الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفحوص المبالغ فيها هدر لصحة المريض وانتهاك لأخلاقيات الطبيب

الفحوص المبالغ فيها هدر لصحة المريض وانتهاك لأخلاقيات الطبيب
10 سبتمبر 2012
صداع الرأس واحتقان الأنف والإعياء قصير المدى هي أكثر الأمراض التي يشتكي منها المراجعون والمرضى. وعندما يكون المرض واضح الأعراض، يجد الطبيب سهولةً في وصف الأدوية المناسبة، فيخرج المريض راضياً مطمئناً. أما عندما تكون حالة المريض غير واضحة الأعراض، يفضل الطبيب التريث إلى أن تتضح أعراض المرض أكثر، فيشعر المريض بالاستياء والامتعاض، وقد يصل به الحال إلى التشكيك في كفاءة الطبيب. فبعض المرضى يرضون أكثر عن الطبيب الذي ما أن يذهبوا إليه حتى يصف لهم مضاداً حيوياً، ويثقون أكثر في من يحيلهم مباشرةً إلى قسم فحص الدم أو الأشعة، وكأن التسرع في توصيف المضادات والكشوف والفحوص هو معيار كفاءة الطبيب ورضى المريض. وقد جاءت حملة «اختر بحكمة» التي أطلقها المجلس الأميركي للطب الباطني لتصحيح هذا الوضع غير الصحي، ولدعوة الرعاة الصحيين والمستهلكين لخدماتهم أقدر على تغيير هذه الثقافة، وأكثر وعياً بطرق الاستشفاء الآمنة. أطلق فاعلون في قطاع الرعاية الصحية حملة جديدة لقيت دعم عدد من الجمعيات الطبية ولجان حماية المستهلك تحت شعار «اختر بحكمة». وتروم هذه الحملة تشجيع الأطباء والمرضى على حد سواء على التخلي عن هذه العادة السيئة المتمثلة في الإفراط في الخضوع للفحوص وطلب توصيف الأدوية، خصوصاً منها المضادات الحيوية التي لا تخفى أعراضها السلبية على أحد، وكذا بعض الفحوص الأكثر طلباً من المرضى مثل فحوص الكشف عن الجيوب الأنفية. إذ يُنصح بعد القبول بذلك إلا بعد مرور أكثر من سبعة أسابيع على ظهور أعراضها. وفي أبريل الماضي، نشر المجلس الأميركي للطب الباطني قائمةً تضم 45 فحصاً صنفهم الخبراء ضمن الفحوص والإجراءات الاختبارية غير الضرورية، وأدرجوا من بينها بعض الفحوص الروتينية كالتخطيط الكهربائي للقلب والتصوير الطبي للكشف عن آلام الظهر. وقد استُمدت هذه القائمة من مقالة كان الدكتور هووارد برودي الخبير في الأخلاقيات الطبية قد نشرها سنة 2010، والتي دعا فيها الأطباء من جميع التخصصات إلى معاودة التفكير في خمسة فحوص طبية مفرطة شائعة غير ضرورية، لافتاً إلى أن الاستغناء عما هو غير ضروري من الفحوص يوفر للمريض المال والصحة. وقد كانت هذه الدعوة بمثابة القداحة التي أطلقت لهباً جدلياً وصلت شراراته إلى مختلف الأوساط الطبية والمجتمعية، وأدى لاحقاً إلى اتفاق تسع جمعيات مهنية على صياغة قائمة موحدة بالفحوص غير الضرورية وإطلاق حملة «اختر بحكمة». وقد اتسقت جهود المجلس الأميركي للطب الباطني مع جهود مؤسسة تقارير المستهلك لوضع خطة تسويقية تشمل توزيع ملصقات توعية وبروشورات وبث أشرطة فيديو. وقد سارت هذه الخطة على النحو نفسه الذي سارت به الخطة الأخيرة التي كانت مراكز مراقبة الأمراض والوقاية لتحسين نظافة اليدين في المستشفيات. وهي تهدف إلى زيادة الوعي بين الجمهور في المقام الأول، ثم تغيير المعتقدات الخاطئة السائدة عندهم، ووصولاً إلى تغيير سلوكاتهم. ومن الأشياء التي ركزت عليها هذه الحملة توعية الناس بحقهم في مخاطبة الطبيب الذي يتسرع في توصيف الفحوص بالقول «توقف يا دكتور! لا أريد الخضوع لهذا الفحص!». كما تُزود الجمهور بمعلومات إرشادية عن الفحوص الشائعة، وتُشجعهم على طرح أسئلة على أي طبيب قبل الموافقة على إجراء الفحص من قبيل «ماذا سيحدث لو لم أفعل أي