الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحات مصاب بالتوحد يجسد نسمات الحرية في أعماله

نحات مصاب بالتوحد يجسد نسمات الحرية في أعماله
17 سبتمبر 2011 21:44
عمر يحيى نحات مصاب بمرض التوحد، لم يتجاوز عمره 24 عاما، ويمتلك حسا فنيا مميزا، وأسلوبا خاصا يعبر به عن ذاته ورؤيته للكون والأحداث وجسد هذه الرؤية في إبداعاته الفنية من التماثيل المنحوتة ببراعة وحرفية عالية، وقد ضمها معرضه الفني تحت عنوان “نسمات الحرية” وافتتحه وزير الثقافة المصري د. عماد أبوغازي بمركز طلعت حرب الثقافي بالقاهرة. تفيض أعمال النحات “المتوحد” عمر يحيى بالحماس والمشاعر الرقيقة، حيث صاغ بعض الرموز والأشكال من خلال منطقته الخاصة التي صبغت أعماله بطاقة هائلة، كما تقول الدكتورة عبلة حنفي أستاذ سيكولوجية الفن. تكوينات إبداعية أثار المعرض اهتمام الوسطين الفني والإعلامي لما تضمنته الأعمال من رؤية عميقة وإحساس مرهف يعكس مستوى فنيا متميزا في النحت، وهو المعرض الأول، الذي يعبر فيه أحد الفنانين من ذوي الإعاقة الذهنية عن رؤيته لأحداث ثورة 25 يناير، وتأثيرها عليه من خلال أعماله النحتية. وأشاد الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري بجودة الأعمال المعروضة حول الثوار والشهداء من خلال تكوينات فردية وجماعية تعكس تأثره بالأحداث. وضم المعرض عددا كبيرا من الأعمال الفنية التي أنتجها يحيى على مدار عام ونصف العام، ويمكن تصنيفها إلى أربع مراحل هي تأثره بالفن المصري القديم، وعلاقة الحب والارتباط بأسرته، واهتمامه بتفاصيل الجسد من خلال تجسيده لفنون الجمباز وحركاته في أوضاع مختلفة، ثم معايشته وتأثيره بثورة 25 يناير وتطور أحداثها. ووقف يحيى في أحد أركان قاعة العرض يصافح الوزير، ويرد بهدوء على عبارات التهنئة والإعجاب، وقال “أخذت فكرة بعض الأعمال من الصور المنشورة في الصحف والمجلات وعملت تماثيل من الطين والشمع. وأتمرن كثيراً ليخرج عملي جيدا والتمثال الواحد يستغرق يومين أو أسبوعين أو شهرا. وأنا أحب النحت ومشاهدته في المتحف المصري، وأحببت التاريخ الفرعوني والرسوم والتماثيل وزرت المتحف كثيرا، وأحب حديقة الحيوان جدا وخاصة الأسود”. وأشاد بدور معلمته د.أماني صبري في تشجيعه على إقامة المعرض، وكذلك دور والده الذي يساعده كثيرا ويحضر له القواعد للتماثيل واللصق وكل الأدوات. براعة وتمكن تقول صبري، الحاصلة على دكتوراه فلسفة في التربية الفنية والمتخصصة في ذوي الاحتياجات الخاصة “أعمل معلمة أطفال من ذوي الإعاقة على مدار 21 عاما، ولكن عمر أكسبني شهرة وأنا فخورة به كطالب وابن”. وتضيف “لفت عمر نظري منذ التقيته للمرة الأولى قبل سنوات بعيدة في جمعية “الحق في الحياة”، وكان عمره 8 سنوات وكنت أدرس له ولأقرانه ومن خلال برنامج التربية المتحفية كنا نزور الكثير من المتاحف في مصر، وكانت المفاجأة عندما ذهبنا لزيارة المتحف المصري ولمست شغف عمر الكبير بالتماثيل الفرعونية واهتمامه بتكرار الزيارة لهذا المتحف. وأدهشني ذكاؤه”. وتقول صبري “خلال متابعتي له لاحظت أنه يهتم بمظهره ونظافته ويأخذ الحياة بجدية. وإذا كلفته بعمل ما يهتم بتنفيذه وعندما بدأ تعلم النحت ظهرت براعته وقدراته الخاصة مبكرا. وكان يرفض الحصول على راحة أو فسحة ويفضل مواصلة العمل في تمثال ما وربما لانه شعر بالنجاح وهذا النجاح يجعله سعيدا