الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بني سويف.. محافظة مترعة بالتاريخ وإفرازاته الحضارية

بني سويف.. محافظة مترعة بالتاريخ وإفرازاته الحضارية
15 سبتمبر 2013 20:12
تزخر مصر بالكثير من المناطق السياحية المتميزة لكن تظل لمحافظة بني سويف (120 كيلومتر جنوب القاهرة) بريقها الخاص لاسيما لمن يعشقون المحميات الطبيعية والكهوف النادرة والآثار الفرعونية ويهتمون بأسرار الأهرامات، وكيف توصل المصري القديم لبنائها، وما المراحل التي اجتازها للوصول إلى الصورة التي بات العالم يعرفها الآن عنها حيث يتواجد على أرضها هرم ميدوم الفريد من نوعه كونه الهرم الوحيد في العالم الذي بني على شكل مكعب. محمد عبدالحميد (القاهرة) - تبدو بني سويف على الخريطة الجغرافية لمصر بمثابة شريط ممتد بمحاذاة نهر النيل بطول 82 كيلومترا مما سمح لضفتي النهر وحركة تدفق الماء بأن يضيفا مزيدا من السحر والجمال على تلك المحافظة التي تبلغ مساحتها 10954 كم2، ويفخر سكانها، وعددهم قرابة 3 ملايين نسمة، بالقدم التاريخي لمدينتهم وبما تتمتع به من مزارات دينية وسياحية تنتشر بشتى أنحاء المحافظة من ميدوم إلى أبوصير الملق وإهناسيا ومحمية كهف سنور. الاستثمار السياحي تعمل الأجهزة الحكومية ببني سويف حاليا على عدة مشروعات طموحة، تهدف إلى ترسيخ مفهوم الاستثمار السياحي، وزيادة أعداد السياح للمحافظة ما يعود على الاقتصاد المصري بالخير وذلك من خلال الاستفادة القصوى من إمكانيات المحافظة الأثرية والجغرافية؛ وذلك بحسب محافظ بني سويف المستشار مجدي البتيتي، الذي أكد أنه يعمل على أن تستفيد بني سويف من إمكانياتها السياحية التي لا تتوافر في أي مكان آخر بالعالم، لافتا إلى أن إمكانيات بنى سويف لا تقتصر فقط على السياحة وإنما هناك أنشطة اقتصادية عدة على أرضها في مجالات صناعة الأسمنت والطوب الطفلي والنسيج والتعدين والأجهزة الإلكترونية، إلى جانب مجال الزراعة حيث تتميز بإنتاج الثوم والبصل والشمام ودوار الشمس والذرة والنباتات الطبية والعطرية، وتنتج نحو 25 في المائة سنويا من إنتاج مصر من النباتات الطبية ويتم تصدير غالبيتها إلى أوروبا وأميركا. وتعد بني سويف بمثابة متحف كبير مفتوح لما تضمه من آثار مختلفة لكافة العصور التي مرت بها مصر وبها كثير من الكنوز والآثار النادرة على مستوى العالم وهو ما دفع بفريق من أهلها للعمل في مجال السياحة والاستفادة من خيرات مدينتهم. وتتمتع محافظة بني سويف بوجود شبكة من الطرق الرئيسة السريعة التي تربطها بمدن صعيد مصر ودلتا النيل وتيسر على زائريها التنقل بسهولة للاستمتاع بمزاراتها السياحية المختلفة. «محبوب الإله» يتناقل أهل بني سويف حكايات كثيرة عن الفراعنة واللعنة التي تصيب من ينبش قبورهم وعن القوة الكامنة داخل هرم ميدوم، وكيف أن السياح من أنحاء العالم يتوافدون على مدار أيام السنة لمعرفة أسرار هذا الهرم العجيب. وتقول نادية عاشور، مدير عام الآثار بمحافظة بني سويف، إن هرم ميدوم اشتهر بهذا الاسم لأنه يقع في النطاق الجغرافي لقرية ميدوم قرب مدينة الواسطى وإليها ينتسب، وتعود تسميه ميدوم إلى الكلمة الهيروغليفية «مر توم» بمعنى «محبوب الإله»، وتعني قرص الشمس عند المغيب. وأشارت إلى أن فكرة بناء هرم ميدوم ترجع في الأساس إلى الفرعون حوني أخر ملوك الأسرة الثالثة، وأكمله الملك سنفرو -والد الملك خوفو باني الهرم الأكبر بالجيزة، ويبدو هذا الهرم من بعيد مثل أحد الأبراج الشاهقة التي تطل على نهر النيل والوادي الأخضر من الشرق ورمال الصحراء الممتدة من الغرب، وقد بني من ثمانية مصاطب، وهناك أيضا المعبد الجنائزي لهرم ميدوم، وهو مبنى صغير مكون من حجرة وممر خال من النقوش يصل إلى الغرب حيث الحائط الشرقي للهرم، وتحيط بالهرم 22 مصطبة خاصة لأتباع الملك من العائلة والأمراء. وتؤكد عاشور أن هناك مشروعا طموحا يستهدف تطوير هرم ميدوم ومنطقته الأثرية، وينقسم إلى مرحلتين الأولى تشمل مرحلة الدراسة والتخطيط وقد انتهت منها كلية الهندسة بجامعة القاهرة بتكلفة 95 ألف جنيه، بينما تشمل المرحلة الثانية طرح المشروع في مناقصة عامة، ونقله إلى حيز التنفيذ الفعلي، موضحة أن مخطط دراسة المشروع يشمل إقامة سور وبازارات وصالة عرض وقاعة لكبار الزوار ووسيلة انتقال وبيوت للهدايا وبانوراما. أسطورة «أبوصير» تعد قرية «أبوصير الملق» شاهدا على حالة التمازج الحضاري بين القديم والحديث بما تضمه من آثار فرعونية وقبطية وإسلامية؛ فقديما كانوا يسمونها «أبيدوس الشمالية» لتميزها عن أبيدوس الجنوبية بسوهاج ومعناها محل إقامة أوزوريس، ويروى أن «الشرير «ست» قد سعى للخلاص من أخيه «أوزوريس» الطيب فقتلة ومزق جسده إلى 14 جزءا وألقاها في أماكن متفرقة بأرض مصر، سميت جميعها باسم «بر أوزير» أي مأوى جسد أوزوريس – وكانت قرية «أبوصير» واحدة منها فاكتسبت مكانة مهمة عند المصريين القدماء لاعتقادهم أنها أرض مباركة فسعوا إلى العيش فيها والحرص على أن يدفنوا في رمالها عند الموت تيمنا بأن يحظوا ببركة القرب من أوزوريس رئيس المحكمة العليا التي ستحاكمهم في حياة ما بعد الموت». وبعد الفتح العربي تغير اسمها من بيت أوزير إلى أبوصير وقد وردت في كتاب»المسالك» باسم «بو صير» وفي كتاب البلدان لليعقوبي وكتاب قدامة بن جعفر باسم «بوصير كوريس» وقد كشفت البعثات الأثرية في السنوات الأخيرة عن احتواء رمالها على شواهد أثرية كثيرة من أزمنة مختلفة أبرزها مقابر من عصور ما قبل الأسرات ومن الأسرتين الأولى والثانية ومن الدولة القديمة وبعض مقابر الدولة الحديثة ومن أشهر التوابيت التي خرجت من المنطقة تابوت «بتاج ناقاي» والموجود حاليا في متحف ستراسبورج. كما شهدت أبو صير واحدة من الأحداث الفارقة في تاريخ الدولة الإسلامية عندما لجأ إليها خليفة المسلمين مروان بن محمد «مروان الثاني» أخر خلفاء الدولة الأموية هربا من العباسيين بعد هزيمته في الشام وقد تتبعه القائد العباسي الصالح بن علي إلى مصر للقضاء عليه والتخلص نهائيا من أخر رموز حكم بني أمية والإعلان عن قيام الدولة العباسية فظل مروان يتنقل بين المدن والقرى المصرية هربا.. وطلبا للنجاة إلا أن العباسيين نجحوا عبر أساليبهم الخاصة في تتبع أخباره والعثور عليه مختبئا داخل حجرة سرية في الكنيسة بقرية أبوصير سنة 132 هجرية فقتلوه نحرا وارسل رأسه إلى القائد العباسي أبي العباس السفاح في العراق ليعلم العرب جميعا ما ألت إلية دولة بني أمية، كما قاموا بصلب ما تبقى من جسد مروان الثاني بضعه أيام. وعلى أرض قرية أبوصوير أيضا قتل ودفن واحد من أعظم علماء اللغة العربية وهو عبدالحميد الكاتب صاحب المنزلة الرفيعة في علوم اللغة. حياة الرهبنة الزائر لمحافظة بني سويف لا يمكنه تجاهل زيارة قرية