شيء؟». وقد تعاون عدد من مديري المستشفيات مع مطلقي هذه الحملة عبر وضع المحتويات التوعوية للحمل على شكل رسائل تفاعلية تُبَث بالصوت والصورة على مدار الساعة في الشاشات المعلقة في غرف الانتظار وعند مداخل المستشفى. كما برمجتها إدارات بعض المستشفيات على حافظات شاشات حواسيب موظفيها، فيما بعثها آخرون كرسائل إلكترونية للعاملين في قطاع الرعاية الصحية. وقد لقيت حملة «اختر بحكمة» استحسان العديد من الأطباء والمرضى والمراجعين. فقد عبر الكثير منهم عن حاجتهم لهذا النوع من الحملات لتذكيرهم، ولإعادة بعض الممارسات إلى نصابها. واعترف بعضهم أنهم كثيراً ما صادفوا مواقف يبدو فيها لقاء الطبيب مع المريض كرقصة دفع وجر، حيث يدفع كلا الطرفين في اتجاه الإفراط في الدواء والعلاج. فغالبية المرضى يطلبون فحوصاً أكثر، خاصةً أولئك الذين يشتد شعورهم بالضعف والألم، وتنتابهم هواجس ووساوس حول احتمال كون ذلك من أعراض أحد الأمراض المزمنة أو القاتلة كالالتهاب الرئوي الحاد، والسرطان، ومرض القلب. ولا يضع البعض منا في حسبانه أن الخضوع للكثير من الفحوص قد يكون ضاراً بصحتنا بسبب الإشعاع، أو آثار الأعراض الجانبية، أو بسبب حظ عاثر أوقعنا في فخاخ مختبر فحوص ربحي بامتياز يوظف قليلي الخبرة، ويعتبر كل مُراجع صيداً ثميناً من الواجب إغراقه بالفحوص التشخيصية غير الضرورية من أجل استنزاف جيبه أو جيب مؤسسة التأمين الصحي التي يتبع لها. مسؤولية مشتركة يميل بعض الأطباء إلى توصية المريض بالخضوع لفحوص أكثر خوفاً من أن يفوتوا تشخيصاً ما، أو لعدم إيجادهم الوقت الكافي للتحدث إلى المريض أو فحصه بطرق آمنة، أو رغبةً في إرضاء المريض الذي يلح على تمكينه من الخضوع لأكبر قدر من الفحوص بدعوى حاجته للاطمئنان أكثر على صحته، وليتأكد من خلوه من الأمراض المزمنة التي قد تكون كامنةً في جسده في غفلة منه. ولا بد من القول إن مثل هذه الأمور تستفحل أكثر عندما لا توجد علاقة قوية بين الطبيب والمريض. فالأطباء العاملون في أقسام الطوارئ مثلاً يكونون مطالبين بعدم قضاء أكثر من 15 دقيقة لتقرير ما إذا كان صداع الرأس الذي يشعر به المُراجع ناتجاً عن صداع نصفي أو التهاب الجيوب الأنفية، أو نزيف داخلي خطير في الدماغ. وإذا لم تكن للطبيب أي علاقة سابقة بالمريض، ومع عدم يقين الطبيب مما إذا كان هذا المريض سيعود إلى قسم الطوارئ والمستعجلات في حال ساءت حاله، فإن الخيار الأفضل يكون هو إخضاع رأس المريض لتصوير مقطعي محوسب «على سبيل الاحتياط». والجميع يعلم أنه ما من أحد سيتابع الطبيب قضائياً لكونه أوصاه بالخضوع لتصوير مقطعي محوسب «غير ضروري». ومما يؤسف له أن انتشار الفحوص غير الضرورية لا يحدث فقط بسبب القلق والإلحاح الزائدين للمريض. وإنما بسبب الممارسات الخاطئة لبعض الأطباء. فبعض إدارات المستشفيات والعيادات الخاصة للأسف الشديد تُحفز الأطباء العاملين لديها على الإكثار من توصيف الفحوص لمضاعفة عائداتها المالية، فتصبح الفحوص غير الضرورية محفزاً مادياً للطبيب يُضاعف به عمولاته وعلاواته الشهرية، ضارباً عرض الحائط ميثاق الأخلاقيات الطبية وآداب ممارسة المهنة. ولذلك نجد أن الكثير من مختبرات الفحص الخاصة تكون تابعة لنفس مالك المستشفى أو العيادة. ويحكي أحد الأطباء في واشنطن أنه يعرف طبيباً يوصي كل من يأتيه يسعُل، دون استثناء، بالخضوع لفحص الأشعة السينية وفحص العد الدموي، ويعرف طبيبَ أمراض قلب يفحص مرضى آلام الصدر ويعطيهم موافقته على الخضوع للقسطرة القلبية قبل التحدث إليهم أو الكشف