السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إندونيسيا المتنوعة... ومخاطر التمييز الديني

14 سبتمبر 2013 23:14
انفجرت قنبلة في معبد بوذي يقع في منطقة بغرب جاكرتا، عاصمة إندونيسيا، حيث جرح ثلاثة أشخاص، الشهر الماضي. وقبل ذلك الحادث بفترة ليست طويلة، اضطرت رئيسة عنبر مسيحية بجنوب جاكرتا، اسمها سوزان ياسمين زولكفلي، إلى ترك عملها بعد أن قام 2300 شخص من السكان المحليين بتوقيع عريضة تطالبها بالانصراف من تلك الوظيفة. لذلك يبدو من الأساسي هنا أن نطرح على أنفسنا التساؤل الآتي: ما الذي يتسبب بهذا العنف والتمييز؟ وما الذي يمكن عمله حتى يتسنى لإندونيسيا أن تستعيد تاريخها الطويل في التعددية الدينية والتسامح الثقافي. يُبلِغ تقرير صدر في عام 2012 عن «مؤسسة وحيد» عن حدوث 278 حالة انتهاك للحقوق الدينية لأقليات دينية في البلاد، وخاصة المسيحيين، ولجماعات تعتبر خارجة عن تقاليد الغالبية المسلمة السنية، مثل الشيعة والأحمدية (وهي طائفة أسسها غلام أحمد عام 1884 في الهند). وقد وقعت تلك الانتهاكات من قبل رسميين وغير رسميين. من بين الأسباب الرئيسة وراء تكرر الانتهاكات فشل الإدارة الإندونيسية في تطبيق القوانين التي تكفل الحريات الدينية لكل مواطن بشكل مضمون وآمن، مثل «المادة 28 ج» من الدستور الإندونيسي، والتي تقول حرفياً إن «كل إنسان حرّ في عبادته وممارسة الدين الذي اختاره». وفي أحيان كثيرة لا ينال مرتكبو أعمال العنف الوحشية ضد الأقليات الدينية، العقاب العادل على أعمالهم. وفي حالة «سيكوسك» المأساوية في «بانتن»، والتي قامت فيها مجموعة من السكان المحليين بقتل ثلاثة من أتباع الأحمدية في فبراير عام 2011، قضى معظم مرتكبي الجريمة بضعة شهور فقط في السجن مقابل أعمالهم الخطيرة، ولم يحصلْ معظم عائلات الضحايا حتى الآن على التعويضات المناسبة. أنعم الله تعالى على إندونيسيا بمجموعة من الديانات والمعتقدات، وهو أمر سعي آباؤنا المؤسسون للحفاظ عليه من خلال قبول «البانكاسيلا» (فلسفة الدولة الإندونيسية، والتي تتكون من خمسة مبادئ أخلاقية) كأساس للدولة. وتعمل «البانكاسيلا» على الاعتراف بالأديان وإشراك الطوائف الدينية واستيعاب القيم العالمية في كل دين وعقيدة في إندونيسيا. وهي، إلى جانب شعار «الوحدة في التنوع»، أساس التسامح الديني لدينا. وكما قال الرئيس موسيلو بامبانغ يودويونو في خطاب الدولة، والذي وجهه إلى الأمة يوم 16 أغسطس المنصرم، في الذكرى الـ 68 لاستقلال إندونيسيا، فإننا «نحتاج لروح الوحدة في التنوع لتقوية التسامح ومنع الصدامات الطائفية والعنف». ورغم كل شيء، فإن هناك بعض التقدم المشجّع الذي يظهر وجود أمل لإندونيسيا. فقد رفضت إدارة مدينة جاكرتا التجاوب مع التماس يطلب إقصاء «زولكفلي»، رئيسة العنبر المسيحية، بل تم إصدار التماس آخر يجمع الدعم لها. وتمكّنت قوات الشرطة من وقف أفراد «جبهة الدفاع عن الإسلام» قبل أن تنفذ خطتها لمهاجمة مسجد تابع للطائفة الأحمدية في سيانجور بجاوا الغربية يوم 25 يوليو 2012. وبعد فترة لم تتصرف الحكومة خلالها، بدأ الإندونيسيون المهجرون من الشيعة يعدون العدّة للعودة إلى ديارهم في سامبانغ وسادورا بجاوا الشرقية، ضمن جهود مبذولة لإقامة مصالحة مستمرة بقيادة عبد العلاء بشير، رئيس «معهد الدولة للدراسات الإسلامية»، بين الشيعة والسكان السنة المحليين في سامبانغ. لكن بالإضافة إلى تجسيد روح فلسفتنا الوطنية وشعارنا الجامع، فنحن بحاجة لاتخاذ عدد من الخطوات الهامة للوقوف إلى جانب التعددية وحمايتها وتشجيعها. أولاً، تجب مراجعة القوانين والسياسيات القائمة على التمييز الطائفي والديني في عدد من المقاطعات وإلغائها. ومن الأمثلة على ذلك قانون حاكم جاوا الشرقية الذي يمنع النشاطات الدينية التي تعتبر منحرفة ومعاقبة الذين ينتهكون المعايير والممارسات الدينية، كما هي محددة من قبل الغالبية السنية. ثانياً، ضمان تطبيق عادل ومفتوح للقانون. فهناك العديد من الحالات التي يعامل فيها المسؤولون الأمنيون ضحايا العنف على أنهم جناة لتبرير إخلائهم أو نقلهم، وذلك عوضاً عن تنفيذ العدالة من خلال محاكمة المتسببين بالعنف. ثالثاً، ضمان انعدام التمييز المبني على العقيدة في الخدمات العامة. وفي هذا الخصوص يجب على موظفي الدولة ألا يتركوا معتقداتهم الدينية الشخصية تؤثر على الأسلوب الذي يعاملون به المواطنين الذين لا يشاركونهم معتقداتهم، بل عليهم إظهار القدر اللازم من احترام الآخر الديني. وكما ينص القانون رقم 1999/43 حول الخدمة المدنية، «يجب أن يقوم جهاز الدولة بالخدمات العامة بمهنية وصدق وعدالة ومساواة». وقد اتخذت بعض المنظمات خطوات للتعامل مع هذه القضايا، وربما تسعى الحكومة للحصول على مساعدتها أكثر. خلال السنوات القليلة الماضية، قامت «مؤسسة كونتراس»، وهي مؤسسة تدافع عن الأشخاص المفقودين وضحايا العنف، قامت بتوفير التدريب لقوات الشرطة وبعقد جلسات نقاش حول حماية مبادئ الحرية الدينية. كما عقدت عدة منظمات مهتمة بقضايا الحريات الدينية، مثل «مؤسسة وحيد» و«معهد سيتارا» ومجموعات عمل حقوق الإنسان ومؤسسات المعونة القانونية الإندونيسية، حوارات وجلسات مع مسؤولي الحكومة والأمن تتعلق بحالات التمييز ضد الأقليات الدينية. وما زال هناك الكثير ليعمله هؤلاء جميعاً وغيرهم، من أجل استعادة كرامتنا كأمة اعتنقت التنوع فيها وتمكنت من العيش المشترك بسلام. ألامسيا جعفر زميل باحث في «مؤسسة وحيد» بجاكرتا ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©