الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المطاعم الشعبية مشروع ضد البطالة ووجبة رخيصة للفقراء

المطاعم الشعبية مشروع ضد البطالة ووجبة رخيصة للفقراء
17 ديسمبر 2010 20:41
الوجبات الشعبية كالفول والفلافل والكشري والعدس تحظى بشهرة واسعة بين المصريين لمذاقها المتميز وتوفرها في أي وقت بأسعار في متناول الجميع، إلى جانب قيمتها الغذائية العالية. وعلى الرغم من سهولة إعدادها في المنزل فإن كثيرين يفضلون تناولها في المحال، أو على عربات اليد الخشبية بدعوى أن لتناولها هناك طعما مختلفا حيث تصاحبها سيمفونية فلكلورية تبدأ بالاستماع إلى صوت المغرفة المعدنية، وهي تقرع الأواني والقدور الكبيرة لملء الأطباق بما لذ وطاب من الأكلات، ومن ثم يظل هذا الصوت في الاذن مرتبطا بتناول تلك الوجبات، إلى جانب طريقة مناداة البائع على بضاعته، وتعامله بخفة دم مع الزبائن. هناك عبارات طريفة عدة، يستمع إليها من يتناول تلك الأكلات الشعبية، يرددها البائع ويتعذر على الزبون إدراكها في بادئ الأمر قبل أن يتوصل لمغزاها بعد فترة، منها مقولة “طبق جواهر على زيت بلدي متين” يقصد طبق الفول. و”صحن كهرمان وصاية مع تقلية تقيلة وليمونة خضراء” والمقصود هنا طبق العدس. ومقولة “العالي مع اللوكس” يقصد الكشري، ناهيك عن عبارات ايحائية ينطق بها الباعة باستمرار من نوعية “يا رزاق يا كريم وصلي على النبي ويا نور النبي”. واخرى تعريفية بصاحب المحل مثل “أبو كريم وأبو طارق بيصبح”، إلى جانب عبارات إنشائية أخرى يطالعها المترددون على العربات الخشبية التي يحرص أصحابها على تدوينها كنوع من التفاؤل وتجنب الحسد، أبرزها “سترك يارب وإن خلص الفول أنا مش مسؤول وعين الحسود فيها عود وصلى على النبي والعين فلقت الحجر والأرزاق على الله”. مثابرة واجتهاد اللافت، أن لكل عربة خشبية مكانها المعروف على ناصية الشارع والميدان وزبائن يقصدونها من دون غيرها حتى أن من الزبائن من يقطع المسافات الطويلة للوصول إلى عربة بعينها تذوق طعامها مرة واستحسنه، إلى جانب زبائن آخرين يكون الدافع الأول لهم هو رخص أسعار وجباتها التي تقدمها بغض النظر عن الشروط الصحية التي قد تكون غير متوافرة في هذه العربة الخشبية فبمقدور الفرد تناول وجبة طعام شهية بسعر زهيد. ولا يحتاج إقامة مشروع لبيع الأكلات الشعبية في مصر بواسطة عربة خشبية متحركة سوى لمبلغ قليل لا يتجاوز 1000 جنيه مصري في مرحلته الأولى وقد يتجاوز ذلك إلى الضعف أو أكثر عندما يكون المشروع في محل صغير مجهز بمعدات وآلات الطبخ وطاولات لجلوس الزبائن وقد أتاحت تلك التكلفة المنخفضة للعديد من الشباب العاطل والنساء اللاتي يبحثن عن دعم اقتصادي لأسرهن بعد وفاة الزوج أو وقوع الطلاق أن تكون مثل تلك المشروعات في مقدمه أفكارهم المهنية البسيطة ويساعد في ذلك سهولة أعداد تلك الوجبات ورخص تكاليف المشروع وضمان تردد الزبائن. وأحيانا يكون المشروع “وش السعد” لصاحبه الذي يبدأ بعربة خشبية