الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كنيسة المهد وبيت لحم ملتقى العقائد على مر التاريخ

كنيسة المهد وبيت لحم ملتقى العقائد على مر التاريخ
6 مارس 2009 23:49
المدينة والكنيسة، من أهم المعالم الدينية والمزارات السياحية على أرض فلسطين العربية، فالمدينة واسمها بيت لحم عربية آرامية قديمة، فاسمها يعني حرفيا في اللغة الآرامية بيت الخبز، كما عرفت أيضا باسم افراتة أي المثمرة، ويشير ذلك إلى أنها مكان يرحب بالغرباء لكثرة خيراته، وقد كانت بآبار مياهها العذبة الموجودة الى اليوم، واحة قل أن يوجد مثيل لها في تلك المنطقة الواقعة بالضفة الغربية، جنوبي مدينة القدس· عرفت بيت لحم في التاريخ القديم بأنها مسقط رأس داود عليه السلام، ثم لعبت الاقدار دورا مهما في ان تكون مسقط رأس السيد المسيح عليه السلام، وكذلك كانت السيدة مريم العذراء من نسل داود، وفي بيت لحم جاءها المخاض وولد السيد المسيح عليه السلام في مغارة صارت فيما بعد أكثر البقاع قدسية لدى النصارى في كل أرجاء العالم· أما كنيسة المهد، فتاريخها يبدأ من العام 330 م عندما قام الامبراطور البيزنطي قسطنطين ببناء هذه الكنيسة بعدما اصبحت المسيحية ديانة رسمية لدولته· وقد جاء البناء استجابة لطلب الاسقف مكاريوس خلال اجتماع المجمع المسكوني الاول عام 325 م· وتعد الكنيسة واحدة من اقدم كنائس فلسطين والعالم اذ كانت اول ما شيده قسطنطين من الكنائس في مطلع القرن الرابع الميلادي، حسبما أوصته بذلك الملكة هيلانة· ومن المعروف أن الملكة زارت الأراضي المقدسة في عام 326 م لمشاهدة الأماكن التي إليها صلة بحياة السيد المسيح عليه السلام، ومن ضمن ما شاهدته مغارة على مشارف بيت لحم، وطبقا لرواية الجماعات المسيحية القاطنة هناك اعتبرت هذه المغارة المكان الذي ولد به السيد المسيح· وقد حرص قسطنطين عند تشييده لكنيسة المهد، على أن يحوي البناء في الاساس مثمنا فيه فتحة تؤدي الى مغارة الميلاد، حيث يوجد الآن المذود· بالاضافة الى بازيلكا كبيرة تنتهي بمهبط محاط بالأعمدة وهو يطل على مدينة بيت لحم· ولكن الكنيسة الأولى دمرت خلال ثورة اليهود السامريين بين عامي 521 و528م واضطر الامبراطور البيزنطي جستنيان الى اعادة بنائها في نفس موقعها القديم ولكن بمساحة أكبر، وكان ذلك في سنة 535م· ثم تعرضت لبعض الاعتداءات في السنوات اللاحقة، ففي سنوات الحرب بين الفرس والبيزنطيين احتل الفرس فلسطين، وكما دمروا كنيسة القيامة بالقدس، قاموا بهدم بعض أجزاء من كنيسة المهد في بيت لحم في 614 م وان لم يدمروها كليا، اذ ابقوا على بعض مباني الكنيسة البزينطية عندما شاهدوا نماذج من الفن الفارسي القديم على أعمدة وجدران الكنيسة· ومن المعروف أن الروايات التاريخية تتحدث عن زيارة قام بها المجوس من أتباع زرادشت للتحقق من نبوءته بمولد نبي ظهر في الشرق نجم يشير لمولده، وقد اتبع هؤلاء هذا النجم حتى وصلوا الى مغارة المهد ونقشوا هناك بعض رسومهم الدينية عقب سجودهم عند قدمي عيسى عليه السلام· وخلال الحروب الصليبية احتلت الجيوش الغازية مدينة بيت لحم، وعندها وجدوا في مظهر كنيسة المهد وعمارتها الخارجية الشبيهة بالحصون والقلاع مكانا مناسبا لإدارة معاركهم، وهو ما ألحق بعض الأضرار ببناء الكنيسة وعناصرها القديمة المعمارية والزخرفية على حد سواء· وتبدو الكنيسة اليوم على شكل بازيلكا وصحنها المستطيل الأبعاد 33*26 م له أعمدة رخامية على الجانبين ارتفاع كل عمود منها حوالي 6 م، وهي ذات تيجان ويصل عددها الى اربعين عامودا، وتتوزع على صحن البازيلكا بواقع صفين من الاعمدة على كل جانب، مما يقسم بناء الكنيسة الى خمسة اروقة مغطاة بأسقف خشبية· وفوق الأعمدة نجد جدارين يصل ارتفاعهما الى 10 أمتار وفوقهما 11 شباكا في كل جهة وبالكنيسة هيكل أوسط له حنية شرقية· وتحت هيكل البازيلكا توجد مغارة المهد ولها بابان أحدهما للدخول والآخر للخروج وكان الدخول اليها قديما يتم دون استخدام درجات سلم للهبوط، ولكن توالي الأزمنة أدى الى ارتفاع مستوى الارض خارجها، مما أوجب استخدام درجات السلم الحالية للهبوط الى المغارة، وهذه الدرجات من الرخام الابيض· ولما كانت المغارة من صخر جيري لين، فقد