الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسين صبري: بالقلب والعقل يتطور الإنسان

حسين صبري: بالقلب والعقل يتطور الإنسان
13 فبراير 2010 20:33
الدماغ، أعظم ما خلق الله تعالى للإنسان، فيه معلومات وأفكار وملاحظات وتجارب، إنه مستودع الأسرار، إنه المقر الآمن لوعيك والفعل والإرادة، إنه الأداة في إدراك الأشياء على حقيقتها، به يدرك الفرد الحسن من القبيح والخير من الشر والحق من الباطل، دماغك بهذا يدل على عقلك، ولهذا أوردت المعاجم اللغوية ألفاظاً عدة للدلالة على العقل، مثل: التفكر، التدبر، اللب، النهى، الرشد، الرأي، العلم، التفقه، الحكمة والنظر، كل هذه الدلالات وردت في سياقات مختلفة في آيات القرآن الكريم. هذا ما يفصل فيه الدكتور حسين صبري، مدرب ومحاضر في هندسة التفكير والبحث العلمي، متحدثاً عن القلب: قلبك أيضاً من أعظم ما خلق الله تعالى لك، فيه أحاسيسك وعواطفك وميولك واتجاهاتك، إنه مستودع محبتك أو كراهيتك، مكمن انفعالاتك، إنه أداتك في الميل إلى الشيء أو النفور منه، إنه العضو العضلي الأجوف الذي يستقبل الدم من الأوردة ثم يدفعه إلى الشرايين، قاعدته إلى أعلى ويقع في تجويفك الصدري، وقد ارتبط بالنوازع الإنسانية تجاه الأشخاص والأشياء. الدلالات بالعقل أو القلب يقول حسين صبري: أحياناً يعبر عن العقل بالقلب، لهذا اختلف العلماء في دلالة التعقل، هل تتم بالدماغ أم بالقلب؟ والمقصود بالتعقل هو ما يؤديه العقل من أنشطة ذهنية وما يقوم به من مهارات دنيا وعليا للتفكير، وأثيرت أسئلة كثيرة من قبيل، هل العقل شيء مجرد عن المادة العضوية المتمثلة في الخلايا العصبية للدماغ التي تحتل تجويف الجمجمة العظمي في الرأس، وعن المادة العضوية المتمثلة في أنسجة القلب وأوردته وشرايينه؟ هل هذا العقل صورة من صور تلك المادة؟ هل هو شيء غير الروح؟ هل هو عرض من أعراضها؟ هل هو جوهر مستقل بذاته بعيداً عن الدماغ؟ هل نشاط العقل يتغلغل كالروح ويسري في كافة أجهزة الجسم، وليس مقصوراً على الدماغ وحده؟ جدال النظريات ويؤكد صبري: الجدال قائم، والبراهين مختلفة حد التناقض، والنظريات تتبارى وتتصارع، واعتاد عامة الناس، بل والمتخصصون منهم على أن يربطوا بشكل لاشعوري بين العقل ومهارات التفكير من جهة، وبين القلب والعواطف والانفعالات من جهة ثانية، على الرغم من أن العلم يقول إن القسم الأيمن من الدماغ يختص بالإبداع والذوق والإلهام، وهي أمور تبدو قلبية أكثر منها عقلية، وللعلوم وللعلماء آراء أخرى : فالطب يرى أن الدماغ هو مركز الوعي والحس والحركة والذاكرة والكلام والإرادة والاختيار. والأدباء، ومعهم كثير من علماء النفس، يقولون إن القلب هو الشاهد على الدماغ، فيه الدليل على الصدق أو الكذب، فيه مقر الإيمان أو الكفر، فيه الرقيب الذي يوقظك عندما تندفع أو تنغمس في ممارسة الخطأ والمعصية، ودليل ذلك ما يظهره جهاز كشف الكذب من تغيرات عضوية كيميائية وعصبية معينة، عندما يكذب الإنسان وهو تحت الاختبار مع هذا الجهاز. وهناك من يعارض ذلك ويقول: إن