الميمون، والتي بها أقدم دير في تاريخ حياة الرهبنة المسيحية في العالم ويعرف باسم «دير الميمون»، وهو يمثل جزءا مهما من الآثار القبطية الموجودة بمصر وكلمة الميمون تعني «المبارك»، وهي ترجع للقديس انطونيوس، والذي يروى عنه انه ولد بقرية «كوما» القديمة أو قمن العروس حاليا بالقرب من» الواسطى» عام 254 ميلاديا، وورث عن والده أملاكا واسعة قام بإداراتها لبعض الوقت، ولكن سرعان ما باعها ووزع ثروته على الفقراء وأودع شقيقته الوحيدة التي كان يرعاها مع المتبتلات، وخرج إلى الصحراء القريبة من الواسطى لمدة 25 عاما والتف حوله الكثيرون، كما ظل يشجع المضطهدين من الإمبراطور مكسيميانوس، وفي عام 315 م انشأ أول دير في تاريخ المسيحية عرف باسم دير الأنبا انطونيوس وذلك قرب المغارة التي عاش فيها ومات عام 369 عن عمر يناهز 115 سنة. وقد ذكر هذا الدير الرحالة المقريزي فقال «دير الجميزة ويعرف بدير الجود ويسمى موضعه البحارة جزائر الدير وهو قبالة الميمون بُني علي اسم أنطونيوس ويقال أنطونه « لذلك فقد سمي الدير عدة أسماء عبر تاريخه الطويل وعرف بها في المصادر المختلفة فعرف بـ»الصومعة الخارجية والجبل الخارجي وبار فولا أي المحلة والدير البراني ودير الجود، ودير الجميزة وجبل انطونيوس والدير المقدس والدير التحتاني ودير القديس انطونيوس ودير الميمون». ويروى أنه في هذا الدير تمت معظم مقابلات القديس الأنبا انطونيوس مع كبار الزوار والفلاسفة اليونانيين، وفيه دارت أحاديثه وعظاته، وبسبب ذلك اعتبر القديس الأنبا انطونيوس أول من أعطى السر الرهباني للعالم وذلك حينما لقنه لأولاده وسلمه إليهم كميراث ثمين ظل يتوارثه العالم كله من بعده جيلا بعد جيل. جمال الطبيعة هواة الجمال البيئي لهم في بني سويف مكان لا تخطئة العين يتمثل في كهف وادي سنور المصنف في المرتبة الثالثة عالميا من حيث الروعة والجمال والقدم التاريخي والأهمية البيئة ويقع الكهف على بعد 70 كيلومترا شرق مدينة بني سويف وحوالي 195 كيلو مترا عن القاهرة. ويمتد الكهف نحو 700 متر في باطن الأرض بعمق 15 مترا، ويصل اتساعه إلى 15 مترا تقريبا وتتوزع الصواعد والهوابط من الآلباستر النقي في شكل خلاب وتعود هذه التراكيب الجيولوجية إلى العصر الأيوسيني الأوسط أي من منذ نحو 60 مليون سنة مضت. نتيجة تسرب المحاليل المائية المشبعة بأملاح كربونات الكالسيوم خلال سقف الكهف ثم تبخرت تاركة هذه الأملاح المعدنية التي تراكمت على هيئة رواسب من الصواعد والهوابط. وترجع أهمية هذا الكهف إلى ندرة هذه التكوينات الطبيعية في العالم، ولذا فالكهف يعد مزارا عالميا ثقافيا فريدا للباحثين والدارسين في مجال علم الجيولوجيا، وقد أعلنت الحكومة المصرية عام 1992 الكهف محمية طبيعية. مومياء طفلة تتوزع في أرجاء محافظة بني سويف العديد من الآثار القبطية منها دير الأنبا بولا ودير القديس أنطونيوس في مركز ناصر وكنيسة السيدة العذراء بقرية بياض العرب شرق النيل ودير مار جرجس بسدمنت الجبل، ولقد عثر في المضل، وهي قرية صغيرة في حضن الجبل الشرقي على الضفة الشرقية لنهر النيل تجاه مدينة بنى سويف، على مقبرة صغيرة بها مومياء لطفلة وجد تحت رأسها مخطوط كامل بالخط القبطي على جلد ــغزال، واتضح من ترجمته أنه مزامير النبي داود وهو محفوظ بالمتحف القبطي حاليا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©