السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجماعة» من التأسيس إلى التسييس

«الجماعة» من التأسيس إلى التسييس
18 سبتمبر 2013 21:33
ثروت الخرباوي لمن لا يعرفه من الجيل الجديد، هو محام مصري بارز، وقيادي سابق في جماعة “الإخوان المسلمين”، والأصح أن نقول إنه منشق عن الجماعة في مصر غير آسف، ولد عام 1957 في محافظة الشرقية، وبدأ اشتغاله في السياسة من خلال عضويته في حزب الوفد، ثم انضم لجماعة الإخوان، وكان سببا رئيسيا لتلك النجاحات التي تحققت لهم في نقابة المحامين، لكن سرعان مع اختلاف منهجيتهم ومشروعهم واستراتيجيتهم، ثم انشق عن مسيرتهم منذ العام 2000، متهما إياهم بإفساد محتوى نقابة المحامين، مثل إفسادهم للكثير من المسائل الخلافية في الحياة المصرية، وقال في السياق: “إنهم وراء تراكم مشاكل المحامين، نقابيا، ومهنيا، وسياسيا، نتيجة تلاعبهم في النقابة العامة، ومعظم النقابات الفرعية خاصة من الناحية المادية، وميزانية النقابة”، وعن أسباب انفصاله عن الجماعة، يقول الخرباوي: “وجدت أن الإخوان يرفعون راية الاسلام، ولكنهم في الأمر يمارسون سلوكيات “الحزب الوطني”، فرفضت هذه الازدواجية، لأن في داخل التنظيم توجد مؤامرات، وأحقاد وصراعات، ومحاولات حثيثة لتحقيق المصالح الخاصة، بعيدة كل البعد عن مصلحة الاسلام”. للخرباوي جملة من الإصدارات المهمة، ومنها اخترنا ثلاثة كتب، تكاد تتفق في موضوعها حول الأسرار الخفية للجماعة، والمنهج والرؤيا والاستراتيجية السياسية المتحجبة وراء ستار الدين، وهذه الكتب هي: “قلب الجماعة”، وفيه يكشف بكل جرأة ووضوح أسرار خروجه من صفوف الجماعة، والكتاب الثاني بعنوان “سر المعبد” ويتحدث فيه عن الأسرار التي لا يعرفها كثيرون عنهم، من خلال تجربته معهم عن قرب، أما الكتاب الثالث فهو بعنوان “أئمة الشر”، وفيه يشرح للقارئ، بل ويقدّم له صورا عن سيرة مجموعة من المتماهين مع منهج الجماعة بطريقة أو بأخرى. نتناول هذه البانوراما الثلاثية التي صاغها الخرباوي بحسه الخاص، ومن خلال معايشته لواقع يجرّم حتى معنى التفكير الصحيح. «سر المعبد»: الولاء للمرشد يكفّر السيئات والخروج على الجماعة يمحق الفضائل «كاتالوج تشغيل» الإخواني.. نقرأ في الطبعة الثالثة والعشرين من هذا كتاب “سر المعبد ـ الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين”، الصادر عن دار نهضة مصر، مقدمة الكاتب تحت عنوان لافت هو “أسطورة الكتاب” فيقول: “إذا كنت ستقرأ هذ الكتاب لتأخذه كما هو، فلا تقرأه، وإذا كنت ستقرؤه وقد اتخذت مسبقا قرارا برفضه فلا تقرأه، ولكن اقرأ وفكّر، ثم بعد ذلك أرفض أو اقبل، أرفض الكل أو أرفض البعض، واقبل الكل أو اقبل البعض، قراءة بلا تفكير ليست قراءة، ولكنها تلقين، الأحرار فقط هم الذين يفكرون حين يقرأون، قراءة مضمخة بالتفكير، تعطيك عمرا جديدا، وفي هذا الكتاب، أهب لك عمري”. هذه هي إذن رؤية الخرباوي لفن الكتابة والقراءة والفهم، ولعلها طريقة مشجعة لكي نمضي معه في كتابه الذي يقع في 360 صفحة من القطع الصغير، ويتضمن إهداء، وسبعة عشر فصلا، الأول يبدأ بعنوان “صوت الحرية”، والأخير ينتهي بعنوان “الحقيقة”، وما بين الحرية والحقيقة، ثمة ما هو مختبئ بين السطور والنوايا والتحليل، فماذا وراء الأكمة؟ كتاب “سر المعبد”، الذي انتشر بين القراء، كما تنتشر النار في الهشيم، وحقق أعلى المبيعات هو في الواقع كتاب يسرد وينتقد منهج جماعة الإخوان المسلمين، وربما تكون الأسباب الرئيسية في انتشار هذا المنتج الثقافي حتى طبعته الثالثة والعشرين، متعلقة بتزامن صدوره مع وصول الجماعة إلى سدّة الحكم في مصر، ومن ثم تحركهم المشبوه تجاه دول منطقة الخليج العربي، بطريقة تعلن عن منهجهم منذ النشأة الأولى، كذلك ما رافق هذا الكتاب من حملات دعائية، جعلت منه محط طلب واهتمام، فمنذ القراءة الأولى للمحتويات، ستجد أن الكاتب يضعك على الفور في صورة شهيد ثورة 25 يناير، الذي أهداه “سر المعبد”، فيقول له: “تملّيته حين أطل وجهه على الشاشة، كان يبتسم، ابتسامة المنتصر، وعلى جسده علم مصر، فلم أدر هل رد الله له الحياة فابتسم، أم أنه لم يمت أصلا ـ لأن الشهيد لا يموت ـ فظل يبتسم، يقينا هو لم يبتسم إلا لأنه حي، وما ابتسم إلا لأنه سخط على الاستبداد، وتلهفت روحه على الحرية، فأهدى لنا ثورة، والآن يا ايها الشهيد الذي ـ كما يقولون ـ سقط مضرجا في دمائه الزكية، واهبا حياته ثمنا للحرية، ويا أيها الشهيد الذي ما زال يختلط دمه بأرض مصر، ساقول لبني وطني، إنك لم تسقط مضرجا في دمائك، فالشهداء لا يسقطون، ولكن يصعدون، أنت صعدت ملفوفا في دمائك المقدسة، فمنها ستكون حريتي، أنت الآن في سماء الحقيقة المطلقة، حيث لا مكان للمزيفين وأدعياء القداسة، أما أنا ففي أرض الحقيقة النسبية، حيث لا أملك إلا هذا الكتاب، الذي كتبته وصورتك أمامي، لا تفارقني فإليك وحدك أهديك إياه”. في التقدير وبعد هذه المقدمة، نرى أن هذا الكتاب الذي يلهث وراءه الناس لقراءته في وقت عصيب، يبقى مثيرا للقلق والجدل، بل ويحمل إشكالياته، فعلى الرغم من انتقادات الخرباوي للجماعة، إلا أننا يجب أن ندرك أنه يختلف معهم، ومع مرشدهم، لكن في داخله حب للمشروع الإسلامي الوسطي المعتدل الأكبر من حجم هذه الجماعة وتوجهاتها، حيث يفصح أنه تمرد على مشروعهم بسبب قولبته للفكر الاسلامي، فهو يقول عن الجماعة: “يحبون رصّ الأخوة في أرفف الجماعة، بحيث لا يتحركون إلا بالأمر، وبنفس الطريقة التي حددوها لهم في الكتالوج”. ويضيف الخرباوي: “فررت بقلبي من تنظيم لا يعرف القلوب ولا يأبه بالمشاعر، إلا إنني رأيت وأنا خارج قلب الاخوان أشياء تحار منها الألباب، وتستعصي على التصديق”. كما يبدو فإن كتاب “سر المعبد”، الأكثر مبيعا منذ صدوره وحتى الآن، لم يكتب بطريقة سياسية، فهي تجربة سردية أقرب إلى الاسلوب الروائي، تجمع ما بين البوح الشخصي، والتوثيق، والنقد، والتحليل، وفن المقارنة والمقاربة، حينما يتحدث عن منهجية الجماعة، وحينما يكشف أسرارهم، ذات الصلة بفكر الماسونية، من خلال شهادات مثيرة للجدل، وبخاصة عرضه لوثيقة تؤكد صلة الجماعة بالولايات المتحدة الأميركية، والتنسيق معها في أمور