الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة خِطاب التشدد في وسط باكستان

عودة خِطاب التشدد في وسط باكستان
13 فبراير 2010 21:05
على طريق ضيقة في أحد أحياء لاهور تنتصب بناية بيضاء زينت برسوم مختلفة وشعار يقرأ بوضوح يقول: "نحب الجميع ولا نكره أحداً". إنها مدرسة أُغلقت قبل شهور بعد أن رحل تلاميذها جميعاً جراء حملة دينية متشددة استهدفت المدرسة ومديرها. وفي صباح الخامس من يناير، قتل شابان كانا يمتطيان دراجة نارية مديرَها السابق، وهو عضو في "الجماعة الأحمدية". وإن لم يكن أي شخص قد رأى قاتليْ محمد يوسف، فإنه ليس ثمة شك بشأن دوافعهما، وعن ذلك يقول فتح الدين، 32 عاماً، وهو ابن الأستاذ المغدور يوسف: "إننا نعيش هنا منذ 35 عاماً حيث كان يسود جو من الأمن والسلام قبل أن يأتي هذا المُلا ويشرع في إلقاء خطبه وتحريض الناس علينا"، مضيفاً: "بسرعة بعد ذلك بدأ الناس يسبوننا في الشارع، وعُلقت على المسجد لوحة كبيرة تقول إننا نستحق القتل. وأخيراً، جاءوا يبحثون عن والدي، والبقية يعرفها الجميع". وقد بدأت خلال الآونة الأخيرة حفنة من رجال الدين تثير مشاعر العداء ضد أعضاء "الجماعة الأحمدية"، وأقليات دينية ومذهبية أخرى في هذه المدينة الكبيرة؛ إلا أن تلك الحملة ليست سوى جزء من اتجاه أكبر، وربما أهم، في وسط باكستان، هو عودة ظهور النشاط السني المتشدد. فخلال الأسابيع الأخيرة، وبموازاة مع استهدافهم لأقليات مسلمة، أطلق سنة محافظون حملة ضد القوانين الأوروبية الغربية والممارسات التي يقولون إنها مناوئة للإسلام، حيث نظموا تجمعات سلمية وسط لاهور والتقوا بالصحافيين وأرسلوا وفوداً إلى المجلس التشريعي الإقليمي. إذ تعارض حركتُهم حظر النقاب الذي اعتُمد مؤخراً في الدانمارك، ومنع بناء المآذن في سويسرا، وإعادة نشر الرسوم الكرتونية المسيئة في صحيفة نرويجية. واللافت أن قضيتي الحركة تبدوان من بعض النواحي متناقضتين: فهي من جهة حركة تنبذ وتضطهد أقلية مسلمة في باكستان لأنها تؤمن بآراء مخالفة؛ ولكنها من جهة أخرى تندد بالتمييز ضد الأقليات المسلمة في الخارج. غير أن الحركة تحاول، في هذه الأثناء، دغدغة الشعور الديني لحشد الدعم لها حتى في الوقت الذي يحارب فيه جيش الدولة مقاتلي "طالبان" في المناطق القبلية الشمالية الغربية. وفي هذا الإطار، يقول عاصم مخدوم، وهو رجل دين من حزب "الجماعة الإسلامية" ندد بالرسوم الكرتونية وتدابير أوروبية أخرى في أحد المساجد خلال خطبة الجمعة في أحد الأيام الأخيرة: "إننا ننبذ الإرهاب وطالبان ولا نريد أي صدام مع الأديان الأخرى، ولكن الغرب يتلاعب بعواطفنا ويحاول نسف السلام والتعايش". يذكر هنا أن موجة من التفجيرات الانتحارية والهجمات الإرهابية التي استهدفت باكستان على مدى العام الماضي ألَّبت الرأيَ العام على التطرف بشكل متزايد. ولذلك، فإن هؤلاء الناشطين يحاولون دغدغة مشاعر المسلمين، مع الحرص في الوقت نفسه على النأي بأنفسهم عن العنف الديني، وإن كان البعض قد تغاضى عنه من قبل أو حتى ارتبط بأعمال إرهابية، بهذه الطريقة أو تلك. أما القوة المحركة التي تقف وراء الحركة المناوئة للرسوم الكرتونية، فهي "جماعة الدعوة"، وهي جماعة تابعة للميليشيا المناوئة للهند المعروفة باسم "عسكر طيبة"، وهي ميليشيا تصنفها الولايات المتحدة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وقد كانت محظورة في باكستان قبل سنوات، مثلما أن الهنود والأميركيين يعتقدون أنها هي التي دبرت هجوماً إرهابياً خطيراً في مومباي خلَّف 166 قتيلا في نوفمبر 2008. ومن خلال تنديدها بالتمييز ضد المسلمين في الخارج، اختارت "جماعة الدعوة" وحلفاؤها، قضية بعيدة، ولكنها تجد لها صدى بين الباكستانيين، ذلك أن غضباً عارماً تملك الناس هنا عندما أقدمت صحيفة دانمركية على نشر الرسوم الكرتونية المسيئة قبل أعوام؛ كما تميز برنامج حواري تلفزيوني بُث مؤخرًا بظهور امرأتين منقبتين تدعوان الحكومات الأوروبية إلى "احترام الحقوق المدنية" ووقف "الإسلاموفوبيا". وبالمقابل، فإن زعماء الحركة المناوئة لـ"الجماعة الأحمدية" استغلوا موضوعاً مثيراً للانقسام إلى حد كبير بين المسلمين هنا ويستدعي جانباً أكثر تشدداً من الشعور الديني بين الباكستانيين الفقراء والعاطلين والمحبطين، حيث تصم الملصقات خارج المساجد في حي يوسف الأحمديين وتصفهم بأنهم "مرتدون مناوئون للإسلام"، وهو وصف يشير ضمناً إلى أنهم يستحقون القتل. وفي هذه الأثناء، يوجد رجل الدين الذي قاد الحملة، مولوي محمد فريدي، في مركز محلي للشرطة حيث يستقبل المتعاطفين لارتشاف الشاي إلى أن تهدأ الأمور. وفي مقابلة قصيرة معه، ندد فريدي بالأحمديين باعتبارهم "ألد أعداء الإسلام"؛ وأكد ألا علاقة له بمقتل يوسف، ولكنه أضاف "إذا انفعل أحدهم وانجرف وراء مشاعره، فماذا عساي أقول؟". غير أن شهادات علي، وهو بائع عقارات في الثامنة والأربعين من عمره، يقول: "لقد كان يوسف رجلا طيباً ومعلماً جيداً. كنتُ أرسل أبنائي إلى مدرسته، ولم يحاول أي شخص التأثير عليهم أو تغيير دينهم"، مضيفاً: "لقد شاركتُ في جنازته التي لم يذهب إليها أي شخص من الحي تقريباً، لأنه عندما تسيطر الكراهية على قلوب الناس، فإنها تعمي أبصارهم وتجعلهم لا يفكرون". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
المصدر: لاهور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©