السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عربي مبين» صفة لكتاب الله وحجة للحق على أهل البيان

«عربي مبين» صفة لكتاب الله وحجة للحق على أهل البيان
16 ديسمبر 2010 20:18
«العربي» أي الواضح البين من الكلام، حجة للحق على أهل البيان، لا يلتبس على العقل، صريحاً في إنذاره ووعيده، مفصل خالص من الشبهة والهوى منسوب إلى لغة العرب، فقد جاء القرآن عربياً فصيحاً صريحاً، وأجمع علماء اللغة والتفسير على أن «عربي» من صفات القرآن الكريم، قال تعالى «قرآنا عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون» سورة الزمر- الآية 28 و «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون» سورة الزخرف-الآية 3 و «إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون» سورة يوسف - الآية الثانية و «وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه عن الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا» سورة - طه الآية 113 و«كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون» سورة فصلت - الآية 3 و «وكذلك أنزلناه حكماً عربياً» سورة الرعد - الآية 37 و «ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين» سورة النحل - الآية 103. قال الإمام النسفي في تفسير هذه الآيات إن القرآن جاء مستقيماً بريئاً من التناقض والاختلاف عربي بلسانهم لا اختلال فيه، تنزيل من الله، مُيزت آياته وجعلت تفاصيل في معان مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد وغير ذلك لقوم عرب يعلمون ما نُزل عليهم من الكتاب المفصل والآيات المبينة بلسانهم العربي، فهذا الكتاب تنزيل بديع من المنعم، يميز بين الحق والباطل والبشارة والانذار، ويهذب النفوس ويضرب الأمثال ويبين الأحكام، مقروء باللسان العربي، ميسر فهمه لقوم يعلمون، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى به «حم والكتاب المبين» سورة الزخرف الآيتان 1، 2 بأنه القرآن جعله عربياً، واضحاً للذين انزل عليهم لأنه بلغتهم الواضح للمتدبرين، أبان طرق الهدى من طرق الضلال، وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة، لكي تفهموا معانيه، آيات أنزلت واضحة لا تشتبه معانيه على العرب لنزولها بلسانهم، كررنا فيها من الوعيد لعل القرآن ان يكون عظة للعرب وشرفاً لهم بإيمانهم به. أسلوب فريد ويقول حسين حسن سلامة في كتابه «من هدي القرآن»: إن القرآن الكريم كلام الله، حير عقول بلغاء العرب وفطاحل اللغة من حيث أسلوبه الفريد من المطالع والمقاطع والفواصل، وكمال ربط الآيات فالمعروف عند العرب أنه إذا انتقل الكلام من مضمون إلى آخر أو اشتمل على بيان أشياء مختلفة، انتفى ربط الكلام، أما القرآن فينتقل من قصة إلى أخرى ومن باب الى باب ويشتمل على أمر ونهي ووعد ووعيد وترغيب وترهيب برباط حسن غير مألوف لهم. كما أدهشهم وأقنعهم سلاسة التركيب وسلامة الترتيب فلا هو بالشعر ولا هو بالنثر الذي عندهم وليس من جنس خطب خطبائهم، إنه يرفع شأن البشرية وقد أهدى القرآن الى اللغة العربية لونا طريفا من الإبداع لم يكن معروفا من قبله وهو تكرار بعض الآيات، ويمتاز أداؤه بالتعبير عن قضايا ومدلولات ضخمة في حيز يستحيل على البشر ان يعبروا فيه عن مثل هذه الأغراض، وذلك بأوسع مدلول وأدق تعبير، وأجمله مع التناسق العجيب بين المدلول والعبارة، فكل مدلول يستوفى حظه من البيان والوضوح من دون اضطراب في الأداء أو اختلاط بين المدلولات مع بلاغ مستوى لا يدرك