تتجاوز المصلحة الوطنية. الوثيقة هي عبارة عن خطاب مرسل من قبل شخصيات سياسية أميركية، إلى أحد رموز الجماعة، وهو المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، وكان ذلك عام 2005، ويتحدث الخطاب عن ترتيبات وتخطيطات كانت تجري خلف الكواليس، بين جهات أميركية نافذة وقيادات مختلفة في الجماعة، التي كانت تسعى بكل قوتها للوصول إلى قصر الرئاسة. في الواقع أن مجمل القصص التي يطرحها الخرباوي في هذا الكتاب الشهادة حول تجربته مع الجماعة، موثقة بالصور والوثائق، وعبر أسماء ما تزال حية بيننا، يؤكد أننا أمام جماعة شديدة الذكاء، تحاول قيادة الوطن نحو حلم الدولة الاسلامية، من خلال الحديث عن تسامح الاسلام وقيمه النبيلة، رغم أنهم ينقضون هذه القيم النبيلة في الخفاء وبسرية تامة طوال الوقت، وقد تجلى هذا (الزيف الإخواني)، وفقا للكاتب، في واقعة تزوير انتخابات الجماعة الداخلية في انتخابات النقابات الفرعية للمحامين، ويقول الخرباوي: “ما أقسى أن يكون الواعظ لصا، وأن يكون الكذاب داعية”، وهي في الواقع شهادة تبقى على الرغم من كل شيء ذات صلة، بجوانب خفية من الحياة السرية للجماعة التي وصلت إلى سدة الحكم، ثم تركته بإرادة شعبية. في الفصل الثاني من الكتاب الذي جاء تحت عنوان “إيكاروس” يستشهد الكاتب بجانب من الأساطير الاغريقية، متمثلا بـ إيكاروس الذي حاول الطيران إلى الشمس، فأحرقته بلهيبها، فيعقد مقارنة جاذبة بين فكر هذه الأسطورة، ومحاولته في البحث عن حقيقة الإخوان، التي أوصلته إلى الأسلوب التآمري الذي يتبعونه للايقاع ببعضهم في فخاخ مباحث أمن الدولة، يقول: “هل تعرفون قصة المرشد السرّي؟ إنه هو ذلك الأخ الإخواني الذي قام بابلاغ مباحث أمن الدولة عن هذا اللقاء بينهم، نعم فجهاز أمن الدولة وفقا لما قاله الدكتور محمد حبيب في أكثر من لقاء استطاع اختراق الجماعة”. في فصوله الثلاثة (المرشد السري وزمن الجواسيس، مدينة النسيان، صندوق الأسرار)، يحاول كشف بعض الحقائق، من خلال تجربته التي انتهت بانشقاقه، ثم فصله، وكأنه بذلك يعقد مقاربة مع ما حدث للمفكر الشيخ الغزالي، في تأكيد على سلطوية المرشد بقوله: “ما زلت في زمني أنظر للشيخ الغزالي في زمن فصله من الإخوان، وها هو يستمع إلى خطبة الجمعة في مسجد الروضة، فتفجعه كلمات الشيخ الإخواني التي طنت في أذنه طنين الذباب، ألا أن الولاء للمرشد حسن الهضيبي يكفر السيئات وأن الخروج على الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا المرشد عادوا للجاهلية الأولى لأنهم خلعوا البيعة”. في الواقع لا يجب أن نقرأ “سر المعبد” على أنه تأريخ لمسيرة جماعة الإخوان، لأنه بصريح العبارة يكشف أسرارهم، ويفضح مشروعهم، من خلال التأملات، والذكريات، التي ترسم المعالم الداخلية لهذا التنظيم الذي لا يتردد في التعامل مع القوى العظمى (الكافرة) لو رضيت باستيلائه على السلطة، وقيادة الأمة على طريقتها. تأملات الخرباوي ترسم معالم ما يطبع الحياة الداخلية لـ (الجماعة)، من عتمة وظلام، وشبه تقديس لمرشدها، وصراعات مريرة بين أجنحتها