الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا والحاجة للمهاجرين

13 سبتمبر 2015 02:46
سرعان ما أصبحت صورة الطفل السوري القتيل الذي دفعت جثته التيارات البحرية إلى الشواطئ التركية، رمزاً لما يسمى «مشكلة المهاجرين» أو «أزمة اللاجئين» إلى أوروبا. وربما يكون هذا الصبي الضحية ذاته جزءاً من الحلول للمشاكل التي تعاني منها القارة لو تمكن من الوصول إليها سالماً.وتكمن الأزمة الأساسية في أن عدداً قليلاً فحسب من الأوروبيين يدركون هذه الحقيقة،ومن المعروف لعامة الناس أن أوروبا تتحول بالتدريج إلى قارة عجوز. وبحلول عام 2050، سيبلغ 28? من سكان دول الاتحاد الأوروبي سنّ التقاعد أو يقتربون منها. وفي ألمانيا واليونان والبرتغال وسلوفاكيا وإسبانيا، سوف تبلغ نسبة المتقاعدين ثلث عدد السكان في ذلك العام، مقارنة بنسبتهم الراهنة والبالغة 20? أو أقل. وبناءً على تقرير معدل الشيخوخة لعام 2015 الصادر عن المفوضية الأوروبية، سوف يرتفع معدل الاعتمادية على السكان الذين تجاوزوا 65 عاماً، إلى 50.1? بحلول عام 2060 بعد أن بلغ معدلهم 27.8? حالياً، وسوف تتم إضافتهم إلى الشرائح الفعّالة اقتصادياً، والتي تتراوح أعمارها بين 15 و64 عاماً. وتؤدي شيخوخة السكان إلى تخفيض معدل النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بنحو 0.2? سنوياً، إلا أن هذه المشكلة لم تبلغ مستوى الخطورة الحقيقية حتى الآن، وسوف يحدث هذا عندما يتحول قانون التقاعد إلى نظام غير مستدام في المستقبل غير البعيد. وحتى تتمكن أوروبا من الإبقاء على معدل الشريحة الفعالة اقتصادياً ثابتاً، فإنها تحتاج إلى زيادة في أعداد السكان الأقل عمراً بمئات الملايين في كل عقد عن معدل الزيادة الراهنة. ولا تتوافر أي طريقة لزيادة عدد سكان دول الاتحاد الأوروبي بنحو 42 مليون ساكن جديد بحلول عام 2020، وبنحو 257 مليوناً عام 2060، ولن يكون في وسعك أن تجبر الناس على إنجاب عدد أكبر من الأطفال. ولهذا السبب، أصبحت زيادة معدلات الهجرة إلى أوروبا هي الحل الوحيد لتجنب كارثة مالية واقتصادية أوروبية مقبلة، وهنا تكمن حاجة أوروبا لاستثمار قصة الصبي السوري. وسوف تحتاج للمّ شمل كل أولئك الذين يركبون القوارب المثقوبة باتجاه «لامبيدوزا»، أو يمتطون حافلات صدئة باتجاه برلين أو لشبونة أو مدريد. وأغلب هؤلاء النازحين من شرائح الشبّان أو الأطفال الذين فقدوا آباءهم وذويهم، والذين ستحتاجهم أوروبا لحل مشكلة زيادة معدلات المتقاعدين لو عرفت كيف ترعاهم وتؤهلهم على النحو السليم. وفي الأحوال العادية، تنخفض نسبة الفعالية الاقتصادية لسكان أوروبا من المهاجرين الذين بلغوا سن العمل والإنتاج، عن نسبة فعالية السكان المولودين في القارة ذاتها. وتعتمد الفعالية الإنتاجية على العديد من العوامل التي تتراوح بين صعوبة تعلم اللغة الوطنية، وبين العوائق التي تضعها القوانين واللوائح في طريق العمال المهاجرين، فضلاً عن ظاهرة «رهاب الأجانب» التي تسود مجتمعات الغرب عموماً. وفي إيطاليا، تتوزع نسبة من يكسبون الرزق من عملهم بين 72? للمهاجرين القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي، و67.1? للسكان الأصليين، ولا تكاد هاتان النسبتان تختلفان كثيراً في بقية دول الاتحاد الأوروبي. وعلى أن أولئك الذين بلغوا من مستويات الشجاعة والذكاء ما يكفي لدفعهم للسفر مع أبنائهم لمسافات بعيدة، وهم لا يمتلكون إلا القليل من المال، سوف يستغلون أية فرصة تُتاح لهم لإثبات جدارتهم وفعاليتهم. ولا شك أن الدول التي تعاني انخفاض الإنتاجية سوف ترحّب بهذا التنافس المتزايد في سوق العمل حتى لو استثار حفيظة معارضي الهجرة، خاصة في دول أوروبا الشرقية. وسوف يساعد المشهد المروّع للطفل «أيلان كردي»، وهو مستلقٍ على وجهه فوق أحد الشواطئ التركية، على تغيير موقف الرأي العام العالمي من قضايا الهجرة بشكل جذري. ومن ذلك مثلاً أن أكثر من 170 ألف مواطن بريطاني وقّعوا عرائض على خط الإنترنت تدعو حكومتهم للموافقة على استضافة عدد أكبر من اللاجئين، وهو عدد كافٍ لإثارة الموضوع على المستوى الرسمي في مجلس العموم. وفي آيسلندا، بلغ عدد موقعي العرائض المماثلة 15 ألفاً دعوا حكومتهم من خلالها إلى توسيع بوابات دخول المهاجرين إلى أراضيها. وربما لا يكتشف المصابون بداء «رُهاب الهجرة» الأهمية الاقتصادية لظاهرة الهجرة الجديـدة، لكن أهميتهــا تبقى حقيقة واقعة لا جدال فيها. ليونيد بيرشيدسكي* *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©