الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الرواية تقرع طبول الحرب كما لم يفعل التاريخ

الرواية تقرع طبول الحرب كما لم يفعل التاريخ
4 أكتوبر 2014 22:25
هيثم حسين في كتابه الجديد «الروائي يقرع طبول الحرب» الصادر حديثاً عن دار «ورق» للنشر والتوزيع، يقدم مقاربة فكرية، تأملية ـ إن صح التعبير ـ في ما يمكن أن نسميه، موضوعة دور الأدب في استعادة إنسانية الإنسان بالمعنى الجمالي بأبعاده الفنية والأخلاقية والدينية، المستلبة أو المغربة قسراً، تحت وطأة التغول أو التوحش والإجرام، الذي ينجم في الغالب عن الصراعات والحروب بكل أشكالها الإثنية والعرقية أو القومية أو الطبقية، أياً كانت اليافطات أو الشعارات البراقة التي ترفعها، سواء أكانت بمضامين دينية، كما كان عليه الأمر في القرون الوسطى، أم بمفاهيم ومصطلحات اجتماعية، مثل قيم الحرية والعدالة والمساواة، كما في الثورة الفرنسية وما تلاها من حروب حتى اللحظة الراهنة. يدخل الكاتب إلى موضوعه من بوابة الرواية بشكل خاص، كونها تقوم على الحكاية. والحكاية هي في العادة تحكي أو تسرد سيرة الناس، من باب «الفضفضة» والتفريج عن الذات أو البوح بالمكبوت، بهدفين، إما الكشف عن مخبوءات الذات والإضاءة على عتماتها وإشراقاتها في آن واحد، أو استعادة النماذج الإنسانية اللافتة بمُثُلها وقيمها وبطولاتها النادرة. وهي في كلا الحالين تسعى لمواجهة القباحات أو المظالم التي تغور جروحها وأوجاعها عميقاً في الروح الإنسانية. وبالمقابل يستقبل المتلقي الحكاية بشغف من باب الفضول أو التلصص على الحيوات الأخرى حتى ولو كانت في الأزمنة الغابرة، مدفوعاً بهاجس وحيد، هو بعث الحلم وقدح شرارة الأمل، الذي يجعل الحياة ممكنة. وكون الرواية هو المدى الأرحب أو الأوسع والأشمل لتعدد أساليب السرد ومستويات التعبير أو البوح والحكي، فتصبح الحكاية بكل أشكالها أو فنونها بمثابة دروس وعِبَرٍ ملهمة، تفتح أبواباً واسعة للتدبر والتفكير بالمصائر والأقدار بغرض النجاة من العسف، وصناعة المسرة ومن ثم الارتقاء بإنسانية الإنسان وتعمير الأرض بالسلام. قانون الحياة ولما كان الخراب الأكبر بالعمران أو الإنسان ينتج عن الحروب، كان لابد للرواية أن تتصدى لها، فتعري كوارثها وتفضح أطماعها، وفي الوقت عينه ترفع رايات التنبيه والتحذير من شرورها وأخطارها المحدقة على الدوام بمستقبل البشرية. وهذا ما قام به عدد كبير من الكتاب والمبدعين شرقاً وغرباً، فيستهل الكاتب هيثم حسين دراسته مستأنساً بآراء المفكر، الفيلسوف تزفيتان تودروف، التي ضمنها كتابه «الأمل والذاكرة»، الذي يخلص به إلى أن «ظهور الاستبداد وتلاشي الفردانية الخلاقة يشكل جزءاً كبيراً من تدمير المجتمع». ويلاحظ أن الحروب في القرن العشرين أهلكت ما يزيد على خمسين مليون إنسان، وأن جميعها وقعت بأهداف التسلط والهيمنة أو السيطرة، كما هو الحال على مر التاريخ. ما يعني أن «الحرب هي قانون الحياة»، وأن «مسألة التصنيف الطبيعي أو (مقولة) البقاء للأقوى، ومدى تطبيقها على المجتمعات البشرية، تتكرر. ويتناول حسين عبر خمسة فصول، قدرة الرواية على النجاح بامتياز، في الإضاءة على ضحايا الحروب، من خلال قراءة تحليلية عميقة في نصوص «الطائر المصبوغ» للبولندي ييجي كوشينسكي، و«الأرواح الرمادية» للفرنسي فيليب كلوديل، و«هيجان» للإسباني جوزيه لويس دي فيلالونغا، و«طيران إلى آراس» للفرنسي انطوان دي سانت اكسوبري، و«ليلة لشبونة» للألماني إريش ماريا ريمارك، و«مثلاً أخي» للألماني أوفا تيم، و«الشقيقتان» للإيطالية كريستينا كومنشيني، و«موطن الألم» للكرواتية دوبرافكا أوجاريسك، و«سراييفو قصة حصار وحب» للبوسني آدين كريهيتش، و«ربيع بزاوية مكسورة» للأرغواني ماريو بنيديتي، و«1473» للتركي بيدبا سيلان فوزيلس، و«رواد العتمة» للفرنسية شانتال شواف، و«ألف منزل للحلم والرغبة» للأفغاني عتيق رحيمي، و«موسم الفوضى» للنيجيري وول سوينكا، و«خط الحدود» للفرنسية من أصل لبناني ياسمين شار، و«خطوط النار» للسوري فواز حداد، و«ديناميت» للسوري زياد عبدالله، و«زمن الموانع وجوزيف مُلاح البنات» للسودانية شامة ميرغني، و«حرب تحت الجلد» لليمني أحمد زين. ألغام موقوتة ويخلص الكاتب إلى أن الرواية بلغتها السردية ومخيالها الفني الماتع تقوم بوظيفتها الجمالية والمعرفية، وتعري بشاعة أو قباحة الحروب كما لم يفعل التاريخ، وفي الوقت عينه تطلق صرخة إنقاذية مدوية أعلى وأكثر تحذيراً من صوت التاريخ نفسه؛ كونها تفيد بوضوح أن الحروب تأكل مستقبل البشرية لأن أبرز ضحاياها هم الأطفال. معتبراً أن جيل الغد يفقد براءته. أطفال المستقبل يقعون ضحية الأسلحة والحروب والنزاعات التي يجدون أنفسهم في أتونها. وهذا ما يزرع المستقبل بالكثير من الألغام الموقوتة التي ستنفجر تباعاً لاحقاً؛ وذلك حين يتحول أولئك الأطفال من حملة السلاح إلى متحكمين برقاب الناس وزمام الأمور؛ لأنهم حينها سيكونون متسلحين برغبات القتل والانتقام والبحث عن الغرائز العدوانية والهمجية دون ضابط أورادع، ولاسيما أنهم يحرمون من العلم وحنان الأهل والتوعية المطلوبة، ما ينذر بتلغيم المجتمعات التي شهدت هذه الحالة؛ بالكثير من الرجال المستقبليين الأشرار، هذا إن لم يتم إسعافهم وإنقاذهم من جنون السلاح والعسكرة وشراسة المعارك ووحشية القتال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©