إعجازه أحد وللأداء القرآني طابع بارز في القدرة على استحضار المشاهد والتعبير كما لو كان المشهد حاضرا، بطريقة ليست معهودة على الإطلاق في كلام البشر، ولا يملك الأداء البشري تقليدها. التحدي قائم وأسلوب القرآن متفرد، فاجأ العرب فظلوا حائرين دهشين يلمسون سحره الغالب وتأثيره الخالب دون ان يستطيعوا معارضته، إنه نمط من القول فريد ومعجز، لا عهد لهم به فهو وإن تألف من كلماتهم وحروف لغتهم، فإنه في قالب متفرد، يدركون حلاوته ويحسون روعته من دون أن يستطيعوا محاكاته وكان عهدهم دائما بالرائع الجيد من القول، فما بالهم إذا يتحداهم ان يأتوا بسورة من مثله، لا ينطقون فلم يجد القرآن بطابعه المتميز المتفرد مقلداً وظل قمة سامقة، وقد مضت القرون وراء القرون من دون أن نجد من البلغاء من استطاع أن ينحو قريبا من الذكر الحكيم، ولا يزال التحدي قائماً ولا يزالون عاجزين. ويجمع علماء اللغة وفقهاء البيان، على ان إعجاز القرآن مرده إلى المعاني التي تسكبها أساليبه في نفوس سامعيه ،والعرب ذوو لسن وبلاغة، كانت لغتهم أيام نزوله اعظم اللغات وأعلاها، ولا تزال لها صدارتها بين اللغات التي تكلم بها أهل اوروبا بعد ذلك بنحو ثمانية قرون. والقرآن لا يخضع للقواعد اللغوية لأنه سابق عليها، وينسحب هذا على كلام العرب قبل نشأة العلوم العربية، فلقد كان الاوائل يتكلمون بالسليقة من دون ان تكون هناك قواعد في صورة علم منضبط يحتكمون إليه ولو كان في القرآن خطأ لغوي واحد لملأ الكفار وهم أهل فصاحة وبيان الدنيا صياحا وسخرية لكنهم لم يجدوا فيه ثغرة ولا شبهة خطأ لغوي أو قصوراً بلاغياً بل كان القرآن الكريم مصدرا أصيلاً من المصادر التي بنى النحاة عليها قواعدهم، وهو الحاكم على الظواهر اللغوية. منهج رباني وأسلوب القرآن مخالف لجميع أساليب الكلام وله طريقته المتفردة في مزج العقائد والمواعظ والحكم والأحكام والآداب بعضها بعضاً في الآيات المتفرقة وقد كان العرب في جاهليتهم قوماً أولو فصاحة نادرة وكانوا يعتزون بفصاحتهم الى الحد الذي أطلقوا على غير الناطقين بلغتهم لفظة «العجم» ووصفوهم بالعجمة، وفيها إشارة واضحة الى انهم يعدونهم دونهم لا لسبب إلا لأنهم لا يستطيعون الكلام باللغة الفصيحة التي يتميزون هم بها، ولما بعث الله سبحانه وتعالى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم في العرب كان من المناسب أن تكون الآية التي يتحدى بها المنكرين، فصاحة من نوع ودرجة لا يقدرون على الإتيان بمثلها، لتستيقنها أنفسهم ولو جحدوا بها ظاهراً، فلا عجب أن يكون القرآن هو معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- الى القوم الذين يعتزون بفصاحتهم ويتيهون بها على الخلق، ولا عجب في أن يتحداهم فيعجزوا عن إجابة التحدي فكان وسيلة للدعوة ولإخراج خير أمة أخرجت للناس وبيان المنهج الرباني الذي يريده الله للبشرية كلها لتنعم بالطمأنينة والبركة والفلاح في الدنيا والآخرة. لغة العرب إن الله سبحانه وتعالى يدعو الناس إلى عقيدة التوحيد، بهذا الأسلوب الفائق الذي يبلغ حد الإعجاز، يربي الأمة التي آمنت به تربية دقيقة عميقة شاملة، يضع لها منهج الحياة الذي تسير عليه ليكتب لها التمكين في الأرض، ولتكون رائدة لكل البشرية فهو سبحانه القائل «وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون» سورة الزخرف - الآية 44، أي أن هذا القرآن شرف عظيم لك يا محمد ولأمتك لنزوله عليك بلغة العرب.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©