الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عسكرة» الجماعة

18 سبتمبر 2013 21:39
عن دار نهضة مصر أيضا، يصدر ثروت الخرباوي، في طبعة سادسة كتابه الأول “قلب الإخوان ـ محاكم تفتيش الجماعة”. على طريقة السرد الروائي والبوح الشخصي أيضا وبأسلوبية كتابة المقالة، وفي مقدمة وعشرة فصول، يسرد الكاتب سيرته ومسيرته داخل الجماعة، كما يروي مسيرة هذا التنظيم، ويتحدث كيف تحول من تنظيم دعوي وإرشادي إلى تنظيم عسكري، يعمل تحت أجنحة الظلام، يقول: “وإذا كانت الجماعة تقدم نفسها للجماهير، بحسب أنها تحمل فوق أكتافها الحل الاسلامي، فإنها يجب أن تضع نفسها تحت رقابة الأمة، دون أن تتذرع بشأن داخلي أو شأن خاص. أبرز ما يكشفه الخرباوي في هذا الكتاب، هو تلك الرسائل الخاصة للمرشد الثالث للجماعة (عمر التلمساني) إلى قيادات الاخوان في الخارج، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ويحذرهم في هذه الرسائل من التعامل مع تنظيم (العشرات)، وهم الذين يمثلون مكتب الارشاد حاليا، أما تسميتهم بتنظيم العشرات، فذلك نسبة إلى قضائهم عشر سنوات في السجون المصرية في الفترة ما بين 1965 ـ 1975، حيث اعتبرهم التلمساني بأنهم ليسوا من الإخوان. لكن لا يخلو الأمر من حكاية، يرويها الكاتب بقوله: “لقد خرج أعضاء التنظيم وكان على رأسهم المرشد السابق الدكتور محمد بديع، وأعضاء مكتب الارشاد الدكتور رشاد البيومي، والدكتور محمود عزت، خرجوا من السجون في تلك الفترة وغادروا مصر إلى دول عربية، وكان هؤلاء أبرز تلاميذ الشيخ سيد قطب، والذين اعتمد عليهم الأخير في تأسيس تنظيم القطبيين”. استعرض الكاتب مجموعة الصدمات التي أصيب بها وهو داخل الجماعة، وأولها كانت عام 1992، عندما سمع مقولة المرشد السابق مأمون الهضيبي، وألقاها في ندوة تم تنظيمها على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب: “إن الإخوان يتعبدون لله بأعمال التنظيم الخاص قبل الثورة “، ولأن الخرباوي كان يعلم من خلال قراءاته وسعة إطلاعه أن من بين أعمال هذا التنظيم كان اغتيال بعض المدنيين، من أمثال أحمد ماهر باشا، والخازندار، والنقراشي باشا، وكانت مثل هذه العمليات التي يخطط لها بسرية تامة، غير منطقية وغير مبررة، مما أحدث صدمة أولى للخرباوي ثم تلتها صدمات كثيرة. من الشواهد التي سجلت علامة فارقة في قرار الخرباوي للخلاص من المشهد الاخواني، ما تمثل بحديثه عن محاولات التهميش والاقصاء التي كانت تقوم بها الجماعة تجاه عدد كبير من أعضائها، مستشهدا بما حدث من محاولة إقصاء لمختار نوح، القيادي الشهير في الجماعة في عهد مصطفى مشهور، كما يكشف عن تفاصيل اللقاء العاصف بينه وبين مأمون الهضيبي، حينما كان نائبا لمصطفى مشهور آنذاك، وكيف انتهى هذا اللقاء القاسي بقرار حاسم لا رجعة فيه اتخذه الخرباوي بترك الجماعة. من الأسرار الخطيرة التي يكشفها الكاتب حول سيطرة النظام الخاص على الجماعة وتحولها إلى نظام القطبيين، ومدى المسؤولية التي تقع على عاتق مؤسس الجماعة حسن البنا، فيما وصلت إليه من حالة العسكرة، والعنف، وقصة الرسالة التي حذر فيها عمر التلمساني من التعامل مع الدكتور محمد بديع