المتنافرة وقيادييها، الذين يصنعون لجبهتم نوعا من التماسك أمام وسائل الإعلام، كما أن تحليلاته السياسية في إطار استطرادات مطولة، تكشف طريقه إلى الايمان الحق، الايمان الصوفي، المتجرد من متطلبات السياسة، وفي السياق يفضي الكاتب في أكثر من موقع في كتابه، مستندا إلى تصريحات ينسبها إلى قياديين إخوانيين منهم المرشد الخامس للجماعة (مصطفى مشهور) أن الجماعة تغلغلت في الجيش والشرطة، وأصبحت فاعلة فيهما، على أعلى مستويات (لاحظ ذلك في الفصلين التاسع والثالث عشر)، وأخطر من ذلك، يكاد يجزم هذا الإخواني السابق بأسلوبه الروائي بأن (التنظيم الخاص) ـ أي الجناح العسكري الذي أنشأه مؤسس الجماعة حسن البنا عام 1928)، أعيد إحياؤه باشكال أخرى تتفق وتطور العصر، فضلا عن أن إيديولوجيته العنيفة يغذيها إلى اليوم تيار يؤمن قطعا بأفكار سيد قطب، وشكري مصطفى التكفيرية. يمكنك بعد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب الذي لا يخلو من الإطالة في شرح بعض المواقف أو الاستشهاد بآراء آخرين لتوضيح المعنى العام من مناقشة قضية الجماعة، أن تخرج بعدة مسائل جوهرية استراتيجية في مسيرة هذا التنظيم، أهمها: استعداد الإخوان للتعامل مع أي جهة، حتى لو كانت كافرة، من أجل تحقيق مشروعهم. وفي هذا السياق يشير المؤلف في الفصل السابع إلى القيادي عصام العريان، وكيف كان مكلفا بالاتصالات السرية مع الأميركيين، حول ملفات شائكة، وكأنه أصبح بمثابة سفير للجماعة في الخارج. أما المسألة الثانية، فتتعلق بكشف الحقائق حول الوسطية المزعومة للجماعة، وأن الترويج لموضوع (الاعتدال) عندهم لم يكن الا من قبيل البروباجندا الإعلامية، وأن حسن البنا استلهم عند تأسيس الجماعة عام 1928، فكرة ونموذج (الجنود الدعاة) وما يحيط بهذه القضية من إشكالات ما زالت مثار بحث وتساؤل. إن صدور طبعة جديدة وحديثة من “سر المعبد” يوحي بأن (جدار الصمت) والقداسة حول جماعة الإخوان قد تحطم، وأن الكلام في مشروعيتهم ومبادئهم، لم يعد من الأسرار، بعد أن تكشفت حقائق كثيرة عن سلوكهم بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت عقب سقوط حكمهم في مصر، وأن هناك محاولات وتجارب جديدة ستظهر، للكشف عن مزيد الحقائق حول الموضوع، لكنك إذا نظرت الى العناوين التي طرحها الخرباوي ستكتشف أن الخرباوي كان يحمل جملة مفاتيح إلى خزائنهم، فهو هنا يستمع إلى أحد الضباط الذين يحققون معه ضمن محتويات الفصل الأخير من الكتاب: “يا أخ ثروت، أنا أصدقك القول، وما كذبت عليك قط، الإخوان وأنت تعلم أنني أختلف معهم، يخططون منذ البداية، منذ حسن البنا، لقيام دولة الاسلام، وغبي هذا الذي يظن أن قيام الدولة يكون بالجلوس في الأسرة والشعبة والكتيبة والاكتفاء بالذكر والدعاء، وأذكار الصباح والمساء والخطابة بين الناس، الدولة تكون في الساعد والسلاح، كما قال حسن البنا، والجيش، وهو إحدى هذه الأدوات، فمن ظن أن الاخوان كانوا بمنأى عن الجيش والسلاح والقوة فإنه أحمق يهرف بما لا يعرف”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©