الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدانة العالم وتغييره.. بالشعر

إدانة العالم وتغييره.. بالشعر
15 ديسمبر 2010 19:53
poetry “شعر” هو الفيلم الفائز الكوري الجنوبي بجائزة أحسن سيناريو في مهرجان “كان” 2010. وهناك من النقاد من جزم بأنه أجمل الأفلام التي تم عرضها في المسابقة الرسمية للمهرجان، إنه فيلم لا يمكن أن يروى بل يشاهد لجمال مشاهده ورقة صوره وشاعرية حواره، وقصته تتحدّث عن فتاة مراهقة تمّ اغتصابها جماعيا، ويتبع ذلك انتحارها برمي نفسها في النهر الذي يشق المدينة الصغيرة التي تعيش بها، ولكن عنوان الفيلم لا يشير إلى هذه الحادثة الفظيعة، فالشريط يحمل عنوان “شعر” لأنّ الشخصية الرئيسية للفيلم هي امرأة في الستين من عمرها اسمها (ميجا) قادتها الصدفة إلى دار الثقافة في مدينتها لمتابعة دروس في الشعر، ولأول مرة في حياتها تدفق إحساسها المرهف واحست أن بإمكانها أن تقول أبياتا شعرية، فالأستاذ الذي كان يلقي دروسا على مجموعة من الكهول حول الشعر كان يقرب إليهم مفهوم الشعر ببساطة من خلال التأمل في وردة أو تفاحة ليخلص إلى الحديث عن جمال الأرض والطبيعة والعالم، وكان يقول لهم: المهم ليس أن تقول شعرا، ولكن الأهم هو إحساسك بالحاجة إلى أن تكتب قصيدة بعد أن يغمرك الأحساس بجمال مكان أو شخص أو بعد تدفق مشاعرك وانت تتأمل في جمال شجرة أو نهر أو حتى سنبلة. هذا الفيلم الكوري يخرج عن المألوف، فصوره جاءت جميلة كماء رقراق من عين صافية، والمخرج “لي شانغ دونغ” (57 عاما) Lee chang dang هو في الأصل كاتب ومؤلف وتولّى منصب وزير الثقافة في كوريا الجنوبية من سنة 2003 إلى 2004. وقصة الفيلم هي قصة حقيقية، فالفتاة المراهقة التي تم اغتصابها كانت ولمدة أسابيع محل تعليق كل الصحف الكورية، ويبدأ الشريط بمشهد غير معتاد في السينما الغربية: ففي قاعة انتظار بأحد المستشفيات الكورية، يظهر جهاز التلفزيون مشهد أم فلسطينية تبكي بحرقة ابنها الذي اغتاله الإسرائيليون، ولكن المرضى الذين كانوا منشغلين بآلامهم لم يولوا أي أهمية لمشهد الأم الملتاعة، ثم تنقل الكاميرا مشهد بطلة الفيلم “ميجا” عند التقائها بأم في الشارع تبكي ابنتها التي تم اغتصابها والقت بنفسها في النهر لشعورها بالعار والفضيحة والظلم. لم يكن بين “ميجا” وهذه المرأة التي اعترضتها صدفة في الشارع أي علاقة في بداية الفيلم، ولكن شيئا فشيئا، وكلما تقدمت الأحداث تنسج علاقة بين المرأتين ويتخلل ذلك تساؤلات حائرة يسربها المخرج عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وعن الأخلاق والمشاعر الإنسانية في حياتنا اليومية. والحقيقة أن هذا المخرج، وهو في الأصل كاتب شهير قد حلل في رواياته نفس هذا الهم الإنساني وهو يتساءل: “ما هو الهدف من الكتابة وماهو الهدف من الصورة أو الكلمة؟ هل هي قادرة على تغير العالم؟ وهل يمكن للشعر اليوم أن يغير ولو تغييرا طفيفا المجتمع نحو الأجمل والأفضل؟” هذه هي الأسئلة الّتي أراد المخرج في فيلم “شعر” أن يلقيها من خلال أشخاص وأحداث، بعضها حقيقية وبعضها محض خيال. و”ميجا” بطلة الفيلم اكتشفت بأنها مريضة بداء الزهايمر، وامتلكتها رغبة جامحة في أن تغتنم ما بقي لها من عمر في خدمة الناس والاستمتاع بالحياة ليصبح العالم أجمل لحفيدها الذي يعيش معها، ومن خلال العلاقة بين الجدة وحفيدها يحاول المخرج أن ينفذ إلى مسألة صراع الأجيال. لقد نجحت الممثلة يون يونغ في تجسيد دور “ميجا” وذلك بادئها الذي كان مزيجا من الرقة والقوة، والفيلم ينفذ إلى وجدان المشاهد بفضل بساطته في الطرح وشاعريته، فالمأساة مؤلمة وموجعة، ولكن الأحداث المرافقة لا تخلو من شاعرية. تعيش “ميجا” مع حفيدها التلميذ. هي امرأة في الستين من عمرها يملؤها الفضول، وهي مهتمة بشكلها، وفي هذا الجو الشاعري أصبحت لها نظرة أخرى لكل ما حولها باحثة عن مواطن الجمال في كل ما يعترضها، وذلك عملا بنصيحة أستاذ الشعر، وتكتشف أنها طالما شاهدت مواقع وأماكن وأشياء لم تولها في السابق أي اهتمام يذكر، وفجأة وعندما أخذت تتمعن فيها اكتشفت إنها مفعمة بالجمال. وفي غمرة هذه الأحاسيس الجميلة للمرأة جد حادث قلب حياتها رأسا على عقب وجعلها ترى أن الحياة ليست جميلة كما كانت تعتقد، فقد علمت أن حفيدها التلميذ المراهق الذي يعيش ويقيم معها في نفس البيت مورط في عملية اغتصاب جماعية لتلميذة مراهقة انتحرت نتيجة هذا الاعتداء الذي حصل لها، وتعمد المخرج إظهار عدم مبالاة أولياء الشبان الستة الذين اغتصبوا الفتاة المراهقة باستثناء “ميجا”، كما نقل الفيلم حوارا عن إمكانية شراء صمت الأم الفقيرة وهكذا فالفيلم يغوص بشاعرية في مأساة محورها الحياة والموت والمخرج في هذا الفيلم الجميل يدين هذا العالم الّذي يخضع إلى قانون السوق دون إيلاء القيم أهمية تذكر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©