الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القراءة واقفاً

20 سبتمبر 2011 23:09
بسبب ضيق ذات يدينا كنت وصديق لي أيام الدراسة الجامعية نقرأ الكثير من الكتب في المكتبات العامة، وكثيراً ما كنا نقرأ بعضها الآخر واقفين على أرجلنا، ساعات طوالا، بحجة الاطلاع على الكتاب ومحتوياته، وقد تنبه كثير من أصحاب المكتبات لأمرنا، وكانوا على فريقين، فمنهم ممن يعملون بأجر وليسوا أصحاب المكتبة كانوا يغضّون الطرف عنا، ويقدمون لنا ما نحتاج إليه من الكتب، وكم كنا نحس بالحرج لأننا غير قادرين على شراء ما نحتاجه من المراجع، على الرغم من أننا كنا موظفين إلى جانب دراستنا، ولكن الراتب لا يغطي التزاماتنا العائلية بالصرف على أسرنا، ومصاريفنا الجامعية، أما الفريق الثاني من أصحاب المكتبات فكانوا على فريقين أيضاً، فريق جشع يمنعنا بكل قسوة :”نحن فاتحين للبيع مو سبيل، إما أن تشتروا الكتاب أو هوّونا، يعني افرقونا بريحة طيبة، وبالعربي: افرنقعوا عنا”! وفريق يقدّر العلم وطلابه، فتح لنا مكتبته، ومهّد كل السبل أمامنا لاستعارة الكتب وأخذها إلى بيوتنا تشجيعاً لنا، وظلت تربطنا بهم علاقة إنسانية علمية بعد تخرجنا، وكانوا أصحاب فضل علينا ويفخرون ويتفاخرون بنا أمام أصحابهم، وعرفاناً بفضلهم وضعنا نفسينا تحت تصرفهما مستشارين ثقافيين.. ما دفعني لحديث ذكريات البؤس والشقاء ما شاهدته من مبادرة طيبة في إحدى مكتبات بيع الكتب، حيث خصصت مقاعد للجلوس والقراءة والمطالعة، وهي لفتة وخطوة طيبة حتى وإن كان الهدف منها تجارياً. قال الحضرمي: أقمت مرة بقرطبة ولازمتُ سوق كتبها مدّة أترقّب فيه وقوع كتاب كان لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع، وهو بخط فصيح وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح، وجعلت أزيد في ثمنه فيرجع إليَّ المنادي بالزيادة عليّ، إلى أن بلغ فوق حدّه، فقلت له: ما هذا؟ أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى بلغه إلى ما لا يساوي. فأراني شخصاً عليه لباس الرئاسة، فدنوت منه وقلت له: أعزّ الله سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركتُه لك، فلقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حدّه. فقال لي: لستُ بفقيه، ولا أدري فيه، ولكني أقمتُ خزانة كتب، واحتفلتُ فيها لأتجمّل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب. فلما رأيته حسن الخط، جيّد التجليد، استحسنته، ولم أبال بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم به من الرزق فهو كثير. فأحرجني وحملني على أن قلت: نعم، لا يكون الرزق كثيراً إلا عند مثلك، يعطي الجوز من لا أسنان له! وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب وأطلب الانتفاع به، تحول قلّة ما بيدي بيني وبينه! إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©