الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

العشر الأوائل من ذي الحجة.. مكرمة إلهية للمقيم والحاج

العشر الأوائل من ذي الحجة.. مكرمة إلهية للمقيم والحاج
15 سبتمبر 2015 10:36
أحمد السعداوي (أبوظبي) في حياة المسلمين مواسم لحصد الخيرات وارتقاء الدرجات في سلم التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، والعشر الأوائل من ذي الحجة من أهم تلك المواسم، لما فيها من خير جزيل يعم المسلمين في كل مكان، عبر ممارسة الطقوس والشعائر الدينية المختلفة التي يشارك فيها جموع المسلمين، ونظراً إلى القيمة الرفيعة لهذه الأيام أقسم بها رب العزة في بداية سورة الفجر، حتى يدرك الجميع قيمتها، ويعمل أقصى ما في وسعه حتى يحصل على عظيم الجزاء وكريم الثواب من الله سبحانه وتعالى بالتزام تعاليمه وتجنب نواهيه التي أنزلت علينا في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهو ما تحدث عنه الدكتور حسن المرزوقي، رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية في كلية القانون التابعة لجامعة الإمارات، في حديثه الشامل إلى «الاتحاد» عن فضل العشر الأوائل من ذي الحجة. مضاعفة الأجر يقول الدكتور حسن المرزوقي، إن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، أخبر أن أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك، وفي رواية: «وأقلهم الذين يبلغون الثمانين»، حيث كانت الأمم السابقة تبلغ أعمارهم إلى الألف سنة، ولهذا القصر في المدة أبدلهم الله بمضاعفة الأجر والثواب في الأعمال الصالحة والعبادات الفرائض منها والمسنونات، وفتح لهم قنوات متعددة وبنى لهم محطات عديدة ينطلقون منها إلى أخرى بأعمال صالحة كثيرة أو قليلة، وهذه الأعمال إنما هي في الأجر والمعنى، لا في المادة والمبنى. ومن هذه المحطات التي ينطلق المسلم منها إلى مرضاة ربه، العشر الأوائل من ذي الحجة، حيث جعل العشر من ذي الحجة، وفضلها ظاهراً للعيان، يتمثل في أن الله جل في علاه أقسم بها، حيث قال عزوجل: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، فرب العزة إن أقسم بشيء فهذا من الدلالات على فضل المُقْسَم به ومكانته. أمهات العبادة وقد شهد بفضل هذه الأيام المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد روى الطبراني في معجمه الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامٌ الْعَمَلُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ»، وفيها يوم عرفة يوم الحج الأكبر، وقد روى الإمام مسلم عن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قَال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». وفيها يوم النحر الذي وصفه النبي صله الله عليه وسلم بأنه «أَعْظَمُ الأيامِ عِنْدَ اللهِ». ويعلل ابن حجر العسقلاني في الفتح ذلك بأن «السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ». حيث جعل أن يتقاسم المقيم والحاج في هذه الأيام المباركات بفضائلها وسننها، لأن الذي يسر الله له الحج، فإنه يتشرف برؤية المكان المبارك، ويتعايش فيه بمناسكه وشعائره، ويتلذذ لعبادة الله وحده، فجعل للمقيم أن يتعايش مع الأيام المباركة معايشة مادية ومعنوية وكأنه موجود في الأماكن المقدسة. فالحاج بمجرد تجرده من ملابسه الاعتيادية ولبسه لباس الإحرام فإنه يمتنع عن كثير من الملذات، فكذلك المضحي بمجرد أن ينوي الأضحية فإنه يستحب له أن لا يقص شيئاً من شعره ولا من أظفاره. فقد ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أهلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ». وتجدر الإشارة هنا إلى أمور عدة، منها: إن وقت التضحية يستمر حتى مغيب شمس ثالث أيام التشريق وهو رابع أيام عيد الأضحى، إضافة إلى أن المسلم لو نوى الأضحية بعد دخول شهر ذي الحجة وقبل أول يوم العيد، فيتسحب له ما ورد سابقاً ابتداءً من وقت نيته، وكذلك فلا يمنع من التزين والاغتسال والتطيُّب خلال هذه الأيام. أعمال مستحبة أما عن الذي ينبغي على المسلم عمله خلال تلك الأيام، ذكر المرزوقي أنه من الأعمال التي يستحب للمسلم أن يحرص عليها ويكثر منها في هذه الأيام ما يلي: - أداء الحج والعمرة -إن تيسر للمسلم ذلك-، فقد ثبت في صحيح الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». - الصيام: وهو من ضمن الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم القيام بها خلال هذه الأيام، وقد أضاف الله تعالى الصيام إلى نفسه، كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، وقد ميّز النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة بميزة خاصة، أهمها غفران الذنب والتوبة إلى الله. - الصلاة والإكثار من القربات والتكبير، حيث يسن التكبير، لأن التكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة، ولا سيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من قليل فينبغي الجهر به إحياء وتذكيراً للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد بذلك التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع. إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد، فيه ثواب عظيم دل على قوله صلى الله عليه وسلم من أحيا سنة من سنتي وقد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، فليحرص المسلم على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء. والتحميد والتسبيح والذكر والدعاء. - صلة الرحم، وهو من الأعمال الفاضلة، فقد لا يجد المرء ما ينفق أو يشتري به الأضحية إلا أن الله فتح الأبواب والقنوات المتعددة ليصل المرء من خلالها إلى الله عز وجل، ومن ذلك صلة الرحم ذلك العمل الإنساني البسيط السهل الهين الذي يوصل إلى مرضاة الله دون المشقة والعناء وخصوصاً في عصرنا عصر الاتصالات. ولأهمية هذا الأمر قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه». وقال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه». ومن المعلوم أن كل إنسان يحب أن يوسّع له في الرزق، ويُؤخر له في الأجل، لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان، فمن أراد ذلك فعليه بصلة الرحم، ففيها تتأكد وحدة المجتمع الإسلامي وتماسكه كما تتأكد في الحج والمناسك وحدة الأمة، وكما تتأكد يومياً في صلوات الجماعة وحدة الأخوة، فهذا الدين لا يقتصر أمره على أمور تتعلق بالمال أو تتعلق بالبذل ولكن تربية وأخلاق وتماسك. التوبة الصادقة النصوحة وعن استعداد الناس لهذه الأيام المباركة، أورد المرزوقي، أنه لا يخفى على كل قلب عاقل، ولا يغيب عن ذهن كل فطين أن لكل موسم ولكل وقت آليات استعداد، فأهل الزراعة يستعدون للموسم بما يتطلب ذلك من استعدادات خاصة. وكذلك أهل البحر يتحينون موسم دخول البحر، والمتعلمون وأهل العلم يتحينون موسم العلم والثقافة، فكذلك يجب على المسلم أن يستقبل هذه الأيام المباركة للاستعداد النفسي والجسدي، لأنها أيام قليلة وتنقضي فلابد أن يستغلها المرء العاقل، لينال مرضاة الله عز وجل ويكسب في هذه الأيام القليلة ما لا يدركه طوال عمره. فحري بالمسلمين استقبال هذه الأيام بالتوبة الصادقة النصوحة، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى المعاصي؛ لأن للتوبة في الأزمنة الفاضلة شأن عظيم، ولأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى، وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان، فإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح فليحرص المسلم على مواسم الخير، فإنها سريعة الانقضاء، وليقدم لنفسه عملاً صالحاً؛ لأن الثواب أحوج ما يكون إليه، فضلاً عن عقد النية على اغتنام هذه الأيام بالأعمال الصالحة من قيام ليل وقراءة قرآن، وتصدق، وذكر لله عز وجل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©