الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اشتعال المنافسة العالمية على نفط العراق

20 ديسمبر 2006 00:05
إعداد- محمد عبد الرحيم: وسط أتون الفوضى والاضطرابات وأعمال العنف التي تجتاح العراق فإن القوات الأميركية مازالت تتمرس وتواصل حراستها المشددة على مبنى وزارة النفط بشكل استمر يغذي نظرية المؤامرة القائلة: إن الإطاحة بصدام حسين قد صممت خصيصاً للسيطرة على الموارد النفطية العراقية· ومهما كانت الدوافع، فإن صناعة النفط العراقية لم تسلم من هذه الفوضى التي عمت البلاد بأكملها وبات القطاع يعاني أيضا من نقص الاستثمارات وتفشي الفساد بحيث مازال الإنتاج عاجزاً عن استعادة مستوياته في مرحلة ما قبل الحرب· وكما جاء في تحليل نشر في صحيفة ''فاينانشيال تايمز'' مؤخراً فبينما كان الاستقرار يسود العراق بفضل ما تحققه الإيرادات النفطية الهائلة في ظل النظام السابق إلا أن المعركة الدائرة اليوم للهيمنة على هذه الموارد النفطية، والتي تشكل ثالث أكبر احتياطي بترولي في العالم بعد المملكة العربية السعودية وإيران، باتت تهدد بتفكيك الدولة نفسها بحيث أن توزيع هذه الاحتياطيات أصبح يفاقم من حالة النزاع السائدة أصلاً بين المجتمعات الرئيسة الثلاثة في الدولة، وهي الأغلبية الشيعية والأقليتين السنية والكردية بشأن مصير العراق السياسي· وفي هذه الأثناء استمرت الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغوطها على القادة العراقيين من أجل الإسراع بالمصادقة على قانون جديد للنفط يعمل على تنظيم عملية توزيع الإيرادات النفطية بشكل عادل، بحيث يؤدي إلى إغلاق بعض التشققات التي تحول دون التوصل إلى وفاق بين مختلف الطوائف، لكن الصراعات السياسية مازالت تلقي بظلالها على ما يمكن أن يعتبر التحول التاريخي الذي ستتمخض عنه القوانين الجديدة المقترحة· وعلى الرغم من أن النظام السابق عمد إلى فتح أبواب القطاع أمام الشركات النفطية من أجل تشجيعها على كسر العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة في آواخر أيامه فإن هذا القانون الجديد يهدف إلى مراجعة عملية تأميم الصناعة التي تمت في عام 1972 بشكل شامل ونهائي· ووفقاً لمسودات التشريعات المتداولة حالياً فإن القانون سوف يسمح بوجود أشكال عديدة من الشراكات الأجنبية بما في ذلك من اتفاقيات للمشاركة في الإنتاج، أي العقود التي تفضلها شركات النفط الأجنبية نسبة لما توفره من تقليل المخاطرة على ارتفاع التكاليف وتمنحها في نفس الوقت فرصة أكبر لتحقيق المكاسب متى ما ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية· وفي الوقت الذي ستوفر فيه إجازة هذه القوانين من قبل البرلمان العراقي الإطار التشريعي الذي ترحب به كبريات شركات النفط العالمية إلا أن التنفيذيين في الصناعة مازالوا يشيرون إلى تخلف وغياب الاستثمارات· ولما كانت شركات النفط العالمية قد اعتادت على ممارسة أعمالها في أجواء مضطربة مثل أعمال العنف في نيجيريا أوالاضطرابات العامة التي تندلع بين حين وآخر في فنزويلا، إلا أن الفوضى التي تجتاح العراق برهنت على أنها الأصعب من نوعها على مر التاريخ والمستمرة في التصاعد بحيث تضع مسألة بقاء الدولة العراقية نفسها محل التساؤل· وقال وليد خدوري، الخبير في المجال النفطي: ''إن النظر في مستقبل سياسات النفط العراقي يعتبر بمثابة النظر إلى المجهول، حيث لا يمكنك مناقشة مستقبل النفط العراقي قبل أن