الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِـيَر المبدعين الوعرة..

سِـيَر المبدعين الوعرة..
23 يناير 2013 20:22
«منذ أن انكببت على قراءة أعمال مارك توين، صار فهمي لأميركا أفضل من ذي قبل». هكذا تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما عند صدور المجلد الأول لسيرة الكاتب الأميركي الشهير مارك توين (1910-1855). مارك توين ليس بدعة بين المبدعين بالطبع، على الأقل في ما يخص سيرته الثرية التي تلقي الضوء على حياته وحياة المجتمع في الآن نفسه.. في سِيَر هؤلاء المبدعين غالباً ما نقرأ الخفي والمستور والمسكوت عنه يتفجر مرة واحدة، ليضيء الكثير من أعمالهم وكتاباتهم. فيما يكتب الأدباء والمفكرون من سير ذاتية أو قريباً منها، كالمراسلات والتعليقات، تتبدى عوالم جوّانية شديدة الوعورة.. وعورة تكتنف أرواحهم المعذبة بشوقها وتوقها وآلامها المبرحة.. ربما لهذا السبب بالضبط، كان لأحزانهم كل هذا البريق، الذي كان يجتذب الناس فيما هم مفردات احتراقه بامتياز.. حسونة المصباحي رغم انقضاء أزيد من قرن على رحيله لا يزال هذا الكاتب العبقري الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس في زمانه، وكان صديقا لشخصيات سياسية كبيرة مثل الرؤساء روزفلت، وغرانت، وكليفلاند، حاضرا في المشهد الأدبي والثقافي في بلاده، وفي العالم. ويصف الذين اهتموا بسيرته الوثائق التي تركها مارك توين، والتي رسم فيها صورة لنفسه، ولحياته، وللأحداث التي عاشها بأنها شبيهة بـ «جبال الهيمالايا» لكثرتها، وتنوعها، وتشابكها. وخلال السنوات الأخيرة من حياته، دأب مارك توين على أن يملي على كاتبته الخاصة يومياً ملاحظات، وآراء عن حياته الخاصة، وعن قراءاته، وعن أشياء أخرى كثيرة. غير أنه كان من الصعب الكتابة عن سيرته ليس فقط وهو على قيد الحياة، وإنما بعد مرور سنوات طويلة على وفاته، بسبب مواقفه الجريئة التي اشتهر بها، والتي كانت تحرج الكثيرين من أهل السياسة، والأدب. غادر مارك توين المدرسة بعد وفاة والده عام 1848 وهو في الثانية عشرة من عمره ليعمل في أحد المطابع براتب متواضع لكنه ضَمن له نوعا من الاستقرار المادي. وفي ذلك الوقت، كانت القرى تُصدر جرائدها الخاصة. عند بلوغه الخامسة عشرة من عمره، شرع الفتى مارك في كتابة مقالات لمجلة أسبوعية كان يشرف على تحريرها، أخوه الأكبر. ومن عمله الصحفي ذاك تعلم فن الكتابة، كما تعرف على أحوال الناس الذين يعيش بينهم. وفي الثامنة عشرة من عمره، شرع مارك توين في التجول عبر البلاد، متنقلا بين المدن الكبيرة مثل نيويورك، فيلادلفيا، واشنطن، وسان لوي. وستكون هذه الجولات، وهذه الأسفار، مليئة بالمغامرات، والتجارب التي ستحضر في ما بعد في أغلب ما سيكتبه مارك توين من قصص وروايات، ومقالات. عند بلوغه سن الخامسة والعشرين، استقر في «الميسيسيبي»، ليعمل على ظهر إحدى البواخر التجارية. وعند اندلاع الحرب الأهلية عام 1861، انضم الى كتيبة عسكرية جنوبية غير أنه سرعان ما غادرها ليلتحق بأخيه الأكبر الذي عين كاتباً في محافظة نيفادا. وكانت رحلته عبر كاليفورنيا شاقة وطويلة، وخلالها عاش مغامرات جديدة عمقت خبرته بالحياة وبالناس، وجعلته أكثر جرأة في مواجهة المصاعب. وفي كاليفونيا، اكتشف مارك توين المغامرين الباحثين عن الثروة، والذين يعيشون في حمى دائمة للحصول عليها. وفي سان فرانسيسكو التي ستصبح مدينته المفضلة، عمل