الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

تقرير بيكر:قضايا الشرق الأوسط كل لا يتجزأ

15 ديسمبر 2006 01:10
كتب - يوسف علاونة: عبرت ردود الفعل الأولية من جانب الائتلاف الحاكم في العراق، ومعه الرئيس جلال الطالباني، عن مخاوف واضحة من تقرير مجموعة دراسة العراق (لجنة بيكر - هاملتون) وخلاصة التوصيات التي قدمتها وهي تقرر حقيقة ''وضع متدهور ينبئ بأسوأ العواقب في المنطقة''، كما جاء في التعبير الحرفي للجنة· هذا الوضع المتدهور يواجه بعكس ما يتوقع مناهضون ومتضررون من السياسة والوجود الأميركي الفاعل في المنطقة، وخلاصة رؤيتهم تتمحور حول إحداث مزيد من الضغط على الولايات المتحدة كي تحمل متاعها وترحل· لكن هزيمة بهذا الحجم تبدو خياراً مستحيلاً كما هو واضح وعلى الرغم من الإخفاق الجمهوري في الانتخابات وتراجع الدور والمزاج العام لفريق المحافظين المتشددين داخل الإدارة، ومع أن الوضع في العراق وكما يقول نص التقرير ''متدهور ولا سبيل يضمن النجاح''· هذه الواقعية في التقرير تجلت بأجوبة صريحة كان منها مثلاً ما هو صادم وعنيف على بعض الأذهان فـ''المصالحة يجب أن تشمل البعثيين ورموزاً من نظام صدام''·· نعم هكذا وبكل وضوح· كما أنه ''لا بد من حل الميليشيات'' وهناك صراحة شديدة أيضاً بالخلوص إلى جملة حقائق مترابطة وهي أن ''التحديات في العراق معقدة يغذيها تمرد سني عربي وميليشيات شيعية وفرق موت والقاعدة وإجرام منتشر وصراع طائفي''· داخل الغرفة المغلقة والواقع أن اللجنة استمعت لأقوال داخل الغرفة المغلقة من الجانب العربي المعني بالعراق لم يكن ممكنا أن تقال في المنتديات المفتوحة المغلفة بطبيعة الحال بالمجاملات واللياقة، فمن جملة ما قيل إن العالم العربي غير قادر على استيعاب أن تتحدث حرم الرئيس العراقي في اجتماع زوجات الرؤساء باللغة الكردية فإذا لم تستطع أن تقوم بتوزيع الكلمة مطبوعة باللغة الانجليزية، يجب ألا ينسى أحد أن العراق هو بلد عربي ولن تتغير هذه الحقيقة غضبة طارئة من نظام اضطهد الأكراد ونكل بهم·· ثم إن الأكراد وهم لا يشكلون أكثر من خمسة عشر في المائة من العراق لا يحق لهم هذه المزاحمة (القومية) وهم أقل من أربعة ملايين نسمة من مجموع 27 مليون نسمة، هذا فضلاً عن أن الأكراد موجودون بكثافة أكبر في تركيا وإيران وبلدان أخرى، وبالتالي إذا كانت واشنطن ترغب بحل للمسألة الكردية فإن العرب لن يقفوا بوجهها طالما أن الأمر في المحصلة الاستراتيجية يتعلق بجزء صغير من المشكلة الكردية، داخل بلد عربي بحجم العراق·· وإذا كان المطلوب هو بعث شامل للقومية الكردية، فليكن ذلك في تركيا وإيران ضمن مساحة تفوق مساحة الكرد العراقيين بستة أمثال، وحيث يحرم الأكراد من اللغة وأحيانا الزي الوطني!· أما من الجهة الأهم فإن إيران إذا ما حاولت إحياء أو دعم الطائفية في العراق والصراع القومي، فإن المسألة سترتد عليها هي الأخرى، ففي إيران أيضا سنة وشيعة، وهناك فرس هم الأغلبية نعم·· لكن هناك عرباً وبلوشاً وأذريين وأكراداً وطوائف من كل صنف ولون!