تدرك ما يمكن أن يحدث في الجنوب والجهة التي ستسيطر على هذه المنطقة الجنوبية، سواء كانت حزبا واحدا أم مجموعة من الأحزاب الشيعية''· ووفقاً للدراسة التي أجرتها مؤخراً لجنة أميركية عالية التفويض وخلصت إلى توصيات بضرورة إجراء تغييرات راديكالية في السياسة الأميركية في العراق فقد تكشف أيضا أن الدولة مازالت تنتج كمية لا تزيد على 2,2 مليون برميل يومياً وتصدر منها حوالي 1,5 مليون برميل يوميا، وهو مستوى أقل من المستوى المستهدف بحوالي 2,5 مليون برميل والذي لا يزال أقل بكثير أيضا من إمكانيات القطاع الهائلة· وكشف تقرير آخر نشرته وزارة النفط العراقية مؤخراً أن العراق خسر أكثر من 24,7 مليار دولار من الإيرادات النفطية المحتملة في غضون فترة السنوات الثلاث الماضية بسبب عدم الاستقرار السياسي وأعمال العنف المستمرة بما في ذلك من أعمال مهاجمة وحرق خطوط الأنابيب· ونظراً للدور الذي يتوقع أن يلعبه النفط العراقي في تلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي، بدأت المجموعات الكبيرة تعد العدة لذلك اليوم الذي تستطيع فيه الدخول إلى العراق وهي تحاول تحسين علاقاتها مع المسؤولين في الدولة من أجل الحصول على أهم المعلومات عن هذه الحقول النفطية دون أن يستلزم الأمر القيام بزيارات إلى الدولة· وقد أبرمت شركة بريتش بتروليوم اتفاقاً مع شركة رويال دوتش شل لتوفير الدراسات والتقييمات الجيولوجية والفنية بالإضافة إلى البيانات الأخرى الخاصة بحقلي النفط الرئيسين في العراق وهما حقل كركوك في الشمال وحقل الرميلة في الجنوب بشكل ساعد الشركتين على اللحاق بالمنافسين مثل شركة توتال التي كانت قد تمكنت من الحصول على هذه البيانات عندما تفاوضت على عقود مع نظام صدام حسين في السابق، أما الشركات الأخرى مثل شيفرون فقد تمكنت أيضاً من تعزيز علاقاتها والحصول على المعلومات المطلوبة عبر تنظيم دورات تدريبية للمهندسين العراقيين في خارج الدولة· ومع ذلك فإن مجموعات النفط الروسية والصينية والهندية مازالت الأوفر حظاً في الاستفادة أولاً من النفط العراقي نسبة لما لديها من عزم ورغبة أكيدة لمواجهة المخاطر الأمنية، وكان حسين الشهرستاني وزير النفط العراقي قد قام بزيارة مؤخراً إلى عدة دول آسيوية وعقد اجتماعات مع أكبر 4 شركات للطاقة في الصين، وأكد أن هذه الاجتماعات لم تتناول المخاوف الأمنية مطلقاً، أما ليونيد فيدون نائب رئيس شركة لوك أويل الروسية التي تتطلع إلى تجديد اتفاقياتها السابقة مع النظام السابق لتطوير حقل القرنة الغربي العملاق، فقد أكد أيضاً أن أعمال العنف لن تشكل حاجزاً أمام أهداف الشركة في المضي قدماً في أعمال التطوير، وقال: ''على خلاف الشركات الغربية فإننا نرغب في العمل تحت أي نوع من الظروف''· ويعتقد المحللون أن تجربة شركة لوك أويل في العراق هي التي ربما جذبت اهتمام شركة ''كونوكو فيليبس'' ثالث أكبر شركة أميركية في مجال الطاقة، وشجعها على دفع ملياري دولار للحكومة الروسية مقابل حصة تبلغ 7,59 في المائة في شركة لوك أويل قبل أن ترتفع الحصة مؤخراً إلى 20 في المائة على الرغم من أن روسيا أصبحت تمثل بازدياد منطقة وعرة التضاريس بالنسبة لشركات النفط العالمية· بيد أن بعض التنفيذيين في شركات النفط الغربية مازالوا يعتقدون أنه بمجرد إجازة هيكل قانوني للاستثمارات في الدولة فإن هذه الشركات ربما تبدأ في الاستثمار في المناطق المستقرة نسبياً والتي لم يتم