وهو شديد الحساسية والرقة ولا تصدر عنه أي إساءة للآخرين”. وتؤكد أن موهبة يحيى في النحت برزت في اختياره للموضوعات ثم أساليب التشكيل وأسلوب المعالجة. مشيرة إلى أنه مصاب بمرض التوحد وهذا المرض يجعل الإنسان يعيش في عالمه الخاص، ويرفض التواصل مع الآخرين، ولكن لكل حالة سمات خاصة فلا يمكن التعميم. واكتشفت أن يحيى لديه القدرة على حل أصعب المشاكل بسرعة وسهولة مذهلة. ورغم تأخر بعض المهارات فإنه موهوب في العديد من المجالات وذكي، وبه رقي لافت، ولا يمكن أن يلقي شيئا على الأرض، ولا تخرج منه كلمة نابية أو صوت عال، ويظهر ذلك بوضوح في كل سلوكياته ولديه ذاكرة فولاذية ومخزون ثقافي وعلمي موسوعي. نحو العالمية عن طموحاتها ليحيى، تقول “أتمنى أن يرى العالم كله إبداعات عمر وقدراته الفنية، ورغم مشاركته في العديد من المعارض، وحصوله على العديد من الجوائز وشهادات التقدير أراه يستحق العالمية، فهو موهبة متفردة، وله أعمال يقتنيها المتحف المصري للطفل، وحاصل على الجائزة الأولى في صالون الفن الخاص في دورته الثالثة هذا العام، وشهادات تقدير من كلية التربية الفنية في ملتقى فنون أطفال العرب، ومنها مركز إبداع الطفل عام 2010 و2011 وهذا هو معرضه الفني الثاني حيث كان الأول العام الماضي”. وتشير إلى أهمية أن يتفاعل المجتمع مع مواهب ذوي الاحتياجات الخاصة، ويمنحهم ما يستحقونه من الاهتمام والحماس الذي أبدته مديرة مركز طلعت حرب الثقافي بموهبة يحيى، وكان إحدى دعائم نجاحه واستمراره ليقيم معرضه الثاني بالمركز. ويرى المهندس يحيى الدمرداش، والد عمر أن الله منَّ على ابنه بالعديد من المزايا فهو يجيد الاهتمام بنفسه وبنظافته الشخصية، ويمارس الرياضة بشكل منتظم، وحصل على المركز الأول في بطولة الجمهورية لتنس الطاولة عامي 2008 و2009، ويتعامل مع “الإنترنت” ببراعة تفوق كل التوقعات. ويمكنه عمل بحث في العديد من المواقع ليختار ما يريد من أفلام حديثة وأغلبها أفلام كرتونية. ويضيف “مرض التوحد محير وكل حالة لها سمات خاصة وبعض المتوحدين يجيد تركيب أعقد ألعاب البازل في دقائق معدودة ويتفوقون على غيرهم من الأسوياء”. ويشير والد عمر إلى أن النجاح الذي يحصده عمر في المجال الفني حاليا وراءه الجهد الكبير لجمعية الحق في الحياة والمعلمة صبري التي تبنته وتحمست له بعد أن اكتشفت موهبته منذ سنوات فكانت تصحبه في رحلات دائمة لكل المتاحف ومنها متحف الفن الحديث ومتحف محمود مختار وغيرها. دور المحيط الأسرى حول دور المحيط الأسري في صقل موهبة عمر يحيى، تقول معلمته أماني صبري إن دور الأسرة مهم، فيحيى ينتمي إلى أسرة متفهمة ومثقفة حيث أجاد والداه التعامل معه من خلال إحاطته بالرعاية والحب والاهتمام ما جعله يحرز تقدما في الحياة، وانعكس ذلك على سلوكياته ومهاراته بصورة إيجابية. من جهته، يقول يحيى الدمرداش، والد عمر “أمنياتي أن يكون ابني سعيدا في حياته سواء عن طريق نجاحه في النحت أو الرياضة. وأحاول أن أجعله ينتظم في عمل ما يتناسب مع قدراته ومهاراته الفنية، وقد بدأ الانتظام في العمل معي في مصنعي الصغير الخاص بتنفيذ بعض قطع الملابس، وتعلم رسم الباترون ويعرف كيف يستخدم المقص وبعض الأدوات الخاصة بالعمل، ويساعده على النجاح ذاكرته القوية فهو إذا شاهد أي شيء مرة واحدة لا ينساه”.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©