الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

زاهر الغافري جوهرة يحتفى بها وترحال مسكوت عنه

زاهر الغافري جوهرة يحتفى بها وترحال مسكوت عنه
24 فبراير 2008 01:10
ابتهجت شخصياً بنيل الشاعر زاهر الغافري من عمان لجائزة الموقع الالكتروني ''كيكا''؛ حقاً الجائزة أقرب إلى أن تكون شرفية وينظمها موقع الكتروني ما يزال في طور التشكل والبحث عن دور في الحياة الأدبية العربية، لكن وفي كثير من الأحيان يكون لمثل هذه الجوائز وقع ومصداقية أكثر من تلك الجوائز الكبيرة والفخمة· أما ما أبهجني حقاً فكان في هذه الالتفاتة إلى واحدة من الكتابات الشعرية المتميزة، ولن أقول متأخرة، فكونك شاعرا من عمان ليس جناية، وكونك رحّالة ليس بجناية كذلك· ومن المؤكد أن تجنب الغافري لضجيج الاهتراء الثقافي العربي، قد ساهم في جوهرة وجوهرية شخصه وعمله الشعري· أي في ذلك الذي جعل موقع كيكا ''يكافئه'' - على حسب قول بيان الجائزة-، فقصيدة الغافري: ''احتمت بظلال بعيدة عن مساقط ضوء خارجية، والتفت حول نفسها كنواة جمالية صلبة متشبثة، في قوة، بنزعة تعانق الحلم والجرح الإنساني والهامش المتروك والعوالم الآفلة'' وأن هذه القصيدة تعكس تمكنا ومراساً عاليين ومرنين، من غير أن يفسد المراس والتمكن تلك الهبات العفوية واللقى الطازجة التي تجعل لقصيدته حرارة خاصة في قراءة تتكشف، بالتدريج، عن طبقات متداخلة من المعاني والعواطف المضبطة والرؤى المشعة من الداخل''· وأيضاً: لاحظت لجنة التحكيم ذلك الدأب الذي عمل الشاعر، في ظلال صمته وكدحه، على تطوير قصيدته· هذا الكلام الذي يحاول قراءة قصيدة الغافري، من المبهج أن يقال عن تجربة مر عليها، على بدايتها أكثر من ربع قرن، حيث أعلنت هذه التجربة عن نصها مع مطلع الثمانينات، وفي أثناء وعبر هذا الربع قرن· نعرف أن المتابعة العربية للتجربة، للتجارب الشعرية، لا تصدر عن سياق، لا تصدر عن رؤى، لا تصدر عن نزوعات، عن تفلسف شعري، عن شعرية تفلسف، عن تفكير شعري، عن شعرية تفكير· تصدر من المحسوبيات و''الفساد'' الثقافي الذي هو فرع من المؤسسة الوحيدة المتوفرة في المجتمع العربي، مؤسسة وتأسيس الاهتراء· وتصدر كذلك من ثنائية تبدو أقرب إلى ''الكوميديا الجغرافية'': ثنائية المراكز والأطراف·· وللأسف في تجربة الغافري لم تكن ترحل إلى ''الطرف'' دائماً: كان في العراق، وكان في باريس، وكان في نيويورك· فالمسألة إذن ليست بمسألة طرف جغرافي، وانما ''طرف وجودي'': هل تدخل في اللعبة إياها لكي يعترف بك، أم أنك خارج اللعبة· كن في اللعبة· أو تعال إليها·· بقي أمر آخر ينبغي الإشارة إليه قبل أن تزيد هذه السطور عن كونها مجرد تعبير عن بهجة· هذا الأمر كامن في إشارة لجنة التحكيم في جائزة ''كيكا'' إلى الاغتراب في شعر الغافري· فلقد نظرت هذه اللجنة إلى قصيدته: ''بصفتها قصيدة اغتراب وبحث عن الجمالي في تعالقاته الإنسانية، تقديراً خاصاً لانفتاحها على الآخر واقتراحاته الجمالية من دون انقطاع عن جذورها العميقة، حيث ظلت تتغذى من تلك الينابيع البعيدة التي أمدتها بأول قطرة وشكلت نسغها الحيوي· وبهذا تسهم تجربة الغافري بانتمائها إلى طور شعري عربي مهجري في اغناء المشهد الشعري العربي الحديث بنبرة مميزة، وتوضح في آن تواصلها، تأثراً وتأثيراً، مع المجرى العام للقصيدة العربية الحديثة الراهنة في لحظة محتدمة من الصراع على بلورة صورة جديدة للهوية العربية التي يسعى الشعر، من ضمن فنون أخرى، إلى صوغها على أسس إنسانية''· كلام مرتب· حسناً· ولعل مسألة ''طور شعري عربي مهجري (يساهم) في اغناء المشهد الشعري العربي الحديث بنبرة مميزة'' مسألة فيها نظر· ولعلها من اقتراح الشاعر أمجد ناصر - الأردني المقيم منذ سنوات طويلة في بريطانيا - رئيس لجنة التحكيم التي احتفت بتجربة الغافري· ثم إن موضوع ''الاغتراب'' في الشعر العماني مسألة ينبغي التوقف عندها· بدأت المسألة وكرست مع التجربة الشعرية لسيف الرحبي· ولتوضيح هذا علينا القول أولاً ودرءاً لأي التباس: إن الاغتراب يبدأ في التكوين من الحساسية الحياتية، وبالتالي الشعرية الحديثة· لكن الحديث في تجربة سيف الرحبي وبالتالي زاهر الغافري عن الاغتراب تنقصها الدقة كثيراً· لم يكن الرحبي ولا الغافري من منفى عمان السياسيين مثلاً؛ لقد ذهب الرحبي إلى دمشق طالب علم ومن هنالك تجول، ولا تختلف تجربة الغافري عن الرحبي كثيراً· وانني أفضل أن أسميها تجربة ''ترحال'' بل إنه وبالعكس لدى العمانيين، في التاريخ العماني، عند الشعب العماني رغبة جارفة في الترحال منذ قديم الأزمان· كان البحارة والمغامرون العمانيون يرحلون إلى أدغال أفريقيا وأقاصي آسيا· تجربتهم التاريخية في الدعوة أو في بناء السلطنات، أو في الغياب في البعيد من قارات العالم القديم، لم يكتشفها بعد ولم يعترف بها ''المركز'' الذي يظن بأنه يدير عجلة الوعي العربي· تجربة الرحبي وتجربة الغافري - التي أميل إليها أكثر - تعطي بعداً وعمقاً وتمثيلاً آخر لتجربة العماني المترحل، لنزوعه الأبدي هذا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©