الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

ذكرى ألم (2)

15 ديسمبر 2006 01:18
جلس صامتاً ، وهو يحرك بمعلقته الحساء الذي أعدته إيرينا، ونظراته تتابع الحلقات الدائرية في الطبق، وهي أمامه تبتسم تحاول إخراجه من الحالة التي وجدته عليها· استعاد الأيام التي تعرف فيها على هذه المرأة الثلاثينية، التي احترم كثيرا إصرارها على ملاحقته كي يعلمها اللغة الإنجليزية ، بعد أن أصبحت لغة العالم الجديد في بلادها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي· كان يضحك كثيرا عندما تسخر أمامه من السنوات التي أهدرتها في تعلم اللغة الروسية أيام كانت الكلمة العليا في براغ تجيئ من الكرملين· ومن سخريتها تلك التقط العديد من المفردات الروسية التي يكن الكثير من الإعجاب بشعرائها وأدبائها· كان يداخله إحساس بأن الهدوء التي تبدو عليه إيرينا، والابتسامات المشفقة تحمل في طياتها مفاجأة من العيار الثقيل· جلست أمامه وقد أزاح الطبق جانبا، بعد أن رشف منه رشفات سريعة متلاحقة، أصدرت أصوات ضحكت لأجلها، وهي تقول له منذ سنوات تتردد علينا، ومع ذلك لا تستطيع التعامل مع الشوكة والسكين والملعقة إلا بإطلاق أصواتها سواء على الصحون أو أطباق الشوربة، ضحك هو الآخر لتعليقها· وبدأ يتشجع للحديث، وانطلقت هي بدورها تقنعه أن ينسى أمر ديبورا التي قررت هجره· وعندما جاءت سيرتها ترجاها باسم العذراء التي تقدس أن تخبره حقيقة ما جرى، وتحت إلحاحه وتوسلاته كشفت له ما زلزل كيانه، وهي تقول له إن المرأة التي عبرت الحدود بالاتجاه الآخر أنجبت له مولودة تحمل بعضاً من ملامحه لولا زرقة العيون والشعر الأشقر· وقالت له إن فرارها مع ذلك الصبي الألماني جاء بتشجيع من والدتها التي كانت تعارض ارتباط ابنتها بقادم من الصحراء· استرسلت إيرينا في وصف التحولات التي جرت في البيت الذي لا يبعد عنهم إلا ببنايتين، وهو لا يكاد يتحرك من مكانه وسط دخان سجائر كليهما· وانتابه إحساس بأنه ضمن مشاهد فيلم مليودرامي بطيئ كئيب· وتزاحمت الأفكار في رأسه المتعب، لا يدري ما يفعل· استأذنته في الانصراف للنوم وقد نال منها الرهق ، أما هو فشكرها على استضافتها اللطيفة، وأبلغها أنه لن يبقى في منزلها، وسيغادر إلى محطة القطارات، ثلاث ساعات وهو ينتظر وصول القطار الذي حمله إلى مطار ميونيخ في ألمانيا، وعندما استراح على المقعد الذي حصل عليه بعد جهد على الطائرة شعر بأنه يحمل معه آلامه إلى أهله، ولا يدري هل سيخبرهم بأنه أودع قطعة منه في تلك البلاد، وترك إنسانة بريئة تجري في عروقها دماؤه وهو لن يعلم عنها شيئاً بعد اليوم ، بعد أن قرر طي صفحة بلاد كان قلبه يتقافز طربا كلما شد الرحال إليها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©