· هذا ما قاله العرب أيضا لموفدين من لجنة بيكر، أو جرى نقل آراء مكتوبة عبر سفراء عرب، حذروا وبشكل واضح ولا لبس فيه من أن الحق العربي في العراق لا يمكن أن يقبل شكلاً من المقايضة أو المساومة بين الأميركيين والإيرانيين·· العرب يمكنهم قبول علاقة صداقة وسلم وتعاون بين العراق الجديد وإيران، لكن لا يمكنهم تقبل كيان عراقي جديد تابع ومتحالف مع إيران، بما يدخله في حسبة إخلال خطير للتوازن الاستراتيجي القائم، ولا يمكنهم بالطبع أن تدير إيران العراق ودورة السياسة المحلية فيه عبر ميليشيات مدعومة منها·· وإذا كان الخطر طارئاً وزائلاً بالنسبة للوجود الأميركي في العراق في حال اشتعال مواجهة أميركية إيرانية فإن العرب لن يتحملوا عراقاً في دواخيل وجودهم ومواقفهم بينما هو يتلقى الأوامر من طهران· العراق·· والجميع لقد أوصت اللجنة بالتركيز في التشاور على مجموعة دول هي السعودية ومصر وتركيا والأردن والكويت وسورية وإيران·· والدول الكبرى· وإذا ما استثنينا هذه الأخيرة مع ملاحظة أنها تملك رؤية مماثلة لما لدى واشنطن من تخفيف الهيمنة الإيرانية على العراق الجديد، فإن تقديم السعودية على غيرها ومواقفها معلنة وواضحة من المجريات لا بد أن يكون له دلالته، وقد لا تكون إيران مسؤولة في المحصلة عن المسار الذي آل إليه حال العراق، بمقدار المسؤولية التي تقع على عاتق من ما زالوا يتعاملون مع طهران بوصفها المدينة الحاضنة والمضيفة وأحياناً الموجهة لهم· وإذا ما كان لهذا بعده في مسألة ما يعتقد عربياً أنه مسار لقهر فئة تعنيهم بشكل وثيق من العراقيين، فإن البلد الآخر في القائمة وهو تركيا له وجهة نظره الحاسمة في مسألة كركوك التي تعتبرها خطاً أحمر لا يمكن السماح بضمها بثروتها النفطية الفائضة للكيان الكردي، ولها تحفظاتها المعلنة والواضحة على المشروع الكونفيدرالي للعراق الجديد، وهو الأمر الذي تشترك فيه مصر قطعاً وكذلك سورية التي هي حليف لإيران أي نعم·· لكنها بالمقابل تدعم الحزب الإسلامي العراقي إذا كان الدعم من جانب حليفتها القريبة إيران متركز على قوات بدر وجيش المهدي وغيرها من الميليشيات!· وبتركيز التقرير على الوضع العراقي من دون سواه من النقاط المتصلة بباقي الإقليم من دعوة لمفاوضات فورية على مسارين منفصلين أحدهما سوري ولبناني والآخر فلسطيني، وأن المفاوضات مع سورية تشمل الامتثال الكامل للقرار 1701 والتعاون في التحقيق بكل الاغتيالات في لبنان -وغير ذلك من نقاط- يتضح أن واشنطن في أبعد حال قد وضعت العام 2008 موعداً لسحب معظم قواتها من العراق، وبالتالي فإن الخسائر الأميركية الحالية تظل في نطاق يمكن احتماله، أما إذا زادت فذلك حديث آخر، إذ أن بلداً بحجم الولايات المتحدة وبمقدار أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إليه قد تضطر في لحظة لانتهاج أسلوب الاندفاع إلى الأمام في حال تزايد الإخفاق في العراق، للم المنطقة بأسرها في إطار مشروع كبير عبر البدء بعملية قصف شاملة للأهداف الاستراتيجية والنووية الإيرانية، ومن دون معرفة ما قد ينجم على ذلك من عواقب، علما أن جانباً كبيراً من المخططين الأميركيين يعتقدون أن أضرار هذا التطور تظل أقل كثيراً من ضرر الهزيمة والهروب من العراق على الطريقة الفيتنامية ومن ثم وقوع العراق في السلة الإيرانية ولو في جزئه الجنوبي الغني فقط حيث توجد نحو 12% من الاحتياطات النفطية العالمية· ويجب ألا يفهم من دعوة التقرير لإجراء محادثات مع كل من دمشق وطهران كعامل ضعف فاللجنة في تحليلها للوضع ترى أن الخيار الليبي قد يكون مجدياً·· أي أن الهدف لا يتغير وهو إحداث تبدل جذري في سياسة ومواقف البلدين سواء من جبهة العراق أو جبهة لبنان وسلام الشرق الأوسط·· وطرح الخيار الليبي بحزمة مغريات من شأنها إحداث التبديل المطلوب معناه أن الهدف باقٍ على حاله وهو تغيير البنية السياسية والاستراتيجية للبلدين كي ينزع منها النزوع للتصادم مع الوجود والسياسة الأميركية في المنطقة· ملفات غير قابلة للمقايضة وجه التقرير إدانة ضمنية وشبه مباشرة للدور الذي تقوم به