الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كاتالونيا.. ما وراء دعاوى الانفصال

7 أكتوبر 2014 23:57
وليام كول أستاذ جامعي في الإنسانيات - برشلونة اصطدم مسعى كاتالونيا للانفصال عن إسبانيا في الآونة الأخيرة بعقبة كؤود. فقد وافقت المحكمة الدستورية الإسبانية على سماع طعن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي بأن إجراء كاتالونيا لاستفتاء مزمع على الاستقلال يوم التاسع من نوفمبر غير قانوني وأوقفت الاستعدادات، وأمام المحكمة خمسة أشهر لإصدار قرارها النهائي. والتزاماً بأمر المحكمة، أوقفت الحكومة الإقليمية في كاتالونيا حملتها مؤقتاً، لكنها أعلنت أنها ستطعن في عملية التعليق، وتعهدت بمواصلة السعي من أجل إجراء الاستفتاء. وحتى الآن، يستهوي الناس غير العليمين ببواطن القضية الكاتالونية أن يقارنوا مسعى كاتالونيا بحركة الانفصال الاسكتلندية في الآونة الأخيرة التي رفض فيها الناخبون الاستقلال عن بريطانيا، لكن القضيتين مختلفتان بشكل صارخ. اسكتلندا صغيرة ولا تمثل إلا 8.4 في المئة من سكان بريطانيا و9.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي البريطاني. لكن كاتالونيا أكبر بكثير، فهناك 16 في المئة من الإسبان يعيشون فيها، وهي منطقة صناعية ومساهمتها في الإنتاج كبيرة بشكل غير متناسب مع حجمها، حيث تساهم بنسبة 19 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا. بالإضافة إلى هذا، هناك نحو واحد في المئة من الاسكتلنديين يتحدثون اللغة «الغيلية»، وهي أحد أفرع اللغة السلتية التي تعتبر اللغة الأم للاسكتلنديين، بينما نحو 85 في المئة من الناس يتحدثون هنا الكاتالونية. وأيضاً النظام السياسي البريطاني يحتوي الاسكتلنديين تماماً، وهذا توضحه حقيقة أن عدداً قليلاً من الاسكتلنديين تولوا منصب رئيس وزراء بريطانيا في التاريخ الحديث، لكن آخر رئيس وزراء كاتالوني لإسبانيا شغل المنصب لخمسة أسابيع عام 1873، لكن الخلاف الرئيس بين الوضعين هما أن التصويت الملزم في اسكتلندا حظي بمباركة الحكومة البريطانية، لكن مدريد تتصدى للاستفتاء المقترح غير الملزم في المحاكم. وباعتباري نيويوركي عاش في كاتالونيا لمدة 20 عاماً، فقد شاهدت تطور الأوضاع، ورغم أن الكثير من الكاتالونيين يعيشون أحلام الاستقلال، لكن حتى وقت قريب لم يبالغ كثيراً في الأمر إلا طائفة مهوسة هامشية.وحتى القوميين الملتزمين أمضوا حياتهم المترفة بدرجة ما من الرضا دون مبالاة ببقية إسبانيا، لكن الخريطة تغيرت بشكل كبير منذ الأزمة المالية، التي بدأت قبل سبع سنوات. فقد أصبح عدد كبير من الكاتالونيين أكثر تشدداً بسبب البطالة المتفشية، وفساد وعدم كفاءة الحكومة والعجز المالي الهائل الذي يمثل الفارق بين ما يدفعه الكاتالونيون من ضرائب، وما يحصلون عليه من تمويل حكومي. وحتى «ارتور ماس» الزعيم «الكاتالوني» من يمين الوسط الذي كان يتزعم حركة الاستقلال لم يؤيد الاستقلال صراحة إلا منذ بضع سنوات. ويضاف إلى هذا إحساس عام بأن معظم الإسبان لا يقدرون الكاتالونيين حق قدرهم، لما يساهمون به بنصيب أكبر مما يتعين عليهم، بل لا يجدون في الواقع إلا الاحتقار والسخرية. ويشعرون بأنهم مهانون، وهم غاضبون، ويشاركون بأعداد كبيرة في الاحتجاجات المطالبة بالاستقلال، وفي كل جانب متطرفوه. لكن الغالبية العظمى من الكاتالونيين والإسبان من المعتدلين يريدون حلاً سلمياً، ولم أسمع قط من أي شخص يقول إنه يريد القتال، ناهيك عن الموت لمصلحة أي من القضيتين، لكن المشاعر مازالت متأججة، فالصداقات تتفتت والأسر تتفرق بسبب القضية. ويخبرنا التاريخ أن الصراعات على القومية يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة، ولم تستطع الحكومات الاسبانية المتعاقبة أن تهدئ التوترات المتأزمة منذ عقود بل منذ قرون. ومعظم الإسبان يعتبرون تقديم تنازلات إلى كاتالونيا بادرة استسلام، ولا غرابة أن يعتبر معظم الكاتالونيين عدم تقديم تنازلات رفضاً للتوصل إلى تسوية.وأخيرا، إذا كان الكاتالونيون يريدون الاستقلال يتعين أن يكون هناك طريق لهذا، فالزواج المستمر منذ قرون والذي لم يكن سعيدا قط كاد أن ينهار مرات عدة. ويتعين علينا إدراك أنه إذا نجح الانفصاليون، فإن إقليم الباسك المضطرب تاريخياً قد يحاكي كاتالونيا على الأرجحوكاتالونيا والباسك منطقتان تمتدان إلى فرنسا. وإذا بدأ الكاتالونيون الفرنسيون والباسكيون الفرنسيون السعي للمطالبة بحقوقهم، فإن سكان بريتاني وكورسيكا وربما الالزاس في فرنسا قد يقتفون أثرهم، والبقية تأتي. لدي الكثير من الأصدقاء والمعارف على جانبي هذه القضية، وغالبيتهم واثق فيما يبدو من الفوز بها، لكن لا مفر أن يخيب أمل كثيرين منهم بشدة. ومهما يكن من أمر الطريقة التي ستحسم بها معركة القضاء، فإن عناد مدريد يعتبره كثير من الكاتالونيين دليلاً حاسماً على عدم كمال الديمقراطية الإسبانية، وسيُذكر الاستفتاء في اسكتلندا باعتباره لحظة عظيمة في التاريخ الأوروبي، وهذا ليس لأن الاسكتلنديين رفضوا الاستقلال، لكن لأنهم قرروا مصيرهم بأنفسهم بطريقة ديمقراطية وشفافة، ولا يستحق الكاتالونيون والتقاليد الغربية الليبرالية الديمقراطية أقل من هذا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي.انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©