الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتفاق النووي والتكالب الغربي على الاقتصاد الإيراني

الاتفاق النووي والتكالب الغربي على الاقتصاد الإيراني
11 سبتمبر 2015 01:30
تتفاوت التقييمات حول العوائد الاقتصادية التي يمكن لإيران جنيها بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى 5 +1 والإلغاء التدريجي للعقوبات التي أنهكت الاقتصاد الإيراني وعرضت النظام لمخاطر حقيقية، وبالأخص بعد انهيار أسعار النفط والارتفاع الكبير للالتزامات المالية الإيرانية في دعم حلفائها في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن، والذي كلف ولا يزال يكلف الشعب الإيراني مبالغ طائلة. والأمر هنا بحاجة لنظرة موضوعية بعيدة عن التهويل الإعلامي والمبالغات، والتي قد تدعمها الظواهر التي رافقت التوصل إلى الاتفاق النووي وردات الفعل السريعة، وبالأخص من المسؤولين الأوروبيين الذي توافدوا على العاصمة الإيرانية لحجز حصة في عقود المشاريع القادمة. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة في السعي لطلب يد «الحسناء الإيرانية» وليس يد قادتها! والمقصود بيد الحسناء هو هذا التزاحم لنيل حصة من قيمة المشاريع المستقبلية التي سترافق رفع العقوبات الاقتصادية. عسكرة الاقتصاد الإيراني وبما أن «الحسناء الإيرانية» ليست في أفضل حالاتها بسبب الصعوبات الناجمة عن العقوبات والتبذير والفساد وسوء الإدارة الذي استمر لسنوات طويلة، فالأحزاب الإسلامية الدينية تجيد التخريب، وهي مبدعة في ذلك أكثر من البناء، ففي ظل حكم المرشد الأعلى وولاية الفقيه تم عسكرة الاقتصاد ووجهت الجهود نحو الصناعات العسكرية بصورة أساسية على حساب التنمية وتوفير فرص العمل للشعب الإيراني. وفي هذا الصدد بددت مليارات الدولارات على محاولة بناء ترسانة نووية لا أحد يمكنه استخدامها في الوقت الحاضر، حيث استغلت دول عديدة، ككوريا الشمالية الرغبات الإيرانية المغامرة لتحقيق أرباح خيالية، كما تم إنفاق مليارات أخرى لتطوير صواريخ عابرة للقارات بمدى 5 آلاف كيلومتر، مما يضع علامات استفهام كبيرة، هل إيران بحاجة لهذا المدى الذي يمكن أن يصل إلى أوروبا؟ فالوصول إلى إسرائيل والدول العربية وتركيا، وهم «الأعداء» المحتملين لملالي إيران لا يستدعي ذلك، فالأمر يتطلب مدى ألفين كيلومتر على أبعد تقدير، مما يصعب معه تفسير السياسة التي ينتهجها قادة إيران. لذلك، فإن الاقتصاد الإيراني في حالة يرثى لها، فالثروة التي تم جمعها على مدى سنوات ارتفاع أسعار النفط وبلوغها أرقاماً قياسية تم تبديدها على التسلح والصناعات العسكرية المتخلفة تكنولوجيا وعلى دعم دول فاشلة ومنظمات إرهابية وتهريب السلاح للبلدان المجاورة. وإذا اعتمدنا أفضل التقديرات وهو حصول إيران على 150 مليار دولار من الأصول المجمدة، فإن هذه الأموال ستتنازعها مراكز القوى في إيران ولن تجد لها طريقاً واحداً فقط، فجزء منها سيجد طريقه للمشاريع الاقتصادية بالتأكيد للتخفيف من حدة غضب الشعب الذي بدأ في طرح تساؤلات كثيرة حول جدوى دعم دول فاشله، كسوريا والعراق واليمن ومنظمات إرهابية، كـ«حزب الله» اللبناني وعائلة الحوثي والمنظمات التخريبية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهذا ما أشار إليه أحد كبار المسؤولين بالبيت الأبيض أثناء زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لواشنطن بداية الشهر الجاري قائلاً، أي المسؤول الأميركي: «نحن نتفهم أن لدى السعودية مخاوف بشأن ما قد تفعله إيران مع استفادة اقتصادها من رفع العقوبات». في حين سيجد جزء آخر من هذه الأموال طريقه للصناعات العسكرية، كالصواريخ العابرة للقارات والغواصات وحاملات الطائرات، على اعتبار أن نظام المرشد يعتبر إيران قوة عظمى عالمية ؟ أما الجزء الأهم من الـ150 مليار دولار فسوف تتقاسمه مراكز وقوى الفساد في النظام الإيراني، فالمرشد والذي يمكن أن نطلق عليه «شاهبندر العقار» بفضل امتلاكه محفظة كبيرة من الأملاك العقارية، بما فيها بعض قصور الشاه المصادرة لا بد وأن يحصل على حصة الأسد باعتباره «سيد»، في حين ستكون هناك حصة للحرس الثوري ونشاطاته الإرهابية وأخرى للحوزات الدينية ونشاطاتها الطائفية المتعددة. وإضافة إلى ذلك، فإن الـ 150 مليار دولار لن تعوض إيران عن فقدانها أضعاف هذا المبلغ من جراء انخفاض أسعار النفط وهبوطها من 147 دولار للبرميل في شهر يونيو 2014 إلى أقل من خمسين دولاراً للبرميل في الوقت الحاضر، أي أنه لو حصلت إيران على هذا المبلغ في ظروف أفضل لاستغلته بصورة أكبر في مختلف المجالات. سر التكالب الغربي لكن ما سر هذا التكالب الغربي على طهران؟ على اعتبار أن الشرق لم يقطع علاقاته الاقتصادية معها. بالتأكيد هناك مكاسب تجارية واقتصادية، فإيران دولة إقليمية كبيرة واقتصادها كبير نسبياً وقادر على توفير فرص استثمارية مهمة ومجدية، فهي على سبيل المثال أكبر سوق للسيارات في الشرق الأوسط، إلا أن الكثير من القطاعات والمرافق العامة، بما فيها مرافق الخدمات تضرر بشدة بفعل العقوبات من جهة، وبفعل سوء الإدارة والفساد من جهة أخرى. لذلك، فإن إيران بحاجة لاستقطاب رؤوس أموال أجنبية أكثر من كونها مصدراً لرؤوس الأموال هذه، علماً أن الاستثمارات الأجنبية ستتركز في القطاعات الأكثر ربحية، وهي قطاع الثروات الطبيعية، وخصوصاً النفط والغاز ومشاريع البنية التحتية، إلا أن هذه الاستثمارات لن تجد البيئة المناسبة والتسهيلات المريحة، فهناك كما ذكرنا مراكز قوى ومصالح متضاربة، بل ومتناقضة في أحيان كثيرة، ومثلما سيتم تقاسم الأموال المجمدة عند عودتها، فإنه سيكون هناك صراع ومنافسة على الاستحواذ على عقود الشركات الأجنبية والحصول على عمولات بملايين الدولارات، هكذا تقول تجربة الأنظمة الشمولية والفاسدة، إذ تعتبر تجربة العراق هي الأقرب لما سوف يحدث، علما بأن إيران تحاول ما استطاعت من قوة ونفوذ حماية المالكي رئيس وزراء العراق السابق بعد أن طالب الشعب العراقي بمحاكمته بسبب الفساد هو وعصابته، وعلى رأسهم رئيس القضاء مدحت المحمود والذي اعتبرته طهران خطاً أحمر، مما يدل على أن من يحمي الفاسد لا يمكن أن يكون أفضل منه! فساد بيروقراطي لذلك لن يكون التعامل مع هذا الجهاز البيروقراطي الفاسد سهلاً، بل ستكون هناك تعقيدات وعقبات لا يرتاح لها المستثمر الأجنبي عادة، إضافة إلى أن استمرار إيران في توتير علاقاتها مع دول الجوار، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي ودعم طهران للإرهاب يعتبر عامل عدم استقرار للوضع الإيراني الداخلي، وبالتالي عامل طرد للاستثمارات الأجنبية، وذلك إلى جانب الاستياء الشعبي، والذي تم التعبير عنه على أكثر من صعيد، سواء فيما يتعلق بوقف بالهدر الخارجي لأموال الشعب أو بالتفريق بين مكونات الفسيفساء المعقدة للتركيبة القومية والإثنية في إيران. وإلى جانب هذين القطاعين ستكون هناك فرص كبيرة للقطاع التجاري، وبالأخص الصادرات إلى إيران المتعطش اقتصادها ومواطنيها لكافة أنواع السلع والخدمات، إذ ستكون هناك مجالات عديدة لتنمية العلاقات التجارية مع قطاع الأعمال الإيراني، كما ستستفيد موانئ منطقة الخليج العربي من هذه الفرص، بما في ذلك إعادة التصدير لسوق كبيرة وواعدة بعدد سكان يبلغ 78 مليون نسمة واقتصاد بحاجة للكثير من السلع والمواد الأولية. وتتطلب هذه الاستفادة المتبادلة بين ضفتي الخليج تفهماً للاحتياجات الأمنية للطرفين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واتباع سياسة حسن الجوار، وما يصرح به وزير الخارجية محمد جواد ظريف تناقضه تصريحات المرشد ومعاونيه الممسكين بزمام السلطة الفعلية في طهران، فكمية الأسلحة التي هُرّبت من إيران وضُبطت في البحرين والكويت تعبر عن نوايا عدوانية شرسة، ففي الكويت على سبيل المثال قدر حجم السلاح المصادر بـ19 طناً من مختلف أنواع الأسلحة و140 كيلو غراماً من المتفجرات، بالإضافة إلى الكلاشينكوف والمسدسات، والتي من الواضح أن الهدف منها لا يقتصر على عمليات تخريب فحسب، وإنما اتضح للجميع أن الأمر أكبر من ذلك بكثير والمقصود بصورة جلية هو قلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة من قبل عملاء إيران وبدعم كبير منها. قطاع نفطي