صغيرة وبالاجتهاد والمثابرة يمتلك مطعما شهيرا في أرقى الأحياء وغالبية تلك المطاعم يعمل بلا تصاريح رسمية من الجهات المختصة ما يؤدي إلى عدم شرعية وجودها لاسيما العربات الخشبية التي تتعرض أحيانا لمطاردات من شرطة المرافق لأنها تعطل المرور، ولكن في الغالب يتم غض الطرف عنها من المسؤولين بعد تفهمهم الوضعية الاجتماعية للعاملين في هذه المطاعم، وأنها مصدر رزق وحيد لأسرهم. وحسب إحصاءات وزارة التجارة المصرية فإن كثيرا من أنشطة المطاعم الشعبية تندرج تحت خانة الاقتصاد السري والتي لا يتم تحصيل ضرائب عنها وتقدر أعداد العاملين في تلك المطاعم من 3-5 ملايين شخص يعيشون من هامش أرباحها، وهو الأمر الذي يبرز مدى أهميتها ودورها في تخفيف العبء على الدولة من جهة توفير فرص عمل ودخل للمواطنين. وتتنوع أماكن تناول الوجبات الشعبية في القاهرة ما بين عربات اليد الخشبية المتراصة على أرصفة الشوارع والميادين أو المحال الصغيرة بالمناطق الشعبية كالسيدة زينب والحسين وباب الشعرية، حيث يحرص كل بائع على تقديم وجبة بعينها تميزه عن منافسيه فهذا يشتهر بالفول كالجحش وآخر ساعة والتابعي أو بالكشري مثل أبو طارق وفرغلي والحسين وفاطمة والتحرير، ولكل منهم زبائنه الحريصون على التردد على تلك المحال باستمرار كما لا يستغرب الجائل في شوارع القاهرة خلال فترة الصباح تحديدا رؤية عشرات من المواطنين، وهم يتراصون حول العربات الخشبية الملونة التي غالبا ما تقدم أطباق فول لزبائنها من مختلف الطبقات لاسيما الفقيرة والمتوسطة، ومنهم موظفون وحرفيون وطلاب مدارس وجامعات، وحد بينهم تناول وجبة شعبية في توقيت واحد. موائد إضافية أصحاب تلك المحال الشعبية لا يكتفون بموائد الطعام داخل حيز المحل وإنما يعد صاحب المحل موائد إضافية على الرصيف المقابل ويعد البصل لاسيما الأخضر، إلى جانب المخللات من أساسيات الموائد الشعبية لفتح شهية الزبائن. وعندما يدخل المرء مطعما تطالعه قائمة الطعام والأسعار ليختار منها ما يشاء إلا أن الامر يختلف في تلك المطاعم الشعبية التي في الغالب تقتصر على تقديم صنف واحد ولذا فلا وجود لقوائم وإنما يكفى أن تقول للبائع “اديني طبق وصاية” وأحيانا توجد قائمه الطعام مكتوبة بالبويه على احد جدران المحل مما يثير الدهشة التي سرعان ما تزول بعد العلم بأن ذلك يحدث من قبل صاحب المحل تفاديا للتعرض لمخالفة من قبل مفتشي الادارة المحلية. كغيره من مئات الباعة المنتشرين في كل شارع وحي بالقاهرة يقصد عادل مصطفى (29 سنة)، ليسانس آداب، ميدان المطرية كل صباح جارا عربته الخشبية ذات العجلات الثلاث متخذا له موقعا استراتيجيا على مفترق شارعين. ويقول “شرعت منذ ثلاث سنوات في اقامة مشروع صغير عبارة عن عربة خشبية تبيع الفول والفلافل بعدما تعذر عليَّ منذ انتهائي من الدراسة الجامعية الحصول على فرصة عمل مناسبة، فلجأت إلى هذا المشروع أسوة ببعض اصدقائي الذين خاضوا هذا المجال وحققوا نجاحا ملموسا”. ويؤكد أن بيع وجبات