تمت تقويتها بدعائم تحمل عقودا، وهو ما أدى بالطبع الى تقليل مساحتها التي تبلغ 12,5م طولا و3 امتار عرضا· وإلى الشرق يوجد تجويف مستدير في الصخر ينزل اليه بثلاث درجات سلم وضع فيها مذود من الرخام الابيض، باعتبار أن السيد المسيح وضع في مزود عقب ولادته لأن المغارة كانت تستخدم وقتذاك كإسطبل للحيوانات، وتتوسط المذود نجمة فضية ثبتت بمسامير منقوش عليها عبارة باللاتينية منذ عام ،1717 ونصها هنا قد ولد يسوع المسيح من العذراء مريم · ونظرا لهشاشة الاحجار الجيرية في داخل المغارة فقد كسيت بعض جدرانها بالرخام الابيض، فيما تركت بقية الجدران على حالتها الصخرية الاولى، ويزين الكهف المعتم خمسة عشر قنديلا تمثل الطوائف المسيحية المختلفة، بالاضافة الى عدد كبير من صور وأيقونات القديسين· وفي آخر المغارة من الجهة الشمالية، نجد بابا يقود الى هيكل القديس يوسف النجار، وقد شيد تذكارا للحلم الذي رآه هناك بضرورة الهرب بالسيد المسيح وامه مريم الى مصر فرارا من وجه الطاغية الروماني هيرود الذي كان يبحث عن النبي الطفل لقتله· وتحتل كنيسة المهد مكانة خاصة في قلوب المسيحيين حول العالم باعتبارها مهد السيد المسيح عليه السلام، بالاضافة إلى أنها أقدم كنيسة بالعالم وأن الطقوس الدينية تتم فيها بانتظام منذ مطلع القرن السادس الميلادي في أعقاب تشييد جستنيان لمبانيها الحالية· وتعد كنيسة المهد مجمعا دينيا كبيرا، فبالاضافة الى البازيلكا ومغارة المهد توجد مجموعة من الاديرة والكنائس الاخرى التي تمثل مختلف الطوائف المسيحية· فهناك كنيسة سانت كاترين للاتين وقد شيدت خلال الاحتلال الصليبي لمدينة بيت لحم على أنقاض كنيسة قديمة شيدتها القديسة باولا في القرن الرابع الميلادي بنفس الاسم· وهناك ايضا الدير الارثوذكسي في الجنوب الشرقي لكنيسة المهد والدير الارمني في الجنوب الغربي منها، فضلا عن دير للفرنسيسكان في الجهة الشمالية من الكنيسة، وقد شيد بتصريح من السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون في سنة 1347م· وتعود قصة هذا الدير الاخير الى الطلب الذي تقدم به للسلطان ملك نابولي ربورت دون جون في سنة 1333م للحصول على تصريح بإقامة عدد من الرهبان الفرنسيسكان في كنيسة المهد والعديد من اديرة القدس حتى يصبح لهم تمثيل دائم في الاراضي الفلسطينية· وتقام الطقوس الدينية في كنيسة المهد حسب تقاليد كنيسة الروم الارثوذكس اليونانية وهي تحوي زوايا للطوائف الشرقية المختلفة مثل السريان والارثوذكس والاقباط والأرمن الارثوذكس وغيرها· وتشهد ساحة المذود ازدحاما هائلا في اثناء احتفالات الكريسماس ولم يسبق ان انخفضت اعداد الزوار في هذه المناسبة الا في مطلع العالم الحالي نتيجة لأحداث العدوان الاسرائيلي على غزة· ومن المعروف أن كنيسة المهد قد تعرضت في ابريل عام 2002 لمحنة كبرى عندما لجأ اليها بعض الفلسطينيين فرارا من القوات الاسرائيلية اثناء انتفاضة الاقصى، ورفض رهبان الكنيسة تسليمهم للسلطات الاسرائيلية التي اعتدت عليهم وعلى بعض محتويات الكنيسة عندما اقتحمتها دون ادنى اعتبار لقدسيتها ورغم كل الاعتراضات الدولية تم قتل بعض الفلسطينيين وأرغم الآخرون على مغادرة الاراضي الفلسطينية باتجاه قبرص واليونان، فيما أودع عدد آخر من الفلسطينيين في المعتقلات الاسرائيلية· وتجدر الاشارة الى ان كنيسة المهد تشهد في اعقاب الاحتفال بأعياد الميلاد مشادات ومشاجرات بين الرهبان من مختلف الطوائف بخصوص تنظيف مغارة المهد، وهو ما يستدعي دوما تدخل الشرطة لفض الاشتباكات ليعود الوئام بعدها بين الكافة بقية أيام السنة· وتبقى مدينة بيت لحم الأقدم والأكثر قداسة من بعد القدس، فقد كانت مقرا لمعبد أدونيس على مقربة من موقع كنيسة المهد الحالية، وبالمدينة قبر راحيل زوجة يعقوب عليه السلام ويوقره المسلمون والمسيحيون واليهود وكان اليهود في عام 1841م قد استطاعوا بواسطة الثري اليهودي الانجليزي مونتي فيولي الاستيلاء على مفاتيح قبر راحيل وبنوا أمامه غرفة توازيه طولا وعرضا واستخدموها للصلاة ومازال اليهود يزورون هذا القبر الى اليوم بعد أن تم تسليم بيت لحم للسلطة الفلسطينية
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©