متهالك من ناحية أخرى يعاني الاقتصاد الإيراني من خلل هيكلي كبير وأزمات معقدة، فالقطاع النفطي متهالك بسبب العقوبات وبحاجة لتحديث، كما أن البنية التحتية تعاني نقصاً شديداً. أما قطاع النقل، فإنه يرجع لسنوات السبعينيات من القرن الماضي ويمكن ملاحظة تخلفه من عدد طائرات الركاب التي تتحطم بين فترة قصيرة وأخرى، يقابل ذلك مستويات عالية جداً من التضخم والتي بلغت 40%، حيث وعد الرئيس روحاني عند تسلمه السلطة بتقليصها إلى 20%، وهي نسبة كبيرة بدورها تساهم في تخفيض القوة الشرائية وتدني مستويات المعيشة، في حين يفوق معدل البطالة نسبة 30%، إلا أن هذه النسبة ترتفع بصورة مخيفة بين الشباب، كما أن هناك مؤشرات أخرى قوية على التذمر الشعبي الواسع في إيران والناجم عن الفقر، إذ إن نصف السكان تقريباً يعيشون تحت خط الفقر في بلد غني بثرواته الطبيعية. تطلعات غربية حذرة مجمل هذه الصورة العامة للتعقيدات السياسية والاقتصادية والأمنية ستحد كثيراً من استفادة إيران من رفع العقوبات، والتي ستستغرق بعض الوقت، فالتكالب الحالي من قبل الغرب وشركاته سيكون حذراً ومتردداً حيال الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، فالأمر الأساسي لرؤوس الأموال الأجنبية يكمن في الأمن والاستقرار السياسي والمالي، والذي من دونهما لا يمكن استقطاب الاستثمارات لأي بلد في العالم. وبالتالي، فإن مساهمة إيران في تخفيف حدة التوتر في المنطقة ونهج سياسة حسن الجوار شرط لا يقل أهمية بالنسبة لمستقبلها الاقتصادي عن إلغاء العقوبات، فالأمن والتنمية وجهان لعملة وواحدة ولا تستقيم الأمور بفصلهما عن بعض، إلا أن ذلك يتطلب قناعة نظام الولي الفقيه الراديكالي في طهران بأهمية هذا التوجه والتخلي عن محاولة جر المنطقة إلى سباق تسلح مكلف لكل الأطراف، والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار نظام الملالي، كما ساهم سباق التسلح في انهيار الاتحاد السوفييتي. طفرة مرهونة بالتعاون ومع ذلك، فإن هناك تطورات إيجابية مهمة سترافق رفع العقوبات عن إيران، إذ إن المؤسسات المالية والمصرفية ستستعيد موقعها وتعاملاتها وستندمج تدريجياً في النظام المالي الدولي وستسترد العملة جزءاً من قيمتها، كما سيرتفع إنتاج النفط والغاز، وسينخفض معدل التضخم، وتتوفر مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة، وسينمو القطاع التجاري، علما بأن هناك قطاعات أخرى بحاجة لإصلاحات جذرية واستثمارات كبيرة لتستعيد نشاطها، كالقطاع السياحي وقطاع النقل الجوي. وبالنتيجة، فان مدى استفادة إيران من رفع العقوبات سيتوقف كثيراً على نهجها السياسي والاقتصادي والعسكري في الفترة القادمة، فكلما تعاونت طهران مع محيطها الإقليمي واستجابت لبنود الاتفاق دون مواربة ومحاولات التفاف، كلما أمكنها تسخير نتائج الاتفاق النووي لخدمة شعبها وتوجهاتها التنموية، والعكس صحيح تماماً، فتوتير الأجواء وخرق الاتفاقية والتدخل في شؤون الآخرين وتمويل عمليات التخريب ستحد كثيرا من هذه الاستفادة وسيدفع ثمنها الشعب الإيراني الذي تحمل الكثير جراء سياسات راديكالية وطائفية عدوانية ومتخلفة ولّى زمانها ولا تستقيم وروح ومتطلبات العصر الحديث. د. محمد العسومي* *خبير ومستشار اقتصادي انحدار «التومان» العملة الإيرانية «التومان» انحدرت إلى القاع، وفقدت النسبة الأكبر من قيمتها، مما دفع برجال الأعمال والمستثمرين إلى تهريب أموالهم للخارج، في حين لا يشجع ذلك كثيراً على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية بسبب عدم الاستقرار المالي والنقدي والذي تضاف إليه القيود المفروضة على التعاملات الخارجية، وبالأخص بعد العقوبات التي فرضت على المصرف المركزي والمؤسسات المالية التابعة للدولة وتجميد أصول كبار القادة ووضعهم على قوائم اللوائح السوداء في الكثير من بلدان العالم. **خرق الاتفاقية والتدخل في شؤون الآخرين وتمويل عمليات التخريب سيدفع ثمنه الشعب الإيراني الذي تحمل الكثير جراء سياسات راديكالية وطائفية عدوانية ولى زمانها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©