وإخوانه في التنظيم الخاص، يسرد الكاتب معلومات وقصصا عديدة، نعرف منها ما قاله حول ذلك: “أولا عندما أنشأ حسن البنا جماعته، في ظل دستور عام 1923، وقانون الجمعيات الأهلية، أنشأها لأغراض تتعلق بنشاط دعوي إسلامي، يهدف إلى الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي لم يكن حسن البنا في العشر سنوات الأولى للجماعة بحاجة إلى التخفي، أو الاستتار، فكانت طريقته واضحة المعالم، هي الدعوة العلنية المفتوحة، وكانت هذه السنوات العشر الأولى هي المحدد لملامح الجماعة وأفكارها الرئيسية، حيث جاءت بمهمة إصلاح المجتمع، لا للانقلاب عليه؟”. ويركز المؤلف بشكل واضح على مؤسسها الأول حسن البنا، يقول: “حتى عندما أنشأ حسن البنا النظام الخاص كانت له أسبابه الوطنية رغم وصوله في آخر حياته إلى أن هذا النظام كان خطيئة الاخوان”، لافتا أنه بدءا من إنشاء النظام الخاص أواخر الثلاثينيات لم يترتب على الجماعة ملامح تغير فكري، والتي تسعى في شقها المدني إلى اصلاح المجتمع والدعوة الى سبيل الله بالحكمة، ورغم جرائم النظام الخاص إلا أنه كان منفصلا عن جماعة الاخوان المدنية التي كانت لا تعرف عنه شيئا، وعندما قتل حسن البنا، وحدث الصدام ما بين الإخوان والنظام الملكي، ظهر سيد قطب، الذي كان يبحث عن مشروع فكري له، وبالفعل وصل الى ملامح مشروعه فوضع كتابه “العدالة الاجتماعية في الاسلام”، وتحدث فيه عن الاسلام كحركة اجتماعية. لقد رأى بالمجمل أنه لا يمكن إقامة دولة اسلامية كاملة تستعيد ملامح (الخلافة) الراشدة الا من خلال تنظيم قوي محكم يعمل في السر، واستمر العمل بهذا الاتجاه حتى مراحل متأخرة من عمر هذا التنظيم وصولاً الى اليوم، حينما ظهر أعضاء مهمين في التنظيم أمثال الدكتور محمد بديع، الدكتور رشاد البيومي، الدكتور محمود عزت، نائبي المرشد العام، ومن ثم جميع أعضاء مكتب الارشاد الحالي وآخرين أصبحوا فيما بعد أصحاب الكلمة العليا في الجماعة. تحدث الخرباوي مطولا عن كيفية وصول أنصار سيد قطب إلى الدرجة العليا من السيطرة على مقاليد الجماعة، وعن مصير تلاميذ حسن البنا بعد خروجهم من شتات السجون، ويوضح كيفية تحول الجماعة من الدعوة الى التنظيم، إلى أن يصل إلى ما قاله محمد بديع عنه بعد خروجه من السجن: “إن ثروت الخرباوي ارتكب في حق الاخوان أخطاء، فوجب إبعاده من الجماعة، فعادت ذاكرتي لسنوات مضت حينما قال لي وهو في السجن: سترى مني العجب عندما أخرج، وقد رأيت العجب فعلا». يختتم الخرباوي كتابه بعنوان “بعد الكتاب”، ويكتب فيه: “بعد الكتاب توالت الأحداث، إذ قامت الجماعة بفصل عبد المنعم ابو الفتوح، وفصل الدكتور محمد حبيب، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من منصب المرشد، واستقال الدكتور كمال الهلباوي الذي كان أحد اهم القيادات الاخوانية في أوروبا، وتحكم فريق سيد قطب ـ النظام الخاص ـ فارضا سيطرة تامة، واختلطت الرموز التي تشكلت مفاهيمها على يد عمر التلمساني، والذين كانوا أصحاب الأفكار الوسطية المعتدلة، وأصبحت الجماعة الحالية هي جماعة سيد قطب ولله الأمر من قبل ومن بعد”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©