يقول. ويبدأ المحتجون في وقت معين متفق عليه، يحسب بالثانية، والأشخاص الذين يصلون متأخرين تفوتهم المظاهرة. فالاحتجاجات السريعة، كما يقول الأعضاء، تعني أن المتظاهرين يستطيعون البدء والانتهاء قبل وصول قوات الأمن. ولكن وبينما يجتاح العنف سوريا – يذكر هنا أن الأمم المتحدة تفيد بأن حصيلة القتلى المدنيين بلغت 20 ألفاً– أصبح بعض الذين كانوا من المؤمنين بجدوى الاحتجاجات السلمية في وقت من الأوقات يقولون إن هذا التكتيك بات بدون جدوى اليوم. وفي هذا السياق، تقول الناشطة نادية إنها توقفت عن المشاركة في المظاهرات عندما شرع النظام في قصف دمشق، مما تسبب في دوامة من العنف تقول إنها أطفأت تحمسها لانتصار الثوار. وتقول نادية: "سأبكي عندما يسقط النظام"، مضيفة "لأنه بحلول ذلك الوقت، لن يستحق إسقاط النظام كل أولئك القتلى الذين سقطوا". ويلفت عبيدة وزملاؤه إلى أن حصيلة القتلى اليومية في دمشق ارتفعت بشكل صاروخي -التقديرات هي في حدود حول 100 شخص يقتلون يومياً- منذ أن كثف الجيش السوري الحر عملياته. غير أنه وحتى عندما يتعهد بالأساليب غير العنيفة، يعترف عبيدة بأنه يدعم الثوار المسلحين إذ يقول: "إننا سلميون، ولكننا ندعم الجيش السوري الحر"، مضيفاً "إن الجيش الحر لا يقوم سوى بحماية الشعب من هجمات النظام". مراسل خاص بــ«واشنطن بوست» دمشق - سوريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©