بعض الأشخاص تمكنوا فعلياً من الخضوع لاختبار هذا الجهاز ولأكثر من مرة، وأغرقوا في الكذب دون أن يكتشف الجهاز أنهم كاذبون، فهل ما مكّن الإنسان من تلك السيطرة على انفعالاته وتحكمه إلى هذه الدرجة، العقل، أم القلب، أم شيء آخر في النفس لا ندري كنهه ولا حقيقته. فريق من الأطباء، يؤكد أن مركز الفكر والإرادة بعيد عن القلب، إذ أن بعد إجراء عملية زراعة القلب لدى بعض الأشخاص، أظهرت النتائج بعد فترة من نجاح تلك الزراعة، إن أفكار وميول الشخص وإرادته هي هي لم تتغير، بعيداً عن الأثر العضوي الحاصل بعد إجراء العملية الجراحية، بينما فريق آخر يكاد يجزم أن أي إصابة مادية مؤثرة في الدماغ تحدث بفعل حوادث السيارات، أو السقوط من مكان مرتفع والارتطام بالأرض، أو نتيجة الإصابة بطلق ناري أو اصطدام الرأس بجسم صلب، يمكن أن يؤدي إلى نوع من فقدان الذاكرة السمعية أو البصرية أو الكلامية أو الكلية، وفي هذا دليل على أن المعلومات والأفكار التي يختزنها العقل لها نوع من الوجود المادي في خلايا الدماغ، إذا أصيب المركز الخاص بوظيفة ما تعطلت آلية وعمل تلك الوظيفة. وثمة فريق ثالث يرى أن فقدان الذاكرة نفسه يمكن أن يحدث دون أن يصاب الفرد بأي إصابة مادية في الرأس، وإنما نتيجة لصدمة عصبية أو نفسية شديدة ومفاجئة، وهذا يدل على أن معلوماتنا وأفكارنا التي نختزنها في ذواتنا ليس لها وجود مادي في خلايا الدماغ، فضلاً عن أن بعض الأشخاص الذين أصيبوا إصابات مادية في الرأس، بعضهم تعطلت بعض وظائفهم الدماغية، فيما لم يصب البعض الآخر بأي عطل وظيفي على الرغم من أن الإصابة تكاد تكون واحدة في مكانها وأثرها. كيف تتكون أفكارنا وخبراتنا وميولنا العقلية؟ يتحدث صبري عن الميول والخبرات ويقول: نحن نحس أولاً، فعند الولادة نسمع ثم نرى ونشم ونتذوق ونلمس، تقوم حواسنا الخمس بنقل المحسوسات المادية إلى الدماغ عن طريق أعصاب متخصصة وظيفتها تجميع المعلومات عن حالة الجسم والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان. ثم تتحول هذه المحسوسات المادية إلى صور ذهنية تبقى في مخزون الذاكرة، منها نعرف الأشياء ونفهمها ونكّون منها أفكاراً عقلية متنوعة. وفي مرحلة ثالثة نستطيع أن نجرد هذه المعلومات الذهنية من دلالاتها المباشرة ونستخلص منها قيمنا ومبادئنا وميولنا وأحكامنا وقراراتنا المختلفة، لم يستطع العلم إلى الآن فهم وتفسير الآلية التي بها يتحول الإحساس المادي إلى صور ذهنية، وكيف تتحول الصور الذهنية إلى مبادئ وقيم ومثل عليا وأحكام وقرارات. لقد عبر القرآن عن هذه المراحل الثلاث تعبيراً بليغاً في وصف الكافرين: بأنهم «لا يشعرون»، أي لا تتم لهم عملية تمييز المحسوسات بشكل صحيح وبأنهم «لا يعلمون»، أي لا يستطيعون تكوين معرفة ذهنية معتبرة ودقيقة عن الأشياء والمواقف والأحداث. وبأنهم «لا يعقلون»، أي لا يقدرون على إصدار الأحكام والقرارات المناسبة، كما ليس في مقدورهم صناعة القيم والمفاهيم والمبادئ السوية. وفي هذا يقول الشيخ الشعراوي «إن كل كلمة في القرآن هي