الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتهامات متبادلة

17 ديسمبر 2010 22:23
استفتاء الجنوب حول تقرير المصير لم يعد حتى الآن مشكوكاً في نتيجته المحسومة، وهي الانفصال عن بقية السودان، أو بلغة "الحركة الشعبية" الجديدة "الاستقلال". لكن أسوأ وأخطر ما سيصيب السودان بلداً وشعباً وهو مقدم على تلك اللحظة التراجيدية الأكبر في تاريخه الحديث، هي تلك الأحاديث والتصريحات والاتهامات غير الحكيمة التي يتبادلها قادة الحكم من الجانبين، التي وصلت إلى درجة طالبت فيها "الحركة الشعبية" بتدخل مجلس الأمن. ومن جانب "المؤتمر الوطني"، وصل الأمر إلى درجة اتهام بعض قادته لـ"الحركة الشعبية" بأنها تستعد وتهيئ الأجواء إلى متمردي دارفور لشن الحرب من جديد على الحكومة بإيوائها (استضافة بعض قادة الفصائل المسلحة الدارفورية في رواية الحركة وزعمها أنها تحاول القيام "بدورها الوطني"، لحل مشكلة دارفور بإقناع حلفائه الدارفوريين بركوب مركب السلام والتخلي عن طريق الحرب)، وهي -كما تقول- كانت تنتظر الشكر من شريكها في الحكم حتى اليوم - المؤتمر الوطني- وليس الاعتداء والعدوان الجوي على قواعد جيشها. الأحاديث والاتهامات المتبادلة وارتفاع لغة الحرب، وما تخلفه من آثار على مستوى الجماهير من استعادة واستنهاض روح الكراهية والبغض بين الشماليين والجنوبيين، هي في تقديرنا أخطر المشاكل التي تواجه اليوم السودان المتجـه نحـو الانقسـام (والذي يخشـى المرء أن لا يكـون الأول والأخير)، هي في رأينا أخطر مـن مشكلـة أبيي التي أصبحت مشكلة دوليـة ومشكلة ترسيم الحدود وتقاسم الممتلكات المشتركـة والديون المشتركـة...إلخ. كل هذه المشاكل يمكن حلها طال الزمن أو قصر بالإرادة السودانية الحكيمة وبـ (مساعدة) المجتمع الدولي، الذي أصبح (الراعي المسؤول عن رعيته السودان!). لكن روح التعبئة الحربية التي يمارسها وبشكل منظم بعض قادة الحزبيين على صفحات الصحف وموجات الأثير، لن تذهب آثارها، بل ستزداد نارها الملتهبة، وستجد دولتا السودان المتجاورتان وضعاً أقل آثاره اندلاع الحرب بينهما مرة أخرى وستمتد هذه النيران المدمرة ليس بين جوبا والخرطوم وإنما إلى بقية السودان، وسيعود السودان الذي كنا نفخر به بين الأمم إلى عهود حافلة بمآسي حروب القبائل والعشائر التي عطلت لقرون تطور السودان وبناء الدولة السودانية الحديثة في عصر الإنسانية الجديد هذا. لقد قرر البعض أن يعملوا بصمت، وبإرادة وطنية ومسؤولية أن يحملوا أعباءهم ويواجهوا الحقائق المريرة متجاوزين مواقف حزبيهما (الحركة والمؤتمر)، وأن يدعوا زملاءهم في الجانيين للجلوس، وإن يفكروا ويتفاكروا بعقلانية ومسؤولية عن مصير السودان جنوبه وشماله بعد يوم التاسع من يناير 2011... هم يعرفون وتحدثوا مع زملائهم بكل الشجاعة الأدبية والمسؤولية الوطنية أن هنالك مشاكل وأزمات ستواجه كلا الدولتين في البداية ولسنوات قد تطول لو لم يجدوا لها حلاً سلمياً، وأن يتوافقوا ويشركوا كل السودانيين معهم في التوافق على ميثاق ينظم علاقات التعاون والتكامل التي لا غنى عنها لكل من شعب الجنوب وشعب الشمال، لأنه من دون ذلك سينهار السودان على الحزبين الحاكمين ومعهما شعب السودان. في داخل اجتماعات مجلس شورى "المؤتمر الوطني"، برزت أصوات صدرت عن خبراء اقتصاديين وسياسيين، تدعو إلى إِعمال الحكمة والعقل، ورفضوا أن تعالج قضايا الحاضر والمستقبل بردود الأفعال غير المسؤولة الصادرة عن بعض إخوانهم... وتحدثوا حديث الخبرة والمعرفة العقلانية بأن لا طريق لهم، ولا للسودان الشمالي سوى أن يجلسوا مع عقلاء "الحركة الشعبية" ليتفقوا اتفاقاً سودانياً يؤمن مستقبل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال والجنوب، وذهبوا أبعد من ذلك إلى القول بأن مسؤولية الحكومة نحو شعب الجنوب لا تنتهي بانفصال الجنوب، لأن المصالح المشتركة القائمة إذا ترك أمر معالجتها واستمرارها لردود الأفعال ستؤثر على السودان الشمالي. وفي داخل "الحركة الشعبية"، بادر وزير البترول والمعادن، وبتأييد من بعض رفاقه بعرض مشروع عن مستقبل التعاون والتكامل الاقتصادي بين الشمال "والجنوب"، وقال: حان الوقت لنفكر نحن السياسيين الجنوبيين والشماليين في مستقبل شعوبنا وتنمية موارد بلادنا، وذلك لن يتم بكلام السياسيين، بل بالفكر والعلم والعمل. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©