إيران وسورية في دعم الميليشيات والتمرد·· واضح أن استخدام اللفظين على التوالي يتناسق مع ترتيب الدولتين في الذكر·· أي أن طهران تدعم الميليشيات بينما تدعم دمشق التمرد· وفي الجزء الخاص بالدعوة إلى الحوار مع البلدين يتعامل التقرير معهما بوصفهما خصمين أو عدوتين لأي أمة - يقول التقرير- ''يمكنها وينبغي عليها أن تشرك خصومها وأعداءها في محاولة لتسوية النزاعات والخلافات تماشياً مع مصالحها، والحوار يجب أن يتم من دون شروط مسبقة''· بل يشترط التقرير للحوار ''قدراً من توازن المصالح، ويجب أن تضع واشنطن في اعتبارها نظام الحوافز لإشراك سورية وإيران، كما حدث بنجاح مع ليبيا''· هنا لا يعيش واضعو التقرير في الوهم عندما يخلصون إلى أن ''إيران ترى أن من مصلحتها أن تغوص الولايات المتحدة في مستنقع العراق، وتتورط أكثر''، وليس كما حصل في التجربة الأفغانية، وفي نقطة مهمة أخرى وذات دلالة تقرر اللجنة أنه يجب ''أن يستمر التعامل مع مسألة البرنامج النووي الإيراني عبر مجلس الأمن وأعضائه الخمسة الدائمين، إضافة إلى ألمانيا، بغض النظر عن تطور التعاون في شأن العراق''· أما على الشق السوري فإن اللجنة وهي توصي بإعادة الجولان بالكامل لسورية لم تترك مجالاً للشك بضرورة الإصرار على السياسة الأميركية تجاه دمشق وهي ''الامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن 1701 الذي يوفر إطارا لاستعادة لبنان سيادته، والتعاون الكامل مع التحقيق في كل الاغتيالات السياسية في لبنان، والتحقق من وقف المساعدات إلى (حزب الله) واستخدام الأراضي السورية لنقل الأسلحة من إيران إليه، وان تستخدم سورية نفوذها لدى (حزب الله) و(حماس) لإطلاق الجنود الإسرائيليين الأسرى، والتحقق من وقف سورية محاولات تقويض الحكومة المنتخبة ديموقراطياً في لبنان، والتحقق من وقف شحنات الأسلحة من سورية إلى (حماس) أو غيرها من الجماعات الفلسطينية المتشددة، وأن تساعد سورية في الحصول على التزام من (حماس) بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود''· الكرة في ملعب العراقيين مقابل هذا (التمهيد الإقليمي) فإن التقرير يوصي بإرسال ''رسالة واضحة: يجب أن تتحرك الحكومة العراقية لتحقيق تقدم ملموس·· فكلما أصبح العراق أكثر قدرة على ممارسة مهمات الدفاع والحكم، كان خفض الوجود العسكري والمدني الأميركي في العراق ممكناً''· لكن التقرير يضع شروطاً عقابية ففي ''حال لم تحقق الحكومة العراقية تقدماً ملموساً على طريق المصالحة الوطنية وتحقيق الأمن وتثبيت الحكم، ينبغي على الولايات المتحدة أن تخفض الدعم السياسي أو العسكري أو الاقتصادي لها''· وأعطت اللجنة إشارتين لقوى التمرد (المقاومة) أولهما طلبها عدم الإيحاء بأن أميركا تنوي إقامة قواعد دائمة في العراق وأن ذلك لن يتم إلا بناء على طلب من الحكومة العراقية كأي حكومة أخرى كما، وثانيهما أن يؤكد الرئيس الأميركي مجدداً أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى السيطرة على نفط العراق· كما أيدت اللجنة ''مراجعة الدستور العراقي'' لتحقيق المصالحة الوطنية -معروف أن المطالبين بمراجعة الدستور هم القوى السنية المعترضة على الكونفيدرالية-، في حين أكدت اللجنة أن ''المصالحة الوطنية تتطلب إعادة البعثيين والقوميين العرب إلى الحياة الوطنية، مع رموز نظام صدام حسين'' وأن على الولايات المتحدة أن تشجع عودة العراقيين المؤهلين من السنة أو الشيعة أو القوميين أو البعثيين السابقين أو الأكراد إلى الحكومة''·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©