عاشقة لموضوعها». إذا صلح القلب صلح الجسد كله يقول الصادق الأمين: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». و يخبرنا القرآن الكريم «إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور»، وفي هذا بيان أن القلب منبع الفساد أو الصلاح، كما ثبت في الأثر حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ونزع قلبه الشريف وتطهيره، ثم إعادته مكانه وهو في عمر الثالثة، كما ورد في السنة الطاهرة أن «قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له»، من ذلك نستدل أن الدين والعلم واليقين والإيمان في العقل، يقول المولى، عز وجل في سورة العلق «كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة». فالناصية شعر مقدم الرأس في أعلى نقطة من جبهة الإنسان في الفص الجبهي من المخ، والتي تشير إلى مركز الإرادة والاختيار، وقد قيلت هذه الآيات في أبي جهل عندما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، دلالة على أن الكافر سوف يجر في جهنم ووجهه إلى الأرض في قاع الحريق، إنها مركز عزة نفسه وكبريائه وتعاليه، لأنها مركز إرادته واختياره لفعل الشرك والمعصية دون الطاعة والإيمان. المؤكد فسيولوجياً وبيولوجياً إن كل جهاز في الجسم له توجه محدد ووظيفة معلومة، والجهاز العصبي يهيمن على كافة أجهزة الجسم ومنها الدماغ والقلب، وذلك يتم في كل حركة للإنسان مهما بدت تافهة كحركة أحد الأصابع في اليد، أو كانت عظيمة كإبداع الأفكار والأدبيات والنظريات العلمية الكبرى، فالجهاز العصبي هو ما يوصلك إلى الطمأنينة والسكينة أو إلى الضيق والتوتر. فهل وظائف الدماغ والقلب منفصلة عن بعضها فلا يعمل كل منها إلا في نسق وظيفي مستقل؟ وهل نستطيع القول بالترابط الدقيق بينهما في الأداء والفعل؟ وهل الجهاز العصبي هو من يتولى هذه المهمة؟ أم أن هناك سراً لا يزال مجهولاً لنا، فيه إجابات كل تلك الأسئلة. القردة الشمبانزي أرقى أنواع المملكة الحيوانية يملك دماغاً وجهازاً عصبياً، يتشابه تشريحياً إلى حد كبير مع ما يوجد عند الإنسان، لكنه غير خاضع للتكليف، ولا يحاسب، وغير مسؤول عما يفعل، لأن المولى عز وجل يخبرنا أنه، علم آدم الأسماء كلها»، إن هذا العلم الذي أعطاه الله تعالى قد أعطاه للإنسان، فاستحق التكليف، واستحق الجزاء، يتم هذا العلم وتتحقق هذه المسؤولية وهذا التكليف بالدماغ والعقل والقلب والنفس والروح معاً، لأن ما لا يمكن التشكيك فيه وسط زحام الآراء والاختلافات بين الأطباء والفلاسفة وعلماء التشريح وحتى الباحثين في علوم الدين أن الإنسان يكون إنساناً بكل ما فيه جميعاً، وإنما هذه الأجهزة أدوات ووسائل تعمل معا وتتأثر معاً، وتسأل معاً... وتثاب معاً أو تعاقب معاً، وإنما يكون التصنيف والفصل بين أجهزة الجسم لغرض علمي أو لحاجة تربوية أو لفائدة تشريحية، والعبرة أن الإنسانية لا تتحقق إلا بوحدة الإنسان لا بأجزائه المتباينة هنا أو هناك من المادة الحية الموزعة في جسده.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©