عنهم. ولعل هدف هؤلاء من كل هذه الفحوص المفرطة وغير الضرورية هو مضاعفة أرباحهم على حساب صحة المريض. ومن هذا المنطلق، اعتبر عدد من حماة حقوق المستهلك وخبراء الرعاية الصحية أن حملة «اختر بعناية» هي خطوة أولى لإقناع الأطباء بتقنين ممارساتهم وتقليل توصيفاتهم الداعية لإجراء فحوص غير ضرورية، ودعوة أولئك الذين يقومون بممارسات غير أخلاقية بالكف عنها. ولا يعني ذلك بالطبع أن يكتفي المريض بمواجهة ظاهرة الإفراط في الفحوص برفض الخضوع لها، فذلك لا يمكن أن ينجح في جميع الحالات. ولكن المنشود هو تكريس نظام أفضل يقوم على مقاربات استشفائية وعلاجية تقوم على خدمة المريض بأكثر الطرق أماناً. رعاية راشدة إن النجاح في تغيير ثقافة الإفراط في الفحوص يحتم تواصل الأطباء مع بعض، وتبادلهم البيانات وأفضل الممارسات، وتنظيم الملتقيات النقاشية لتبادل الخبرات والأفكار، والاطلاع على تفاصيل أسعار الفحوص والمضادات التي يضطرون أكثر لتوصيفها للمرضى. فتوفير قاعدة بيانات محدثة تتعقب مدى لجوء الأطباء إلى الفحوص والمضادات في حيز زمني محدد، ثم تقييم المخرجات (الشفاء) على ضوء المدخلات (الأدوية والفحوص) هو الكفيل بتحسين الخدمات العلاجية ورفع جودة الرعاية الصحية. ويتطلب الأمر أيضاً العمل على مقارنة ما يصرفه المريض على المرض مع نسبة الشفاء والتعافي من المرض. وبدلاً من تقديم حوافز مادية للأطباء من أجل الإكثار من إخضاع المرضى للفحوص، يجب القيام بالعكس وتحفيز الأطباء على التقليل من الفحوص. ولتوفير شروط تحقيق أهداف حملة «اختر بحكمة»، يحتاج المرضى أيضاً إلى تغيير سلوكياتهم. فكل مريض ينبغي تشجيعه على طرح الأسئلة بشأن مخاطر كل فحص وفوائده ومدى تأثير نتائجه على صحته قبل الخضوع له. وعلاوةً على ذلك، يمكن لشركات التأمين الصحية أن تتخذ تدابير عقابية لتثبيط الإفراط في الفحوص عن طريق اقتطاع نسب أكثر للمريض الذي يكثر من الخضوع للفحوص غير الضرورية. ويتطلب الأمر وقتاً وصبراً، لكن يمكن لكل شخص أن يبدأ بخطوات بسيطة، ويمكن لكل طبيب أن يبحث عن طرق تواصلية أكثر إقناعاً وحجيةً، وأن يناور المريض الملحاح ويراوغه في سبيل صحته. وتقول كريستين كاسيل، رئيسة المجلس الأميركي للطب الباطني «إن هدف الحملة ليس الحد من الفحوص الطبية، وإنما تقرير مدى الحاجة للخضوع لفحص أو علاج. ففي نهاية المطاف، حينما يتفق الطبيب مع المريض على الاستغناء عن فحص ما، فذلك لا يعد رعاية ناقصة، بل رعاية راشدة». هشام أحناش عن «واشنطن بوست» سراب الفحوص قد يشعر أي أب عند أخذ طفلته المريضة إلى المستشفى بالإحباط إنْ تركه طبيب أطفال مختص بعلاج آلام الأذن يغادر دون أن يصف له أدوية أو مضادات. فعندما نزور الطبيب، نرغب دوماً في أن نعود محملين بالأدوية، حتى لو كانت فوائدها غير مؤكدة أو هامشية، ولا نأبه إنْ تعافينا قبل البدء بتناولها. ويطلب الكثير من المرضى أن يخضعوا لفحوص واختبارات، وهم عادةً ما يلقون تشجيعاً من الطبيب لفعل ذلك. ما يؤدي في النهاية إلى تكبد جيب المريض أو شركة تأمينه مصاريف كثيرة في فحوص غير ضرورية، وقد يكلف صحته غالياً بسبب تأثره بالأعراض الجانبية للفحوص للفحوص السينية والمغناطيسية والليزرية والشعاعية وغيرها. وقد أظهرت بعض الدراسات أن قرابة 30% من مصاريف الرعاية الصحية في المجتمع الأميركي تُسخَر في فحوص غير ضرورية. ما يعني أن صندوق الرعاية الصحية يخسر 700 مليون دولار سنوياً بسبب هذه الفحوص والاختبارات غير المجدية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©