مراسلاً متنقلاً لصحف واسعة الانتشار، وسافر إلى أوروبا ليكتب العديد من التحقيقات التي حققت له شهرة واسعة لدى القراء في بلاده. وفي ما بعد سينشر تحقيقاته هذه في كتاب حمل عنوان: «رحلة الأبرياء». غير أن الشهرة الواسعة والحقيقية ستتحقق له عند إصداره وهو في سن الأربعين روايتين هما: «مغامرات توم سوير»، و»مغامرت هوكلبيري فين». وفي هذين العملين الرائعين اللذين لا يزالان من أفضل الكتب التي يقبل عليها القراء في أميركا، أثبت مارك توين قدرته الفائقة على ابتكار لغة خاصة به، وعلى مهارته في السخرية اللاذعة، وفي الدعابة السوداء. وفي الآن نفسه، نشر العديد من القصص والنصوص التي أدان فيها مخاطر التقدم الصناعي على الطبيعة، وعلى الإنسان بصفة عامة. كما انتقد المسيحية بشدة، مشهرا بالجرائم التي ترتكب باسم الله. في السنوات الأخيرة من حياته، واجه مارك توين متاعب مادية كبيرة. وبسبب وفاة ابنته وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، ألمَّ به حزن شديد وتوفي يوم 21 أبريل 1910. وكان في الرابعة والسبعين من عمره. ومن أقواله المأثورة: «لنجهد أنفسنا لكي نعيش بطريقة تجعل حتى القبار يبكي عند دفننا»، و»دور الصديق هو أن يكون إلى جانبك عندما تكون على خطأ إذ الجميع سيكونون إلى جانبك عندما تكون على صواب»، و «هناك ثلاثة أنواع من الأكاذيب: الأكاذيب، والأكاذيب الحقيرة، والإحصائيات: نحن لا نتخلص من عادة سيئة بإلقائها من النافذة، وإنما يتحتم علينا أن ننزل بها المدارج، درجة بعد درجة». صديقي جينيه «صديقي جينيه» هو عنوان كتاب جديد للكاتب الإسباني الكبير خوان غويتسيلو الذي يعيش بين باريس ومراكش منذ سنوات طويلة. وهو يقول بأنه تعرف على جان جينيه عام 1955، في دار «غاليمار» الشهيرة بحضور زوجته مونيك لانج. وقبل أن يهاجر إلى باريس هروبا من حكم فرانكو، كان خوان غويتسيلو قد قرأ بإعجاب شديد رائعة جان جينيه «مذكرات لص». وخلال اللقاء الأول، وجد نفسه أمام رجل يمكن ان يقوم بأعمال لا يجرؤ الآخرون على القيام بها، بل قد تثير حفيظتهم، وتغضبهم، وتستفزهم. وكان جينيه يتحدث بعفوية بالغة، مبيحا بأسراره في مجال العلاقات الجنسية. وعندما توثقت العلاقة بين الكاتبين، عاين خوان غويتيسيلو أن صاحب «مذكرات لص» يمكن أن يختفي في أية لحظة من دون الإعلان عن وجهته. كما يمكن أن يغادر الفندق الذي نزل فيه من غير أن يدفع المبلغ المتعلق بذمته. وغالبا ما يتغيب لفترة طويلة، ثم يتصل أصدقاؤه المقربون برسائل يبعث بها لهم من باكستان، أو من المغرب، أو من اليونان، أو من بولونيا. ويضيف خوان غويتسيلو قائلا: «لقد أثر في جينيه على المستوى الأخلاقي خاصة، وساعدني على فصل الأدب عن الحياة الأدبية. عندما كنت شابا يافعا،كنت مغرورا. لذلك كانت المقاهي والصالونات، واللقاءات الثقافية تثيرني وتجذبني. غير أن جينيه، أبعدني عن الغرور بسرعة فائقة. وأنا أتفق مع جينيه الذي يقول «إذا ما شرع الكاتب في تأليف كتاب وهو يعلم مسبقا نهايته، فإنه لن يخوض مغامرة إبداعية، بل سيكون بمثابة مسافر في حافلة في طريق رتيب». وأنا أتذكر جملة له، والكلام لغويتيسيلو، فيها يفسر صعوبة أعماله: «إن الصعوبة تكمن في مجاملة المبدع للقارئ». وهو على حق. كل تطوري الأدبي، والإنساني متضمن في هذه المقاربة». ويعتقد غويتيسيلو أن جينيه كان أكثر منه راديكالية في المجال السياسي. فقد كان يكره البورجوازية