استكشافها بعدُ في الشمال، حيث تمارس ''دي إن أو'' النرويجية عمليات الحفر في هذه المنطقة الكردية بينما وقوف كل من شركة كيه بتروليوم الكندية وشركة سترلينج انيرجي البريطانية على اتفاقيات تهدف لإجراء الدراسات على الحقول· بيد أن هذه العقود استمرت تمثل جزءاً من الجدل السياسي الذي ظل يعطل عملية المصادقة على قانون النفط، حيث مازالت المنطقة الكردية تطالب بحقها في تطوير حقول نفطية جديدة اعتماداً على ما ورد في نص الدستور العراقي الذي تم تبنيه في أكتوبر من عام ،2005 ويشير الدستور إلى ضرورة أن تسيطر الحكومة المركزية على حقول النفط الحالية لكنه انطوى على إبهام وغموض بشأن الجهة التي يحق لها السيطرة على مسألة تطوير الحقول الجديدة· ويدعي المسؤولون الأكراد أن نصوصاً أخرى في الدستور تعطي الحكومات الإقليمية جميع تلك السلطات غير الممنوحة صراحة للحكومة الاتحادية، إلا أن الحكومة المركزية ذكرت أن المسألة في طريقها إلى الحل، ولكن الشهرستاني حذر من أن بغداد لا ترى نفسها ملزمة بأي عقود تم الاتفاق عليها بين الشركات العالمية والسلطات الكردية· وكانت جماعات السُنة قد صوتت ضد الدستور في استفتاء أجري في العام الماضي بسبب نص يسمح باستحداث مناطق فيدرالية، مما أثار مخاوفهم من أن يؤدي هذا الأمر إلى تقسيم الدولة ويحرمهم من حصة في إيرادات النفط، أما الطموحات الكردية للسيطرة على مدينة كركوك الشمالية التي تحيط بها حقول تشكل حوالي 10 في المائة من إجمالي الاحتياطي النفطي في الدولة فقد بدأت تمثل مسألة متفجرة أخرى تتلقى معارضة شرسة من قبل العرب السُنة· أهمية متزايدة يكتسب النفط العراقي أهمية متزايدة لزيادة حجم الإمدادات في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الطلب خاصة من الصين، وفي ظل تباطؤ الإنتاج من الحقول في أوروبا والولايات المتحدة وأجزاء من القارة الآسيوية بعد أن شارفت على بلوغ عمرها الافتراضي، ووفقاً لإحصائيات وكالة الطاقة الدولية يتعين على العراق زيادة إنتاجه النفطي بمعدل 4,9 في المائة سنوياً حتى العام 2030 من أجل مواكبة الطلب العالمي على النفط الذي بات من المتوقع أن يقفز إلى 116 مليون برميل يومياً من مستوى 85 مليون برميل يومياً الآن· احتياطيات ضخمة ظلت كبريات شركات النفط المتعددة الجنسيات تكافح من أجل زيادة إنتاجها واحتياطياتها النفطية عبر اكتساب الفرصة لتطوير حقول النفط العراقية، فأرض الرافدين تستلقي على أكثر من 115 مليار برميل من الاحتياطيات، بينما يتم استغلال إنتاج 22 حقلاً فقط من مستوى 87 حقلاً يمكن استدرار النفط منها· خلط خطير يحذر المحللون من الخلط الخطير بين السياسة الطائفية والنزاع على النفط بشكل يجعل أكثر الشركات النفطية بحثاً عن المغامرة تلجأ إلى الحذر والترقب، وإذا ما استمر العنف في التصاعد فإن إمكانية تشقق الدولة التدريجي إلى أجزاء منفصلة للشيعة والأكراد والسُنة يصبح أمراً لا يمكن الفرار منه وبشكل يجعل من غير المناسب المصادقة على أي هيكل قانوني من قبل البرلمان· وأشار رعد القادري مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكتب ''بي اف سي'' لبحوث الطاقة في واشنطن إلى أنه حتى في حال الموافقة على التشريعات النفطية وتسوية بعض النزاعات السياسية على الأقل فإن المستثمرين الأجانب ربما لا يزالون يشعرون بأنهم لم يتلقوا الحماية الكافية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©