طعام بسيطة في حي شعبي مزدحم بالسكان يعني إقبال عشرات الزبائن عليه يوميا بفضل انخفاض أثمان الوجبات التي يبيعها والتي تبدأ بجنيه ونصف الجنيه لوجبة الفول أو الفلافل مع رغيفي خبز وطبق باذنجان مقلي والبصل الأخضر والمخللات. ويضيف أنه يبدأ يومه مبكرا في الخامسة صباحا ليكون جاهزا لتلبية احتياجات الموظفين قبل ذهابهم إلى أعمالهم. ويوضح أن العمل في الشتاء أكثر من الصيف لأنه بخلاف الزبائن المعتادين من الموظفين والعمالة اليومية هناك طلاب المدارس والجامعات. ويقول بائع آخر يدعى سمير عبدالمقصود “الكشري مهنتي الأساسية. بدأت فيها صغيرا والآن تجاوز عمري الخمسين عاما ولم أعرف لي مهنة أخرى، ولقد عملت على تطوير مهنتي باستمرار فقد بدأت البيع على عربة خشبية واستطعت بمرور الأيام تدبير مبلغ مالي واشتريت محلا صغيرا بحي باب الشعرية وكنت أضيف جديدا بين الحين والآخر للمحل سواء من ناحية شكل المطعم أو في نوعية الأطباق التي نقدمها مع الكشري كأطباق الحلو المهلبية والأرز باللبن”، مؤكدا أن محال أخرى حديثة تقدم وجبات عصرية تنافسه في استقطاب الزبائن صباحا كالهمبورجر والجبن الرومي وغيرها لكن هذا لا يقلقه وكل وجبة لها زبونها. حرص على السمعة تقول هدى جلال “بعد وفاة زوجي تاركا لي ثلاثة أبناء شاركت شقيقي الأكبر في مشروع لبيع الفول والفلافل بعد تحويل غرفة بالدور الارضي من منزلنا إلى محل واجهته على الشارع وقد رزقنا الله رزقا كبيرا لم نتوقعه من خلال قدرة الفول والقلاية التي اعتبرهما وش السعد على أسرتي”. وتوضح أنها طورت المحل بإضافة أكلات أخرى كالعدس والبصارة إلى قائمة الأطعمة التي تبيعها للزبائن. وتؤكد أن محلها الصغير ونتيجة لسمعته الطيبة أصبح مقصدا للعديد من الناس. وتتابع “أحرص دوما على جودة الطعام الذي نقدمه لأن أي مطعم يكتسب سمعته الطيبة من جودة الطعام فلو ساءت الاطعمة لأغلق المطعم نهائيا”. وهناك زبائن يتجاوزون منفعة تناول الوجبات الشعبية ليشيدوا بمنافعها الاقتصادية وحساب الفارق بين ترددهم عليها وعلى المحال العصرية الأخرى التي تبيع وجبات سريعة. ويقول مدحت سعيد المحاسب بإحدى الشركات في القاهرة “عادة ما أذهب إلى عملي من دون تناول طعام الإفطار في منزلي وأحرص قبل الدخول إلى عملي على تناول الفول أو الكشري في أي من المطاعم الشعبية المنتشرة بالمكان، ولا أشعر بالخجل إذا توقفت لتناول إفطاري على عربة خشبية تبيع الفول مثلا لأن غالبية زملائي وأقاربي يفعلون ذلك”. ويعلق أحمد علي، وهو طالب بجامعة القاهرة على تجربته، وهو يتشاور مع أصدقائه قبل أن يطلب وجبة من أحد المطاعم الشعبية القريبة من سور الجامعة، قائلاً “على الرغم من أن والدتي تحرص على أعداد طعام الإفطار مبكراً فإنني لا أجد شهيتي إلا في هذا المطعم مع اصدقائي فنلتقي كل صباح عند بوابة الجامعة ونذهب سوياً لتناول الإفطار في أي من المطاعم الشعبية المحيطة بالجامعة”.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©