كرها شديدا حتى أنه كان يوافق دائما، ومن دون أي تردد على أي عمل يسيء لها، ومهما كان نوعه. وهذا ما يفسر دفاعه المستميت عن منظمة «بادر ماينهوف» الألمانية التي دعت الى استعمال العنف ضد البورجوازية، وعن «الفهود السود» في الولايات المتحدة الأميركية الذين شرعوا المواجهات العنيفة مع أجهزة الدولة لإجبارها على إقرار الحقوق المدنية للزنوج». وعن عمله ككاتب، يقول غويتسيلو: «أحب العيش في مراكش، وأنا أكتب في غرفة صغيرة، ولا أبتغي شيئا آخر غير الصمت. أعمل في الصباح. ولا أستعمل الآلة الكاتبة. لقد ظللت في القرن التاسع عشر. أقرأ في الظهيرة، وفي المساء أتجول في المدينة». شبح في قصر فارغ في الحادي عشر من أكتوبر 1963 توفي الكاتب، والشاعر والفنان الفرنسي الكبير جان كوكتو المولودفي الخامس من شهر يوليو 1889. ورغم الشهرة التي طبعت مسيرته الأدبية، فإن رحيله لم يلق صدى كبيرا بسبب انشغال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بفقدان سيدة الفن الغنائي إديث بياف التي توفيت في ذات اليوم. وكان جان كوكتو متعدد المواهب. فقد أبدع في فنون مختلفة مثل الرواية، والمسرح، والشعر، والسينما، وحتى الرسم. ومثل بودلير كان أنيقا، يرتاد الصالونات الفاخرة، ويعاشر المشاهير من الكتاب والشعراء والفنانين. وإليه يعود الفضل في اكتشاف كتاب موهوبين من أمثال جان راديغي صاحب رائعة «الشيطان في الجسد» والذي توفي وهو في الخامسة والعشرين من عمره. كما انه دافع عن جان جينيه عندما كان معتقلا، وكتب عنه يقول: «عار على فرنسا أن تترك عبقريا مثل جان جان جينيه يتعفن في سجونها». وفي المجلد السابع من يومياته الصادر حديثا عن دار «غاليمار» في باريس، يصف جان كوكتو نفسه قائلاً: «أنا شبح في قصر فارغ... ودائما تحدثت عن نفسي بعدم دقة». مع ذلك كان يرغب في أن يكون «أمير الشعراء»، وأن يكون في نفس مستوى شاعرية رامبو، وأن يكون «أسطورة حية». وكان كوكتو يهاجم العديد من مشاهير الكتاب، والشعراء في عصره، ويسخر بطريقة لاذعة من أعمالهم. فسان -جان بيرس «فم قذر»، وشعره «مزيف». وأندريه بروتون «حقود ويغار منه»، وبول كلوديل «عبقري مزيف». كما سخر من يونيسكو، ومن مورياك، ومن سانت -أوكسبيري، ومن كتابه «الأمير الصغير». ومن خلال يومياته، نعاين أن كوكتو كان يشعر أنه يعيش عزلة قاتلة في بلاده إذ أن الكثيرين يتحاشونه. وهو لا يشعر بالاطمئنان، ولا يلمس إشراقة عبقريته الإبداعية إلا في البلدان الأخرى التي يزورها من حين لآخر مثل بولونيا، والسويد، وألمانيا، وإسبانيا التي يعشق غجرها، وموسيقى الفلامينكو. وأما فرنسا فكانت تبدو له مقفرة ثقافيا، وليس فيها ما يستحق الاهتمام . وعندما انتخب في الأكاديمية الفرنسية عام 1955، كان يشعر بالضجر خلال الجلسات، والحفلات التي تقام في المناسبات الكبيرة. وغالبا ما يخرج غاضبا ناعتا أعضاء الأكاديمية بأقبح النعوت. ولم يكن يسلم من لسانه أحد لا في فرنسا، ولا في بلدان أوروبية أخرى. وبيكاسو، صديقه الحميم «عبقري لكنه شديد الحماقة لأنه لا يفهم عبقرية الآخرين». حياة رايمون راديغي في خريف عام 2012، صدر في باريس مجلد ضخم بأزيد من 800 صفحة يحتوي على رسائل الكاتب، والشاعر الفرنسي رايمون راديغي الذي توفي وهو في سن العشرين من عمره تاركا مخطوطات كثيرة تضمنت أشعارا ومقالات، وأيضا روايتين سوف تحظيان بإعجاب القراء والنقاد، وسوف تحققان له شهرة «عالمية عقب وفاته وهما: «الشيطان في الجسد»، و»حفلة الكونت دورجال الراقصة». ولد رايمون راديغي عام 1908. ومنذ البداية أظهر ميولا للأدب والشعر والموسيقى. وكان في الرابعة عشرة من عمره لما عاش قصة حب عاصفة مع امرأة شابة كان زوجها جنديا في جبهات القتال خلال الحرب الكونية الأولى. ومن قصة الحب تلك، استوحى موضوع روايته «الشيطان في الجسد» التي تحولت في ما بعد الى فيلم بديع شاهده الملايين في جميع أنحاء العالم. وفي سن الخامسة عشرة ترك البيت العائلي تماما مثلما فعل رامبو، وسافر الى باريس ليتعرف فيها على مشاهير الكتاب، والشعراء، والفنانين الطلائعييين من أمثال أندريه بروتون، وماكس جاكوب، وأبولينير، وتريستان تزارا، وأراغون، وموديغلياني، وبيكاسو، وكوكتو الذي ارتبط معه بعلاقة حميمة، وساعده على نشر قصائده، ومقالاته في كبريات المجلات الأدبية، ونوه بموهبته في الصالونات الباريسية. والذين عرفوه في تلك الفترة، أي في نهايات الحرب الكونية الأولى، يقولون إن رايمون راديغي كان يمضي الليالي تلو الليالي ساهرا، ومتنقلا بين المقاهي والمطاعم والحلقات الأدبية من دون أن يفقد صفاء ذهنه، مبرزا معرفته بالأعمال العظيمة في مجال الأدب والفن، والشعر، مرددا قصائد شعرائه المفضلين من أمثال مالارميه، فيرلين، رامبو، بودلير، وغيرهم. وقد تكون الحياة الصاخبة التي عاشها في باريس هي سبب موته المبكر في الثاني عشر من ديسمبر 1923. وبسبب صعقة الحزن، لم يتمكن صديقه جان كوكتو من حضور جنازته!، وفي ما بعد سيقول عنه: «هذا الفتى اليافع كان مدرستنا، ومعلمنا، ومعلما للعديد من الكتاب والشعراء». وبعد رحيله، تحول رايمون راديغي الى «أيقونة»، وإلى «أسطورة» في الأوساط الأدبية الفرنسية، واهتم بأعماله كبار النقاد. وقد اعتبر صدور مجلد رسائله حدثا أدبيا كبيرا إذ أن هذه الرسائل تكشف العديد من الجوانب الخفية في سيرة هذا الفنان الموهوب الذي عبر الحياة بـ «نعال من ريح» تماما مثلما هو حال رامبو. وقد قامت ابنة أخيه كلويه راديغي بجمع راسائل عمها بمساعدة جوليان ساندرز الذي يقول: «تعرفت على كلويه عام 1985. وفي عام 1987، شرعنا معا في التخطيط لإصدار الأعمال الكاملة لرايمون راديغي. ولم أكن أتصور البتة ان مشروعنا هذا سوف يستغرق قرابة ربع قرن. وكنت قد قرأت روايتي راديغي. كما قرأت «الخدود الملتهبة»، وهي مجموعة قصائد. وهذا يشكل في حد ذاته إنتاجا مهما بالنسبة لشاب مات في العشرين.. لكن تبين لي أنه ترك أكثر مما كنت أتصور، ويتصور الآخرون!». أغلب رسائل رايمون راديغي موجهة الى أصدقائه المقربين. ففي رسالة بعث بها الى ماكس جاكوب في شهر أبريل، كتب يقول: «عزيزي ماكس.. لقد تأخرت في الكتابة لك، وليس هذا بسبب الكسل، ولكن بالأحرى بسبب عشقي للعمل. فعندما تستبد بنا حمى الكتابة لتصبح أقل صعوبة من كتابة رسالة الى صديق يصبح من الصعب ترك القصيدة، وإهمالها. أعتقد أني سأعود بصناديق من القصائد. وافتناني بكتابة الشعر في هذه الأيام يمنعني أيضا من كتابة مقال حول قصائدك لـ»المجلة الفرنسية الجديدة». أتمنى من السادة المشرفين على هذه المجلة أن يتقبلوا مقالي النقدي على شكل قصيدة!. أنت تعرف أفضل مني التقاليد الأدبية، وإذا ما قلت، من دون أي مراوغة، أني لن أكتب مقالي للمجلة، فلأني أعلم جيدا أنك لا تعير مثل هذا الموضوع اهتماما كبيرا».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©